مازالت قضية استقالة الأنبا سوريـال أسقف الكنيسة القبطية بملبورن تلقى بتبعاتها على الكاتدرائية التى تحاول احتواء الأزمة حيث تقدم الأسقف باستقالته للكنيسة فى مطلع نوفمبر الماضى ونشر استقالة مسببة على الفيس بوك قال فيها إنه تعرض لإهانات وتهديدات بالقتل، متابعًا: "الرب شاهد أننى احتفظت بالكهنوت والأسقفية الطاهرة وغير المشوهة".
البابا تواضروس يوفد أساقفة لاستراليا لإرجاع أسقف ملبورن عن قراره
يأتى ذلك رغم ما تنص عليه القوانين الكنسية من عدم جواز استقالة الأسقف من كهنوته، وفقا لقانون الكنيسة القبطية فالأسقف متزوج من ايبراشيته التى تم تجليسها على كرسيها ولا يجوز له ترك هذه الخدمة إلا بالوفاة، فرسامته "تعيينه" تم بدعوة من الله ومن ثم لا يمكن له الانحلال من هذه المسئولية الرعوية.
من جانبه، أعلن البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية إنه أمهل الأنبا سوريـال حتى احتفالات عيد القيامة المقبل من أجل التراجع عن قراره وإعادة النظر فيه وأوفد البابا تواضروس الأنبا رافائيل لمحاولة التدخل لدى أسقف استراليا والنظر فى شئون الإيبراشية التى يديرها الراهب القس جرجس الأنطونى وكيل الايبراشية والذى رشحه الأنبا سوريـال لتولى المسئولية من بعده.
كيف تتسبب استقالة الأنبا سوريـال فى أزمة قانونية للكنيسة لدى الحكومة الاسترالية؟
فيما كشفت مصادر بإيبراشية ملبورن، إن وساطة الأنبا رافائيل لم تفلح ولم تثن الأنبا سوريـال عن قرار استقالته الذى صار نهائيًا فعمل البابا على إيفاد الأنبا تادرس مطران بورسعيد بعد عودة الأنبا سوريـال وحتى الآن لم تسفر تلك المفاوضات عن أي جديد.
المصدر أكد على أن استقالة الأنبا سوريـال تضع الكنيسة القبطية فى أزمة قانونية لدى الحكومة الاسترالية، لأن الأنبا سوريـال هو الممثل الوحيد للكنيسة القبطية لدى الحكومة وهو المخول له التوقيع على إجراءات وأوراق هجرة الأقباط هناك ومن ثم فغيابه يعنى إيقاف كل تلك الإجراءات لحين اعتماد مسئول كنسى جديد، مشيرا إلى أن الأنبا دانييل أسقف سيدنى لا يتمتع بنفس الصفة القانونية لدى الحكومة.
ماذا ستفعل الكنيسة فى تلك الأزمة؟
استقالة الأنبا سوريـال هى الاستقالة الثانية لاسقف فى عصر البابا تواضروس بعدما تقدم الأنبا آبرام أسقف الفيوم باستقالته العام الماضى وتسبب هذا القرار فى أزمة كنسية حيث رفضت لجنة شئون الإيبراشيات بالمجمع المقدس تلك الاستقالة استنادا للقانون الكنسى الذى لا يجيز ذلك، وظل اسقف الفيوم فى خلوة روحية بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون حتى تظاهر أمام قلايته وفود من شعب كنائس الفيوم تطلب عودته، بينما توسط وفد كنسى على رأسه الأنبا موسى وبحضور الأنبا رافائيل والأنبا بنيامين من أجل عودته مرة أخرى حتى أتت تلك المفاوضات أثرها وعاد الأسقف لإيبراشيته فى مستهل صلوات أسبوع الآلام العام الماضى، كذلك فإن عصر البابا شنودة قد شهد استقالة الأنبا متاؤس أسقف المحلة الذي يعيش حاليًا في أمريكا، وتمت رسامة أسقف عام على الإيبارشية حاليًا، وهو الأنبا كاراس.
من جانبه طالب كمال زاخر مؤسس التيار المسيحى العلمانى، بضرورة السماح للأساقفة بالاستقالة مع الحفاظ على رتبهم الكنسية ولكن دون ممارسة أى دور إدارى، مؤكدًا على أن الحفاظ على إيمان الكنيسة وعقيدتها لا علاقة له بالشئون الإدارية.
وقال زاخر، إن الأسقف يظل أسقفًا حتى الموت، أما الإدارة أو التدبير الكنسى فمن الممكن أن يعفى منه لأسباب صحية أو نفسية، لأنه أمر مرتبط بالقدرة على العطاء، مشيرًا إلى أن البابا شنودة وجد مخرجًا لتلك المعضلة، وعين أسقف عام لبعض الإيبراشيات رغم وجود الأساقفة على قيد الحياة مثلما حدث فى المنيا، التى يخدم فيها الأنبا أرسانيوس مطران المنيا، والأنبا مكاريوس الأسقف العام.
ودلل زاخر على قوله بما جاء فى بيان المجمع المقدس حول رفض استقالة الأنبا إبرام حين ذكر البيان نصًا عبارة "جرى العرف الكنسى"، ما يعنى أن رفض استقالة الأسقف مجرد عرف وليس قانون ثابت.
يرى زاخر، أن الإدارة الكنسية لا بد وأن تتطور بتطور الحياة، فقبل البابا كيرلس السادس لم تكن الكنيسة تعرف تعيين أساقفة متخصصين ولكن البابا كيرلس عين الأنبا شنودة أسقفا للتعليم والأنبا صموئيل أسقفا للخدمات العامة والاجتماعية مضيفًا: التطور يفرض على الإدارة الكنسية أن تنشئ أنظمة غير معروفة من قبل منها إمكانية استقالة الأسقف، أو إحالته للتقاعد، وهو لا يعيب الأساقفة.
واستشهد زاخر بالكنيسة الكاثوليكية التى تقبل استقالة الأساقفة بل الباباوات، فسبق أن قبلت استقالة البابا بنديكتوس بل وانتخبت بابا جديدًا فى حياته هو البابا فرنسيس مع احتفاظ البابا القديم بكل صلاحياته الكهنوتية.
إيبراشيتا أستراليا.. تاريخ من الأزمات.. استقالة أسقف وإيقاف أخر
رغم إن أستراليا من أكبر إيبراشيات الكنيسة القبطية فى المهجر حيث يعيش فيها ما يقرب من ثلاثة مليون قبطى، إلا أن تلك الدولة شاسعة المساحة قد شهدت عدة أزمات تتعلق بالإدارة الكنسية هناك، فقد سبق وقرر البابا شنودة الثالث إيقاف الأنبا دانييل أسقف سيدنى على خلفية شكاوى من شعب الكنيسة تتهمه فى بعض الأمور المالية والإدارية وظل قرار الإيقاف ساريا حتى وفاة البابا شنودة الثالث، وحين جلس البابا تواضروس على كرسى مارمرقس أعاد النظر فى قضية الأساقفة الموقوفين عبر لجان كنسية وقرر إعادة الأنبا دانييل أسقف سيدنى والأنبا تكلا أسقف دشنا.
بينما تصاعدت مطالبات أقباط أستراليا وشكاويهم ضد أسقف سيدنى قبيل زيارة البابا تواضروس الثانى لأستراليا التى جرت فى شهر سبتمبر عام 2017، حتى فوجئ الرأى العام القبطى باستقالة الأنبا سوريـال أسقف ملبورن دون أن يفصح عن أسباب الخلافات التى ذكرها فى بيان استقالته.
والأنبا سوريـال من دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، رسمه البابا شنودة عام 1997 على إيبارشية ملبورن، وهى نفس دفعة رسامة البابا الحالى تواضروس الثانى، وولد عام 1963، وحصل على بكالوريوس العلوم، ودبلوم التربية من جامعة سيدنى بأستراليا عام 1985، وحصل مؤخرًا على درجة الدكتوراه فى اللاهوت فى رسالة عن "حبيب جرجس" مؤسس مدارس الأحد القبطية.