قال معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ، إن سعى أنقرة للتدخل في ليبيا، يأتي من حالة العزلة التي تعيشها تركيا في شرق البحر المتوسط، والتي تفاقمت من سوء تقدير سياسة الرئيس التركي رجب أردوغان الإقليمية خلال انتفاضات "الربيع العربي".
وأضاف معهد الأبحاث الأمريكي في تقرير للباحث التركي سونر جاجايتاي والباحث بين فيشمان، أن دعم أردوغان لجماعة الإخوان في مصر في الفترة ما بين 2011-2012 قد كلّف أردوغان الكثير بعد الإطاحة تلك الحكومة من خلال الاحتجاجات الشعبية.
وعندما رفض الاعتراف بالحكومة اللاحقة للرئيس عبد الفتاح السيسي، تسبب بنفور الأعضاء ذوي النفوذ في مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما السعودية والإمارات، الذين دعموا السيسي وكانوا قلقين للغاية بشأن دور الإخوان والحركات الإسلامية الأخرى في السياسة الإقليمية بينما كانت قطر هي الاستثناء الوحيد بين دول الخليج، حيث عملت بنشاط مع تركيا لدعم الأحزاب الإسلامية في الشرق الأوسط وتشكيل تحالفات فعلية ضد مصر والإمارات والسعودية على جبهات مختلفة.
كما وجدت تركيا نفسها مؤخراً بمواجهة تحالف ناشئ من الخصوم القدامى والجدد عبر شرق البحر المتوسط، وخاصة قبرص ومصر واليونان، ونظراً لتراوح علاقتها مع هذه الدول بين الفتور والعدائية، تشعر أنقرة بالقلق إزاء المعدل الذي اصطفت به تلك الدول في تعاون استراتيجي، تضمن مبادرات مشتركة في المجالات الدبلوماسية والعسكرية والطاقة.
وجاء فى التقرير: "على سبيل المثال، بعد فترة وجيزة على وصول السيسي إلى السلطة فى مصر، بدأ محادثات مع اليونان لترسيم حدود المناطق البحرية الاقتصادية بين البلدين. ثم عقد قمة ثلاثية في نوفمبر 2014 للترويج لاتفاق لتزويد مصر بالغاز الطبيعي من الحقول البحرية الواقعة قبالة الساحل القبرصي، كما استضافت القاهرة الاجتماع الافتتاحي لـ "منتدى غاز شرق المتوسط" في وقت سابق من هذا العام، ولوحظ استثناء تركيا منه، وعلى الجبهة العسكرية، تجري مصر مناورات جوية مشتركة مع اليونان منذ عام 2015، وتم تنفيذ المناورة الأولى المسماة "ميدوزا" على جزيرة رودس اليونانية على بعد 12ميلاً فقط من السواحل التركية. وبدأت القوات القبرصية المشارَكة في تدريبات "ميدوزا" عام 2018."
وتهدف الاتفاقية البحرية الجديدة التي أبرمتها أنقرة مع طرابلس جزئياً إلى التصدي لهذا التعاون، فقد رسم الاتفاق الموقع في 28 نوفمبر محوراً بحرياً افتراضياً بين دالامان الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا ودرنة الواقعة على الساحل الشمالي الشرقي لليبيا بعيداً عن مجال السيطرة العملية لـ "حكومة الوفاق الوطني". ومن وجهة نظر أردوغان، يتيح له هذا الخط اعتراض التكتل البحري الناشئ بين قبرص ومصر واليونان وإسرائيل.
وذكر تقرير معهد واشنطن أنه على الرغم من أن أوروبا والولايات المتحدة قد حذرتا "حكومة الوفاق الوطني" من أن إقامة علاقات أوثق مع تركيا من شأنه أن يُعرّض دعمها للخطر في الغرب، إلا أن السلطات في طرابلس شعرت بعدم وجود خيار آخر أمامها بعد ثمانية أشهر من القتال المتجدد. وزادت الخسائر العسكرية لقوات "حكومة الوفاق الوطني" بسبب الضربات بطائرات بدون طيار ودعم روسيا للجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر.
وخلص التقرير إلى إن التردد الأمريكي فيما يتعلق بمعركة طرابلس قد سمح للروس باكتساب النفوذ في الجانب الجنوبي من حلف شمالي الأطلسي.
كما أثار نقطة احتكاك غير ضرورية مع تركيا، وكذلك بين أنقرة وحلفاء آخرين للولايات المتحدة في شرق البحر المتوسط.
وقال التقرير : "أصبح المجال ضيقاً اليوم أمام واشنطن لمنع وقوع المزيد من أعمال العنف في ليبيا والحد من نفوذ موسكو هناك.
ولتحقيق ذلك، عليها أن تدعم بالكامل الجهود التي تقودها ألمانيا لإقناع جميع الأطراف الخارجية ذات الصلة - بما في ذلك تركيا وخصومها - بالالتزام بوقف إطلاق النار ووقف عمليات نقل الأسلحة. ويجب أن يهدد المسؤولون الأمريكيون أيضاً باستخدام صلاحيات العقوبات القائمة ضد منتهكي اتفاق وقف إطلاق النار بعد التوقيع عليه".