دعم كبير حصلت عليه قرية المهندس التاريخى الكبير حسن فتحى، التى تقع فى مدينة القرنة غربى محافظة الأقصر، وذلك لمواصلة أعمال تطويرها ورفع كفاءة المبانى التاريخية داخله من مسجد القرية ومسرحها والمبانى والغرف القديمة التراثية التى تعود للفنان والمهندس العظيم صاحب الشهرة العالمية بمصر ومختلف أنحاء العالم، حيث انطلق المهندس طارق وإلى فى عمله لترميم باقى أجزاء القرية بتكليف من منظمة اليونيسكو العالمية التى تتكفل بالترميم والتطوير للقرية للحفاظ على تاريخها العالمى بجنوب الصعيد.
وفى هذا الصدد زار المهندس طارق وإلى المتخصص فى شئون العمارة والتراث، برفقة وفد من المصريين والعرب العاملين بالمركز مقر قرية القرنة الجديدة وقرية المهندس حسن فتحى التاريخية لمعاينة المنطقة على أرض الواقع، والسعى للبدء فى تطويرها وترميمها وحمايتها، حيث تقرر أن يتم العمل بمعرفة مركز طارق وإلى للعمارة والتراث فى مبنى الخان ومبنى الجامع ومبنى المسرح ومبنى دار العمودية ومسكن حسن فتحى وساحة التحطيب التاريخية بالقرية، ومعرض حرف القرية والسوق القديم.
وأعلن مركز طارق وإلى للعمارة والتراث، أنه تم بدء العمل فى إحياء مبنى الخان بالقرية بإزالة الزراعات والرديم غرب المبنى ومعالجة تأثيرها السلبى على المبنى، والعمل على خفض مستوى الشارع حول المبنى لإعادة المنسوب الأصلى للموقع، وإنشاء نظام صرف محيط بالمبنى لمنع وصول تجمعات المياة للمبنى، والكشف عن أساسات المبنى ومعالجتها وتدعيمها بالخرسانة، ومعالجة القباب والقبوات وتدعيمها إنشائياً وإستعادة التصميم الأصلى للناحية الجنوبية، والعمل على التشطبيات الداخلية والخارجية والعمل على التجهيزات الفنية، وذلك من شبكات صرف وتغذية وكهرباء وإنارة بالإضافة لخدمات المحمول والإنترنت، وإزالة الإشغالات وإستعادة الأجزاء المتعدى عليها غرب المبنى وإعادة فتح الممر الجنوبى.
وقدم المهندس طارق وإلى إستشارى مشروع إعادة ترميم القرنة الجديدة عرض لخطة الترميم، مؤكداً أنه المشروع حلم كبير يجرى لإعادة تاريخ المهندس العظيم حسن فتحى والحفاظ على الطابع الأساسى للقرية، حيث أن القرية عانت على مدى 70 سنة من عوامل تدهور كثيرة وحدثت بعض التعديات على القرية وعمليات هدم وإعادة بناء إضافة إلى تهدم بعض المبانى والمنشآت.
وفى نفس السياق أعلنت إدارة مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، عن إطلاق مبادرة لإحياء المسرح التراثى الذى شيده المعمارى المصرى العالمى حسن فتحى فى غرب مدينة الأقصر قبيل أكثر من 80 عاما، وذلك بالتعاون مع المسئولين فى محافظة الأقصر، وجاءت المبادرة إستجابة للطلب الذى تقدم به محمد عثمان، الخبير السياحى وعضو لجنة التسويق السياحى بمحافظة الأقصر، لترميم المسرح إلى تعرضت الكثير من أجزائه للانهيار، وأن يعاد افتتاحه أمام الجمهور، بالتزامن مع افتتاح الدورة الثامنة من مهرجان الأقصر للسينما الافريقية منتصف شهر مارس المقبل، وهو المقترح الذى وافق عليه نائب محافظ الأقصر محمد عبدالقادر، وإلى طلب بالتنسيق مع وزارة الثقافة لدراسة إمكانية ترميم المسرح وعودته للحياة مرة أخرى.
وزار الفنان محمود حميدة رئيس شرف الدورة الرابعة للمهرجان، فى نهاية العام الماضى، برفقة السيناريست سيد فؤاد، رئيس المهرجان، والمخرجة عزة الحسينى مديرة المهرجان، يرافقهم محمد عثمان، نائب رئيس الجمعية المصرية للحفاظ على السياحة الثقافية، وبعض الناشطين فى مجال حماية المبانى التراثية فى الأقصر، بزيارة لقرية حسن فتحه ومسرحه الشهير فى غرب الأقصر، وناقشا مع عدد من المعنيين بعمارة حسن فتحى، وخبراء ما يسمى بعمارة الفقراء، التى اسسها حسن فتحى بمصر والعالم، إمكانية ترميم المسرح ورفع كفاءته وفتح للجمهور مجدداً، وإنتقد الفنان محمود حميدة حالة الإهمال التى تعرض لها المسرح الذى يعد تراثا فنيا وشعبيا مهما، من قبل مؤسسات دولية ومحلية، وطالب بمشروع عاجل ، لترميمه وحمايته من الإنهيار، وناشدت إدارة المهرجان الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة ، ومصطفى ألهم، محافظ الأقصر، والدكتور خالد العنانى وزير الآثار، بالتنسيق المشترك للبدء سريعا فى تنفيذ مشروع عاجل لإنقاذ المسرح وترميمه وتقديم بعض عروض وفعاليات المهرجان على خشبته بحلول منتصف شهر مارس المقبل، وأبدى كل من وزيرة الثقافة ايناس عبدالدايم ومحافظ الاقصر مصطفى الهم ونائبه محمد عبد القادر ترحيبهم وتعاونهم من أجل ترميم مسرح حسن فتحى واعادته للحياة مجددا، وأكد محمد عثمان الخبير السياحى، على جاهزية جمعيته لتولى أعمال الترميم، بمعرفة خبراء البناء والترميم، وعايشوا فنون العمارة الخاصة التى أسسها المعمارى الراحل حسن فتحى.
وكانت قد أعلنت منظمة اليونيسكو عن إنطلاق مشروع إعادة ترميم القرنة الجديدة بكل قوة على 3 مراحل، تتضمن المرحلة الأولى ترميم مبنى الخان وترميم الجامع، بينما تتضمن المرحلة الثانية ترميم مبنى مسرح القرية ومسكن حسن فتحى وإعادة تأهيل سوق القرية، وتتضمن المرحلة الثالثة ترميم دار العمودية وإعادة تأهيل الميدان العام ورفع كفاءة الطرق، حيث قال غيث فريز مدير مكتب اليونسكو الإقليمى للعلوم فى الدول العربية وممثل اليونسكو لدى مصر، أن المشروع متميز وأصبح موقع تراث لليونسكو منذ عام 1971، والحفاظ عليه يخلد الفكرة والفلسفة التى جاء بها حسن فتحى، وهى "فلسفة عمارة الفقراء" بإستعمال المواد المحلية بشكل متوازن بيئياً، مؤكداً على أن منظمة اليونسكو مهتمة بالقرية ووفرت تمويل قدره 750 ألف دولار لدعم المشروع، بالتعاون مع مهندسين مصريين من تلاميذ المهندس العظيم حسن فتحى لترميم قريته.
وكان قد ولد المهندس المعمارى (حسن فتحى) فى 23 مارس عام 1900، بمحافظة الإسكندرية، لأسرة مصرية ثرية، وانتقل فى الثامنة من عمره مع أسرته للإقامة بحلوان جنوب القاهرة، وعاش طول حياته فى منزل بدرب اللبانة بحى القلعة بمدينة القاهرة، وتأثر المهندس حسن فتحى بالريف وبحالة الفلاحين أثناء زيارته له وهو فى سن الثامنة عشر، وكان يود أن يكون مهندس زراعى، لكنه لم يستطع الإجابة فى امتحان القبول، فحصل على دبلوم العمارة من المهندس خانة - كلية الهندسة حالياً - بجامعة الملك فؤاد الأول - جامعة القاهرة حاليا - فى عام 1926، وعمل بعد تخرجه مهندسًا بالإدارة العامة للمدارس بالمجالس البلدية (المجالس المحلية حالياً)، وكان أول أعماله مدرسة طلخا الابتدائية بريف مصر ومنها أتى اهتمامه بالعمارة الريفية أو كما كان يسميها عمارة الفقرا، ثم كُلّف بتصميم دار للمسنين بمحافظة المنيا بجنوب مصر، وأمره رئيسه بأن يكون التصميم كلاسيكيًا، فلم يقبل فتحى تدخله واستقال من العمل فى عام 1930.
وبدأ المهندس حسن فتحى العمل فى بناء تلك القرية التاريخية عام 1946م، وكانت لقرية القرنة شهرة عالمية بسبب كتاب عمارة الفقراء، الذى يسرد فيه قصة بنائها، وأنشئت القرية لاستيعاب المهجرين من مناطق المقابر الفرعونية بالبر الغربى لإنقاذها من السرقات والتعديات عليها، وخصوصًا بعد أن اكتشف المختصون وعلماء الآثار سرقة نقش صخرى بالكامل من أحد القبور الملكية، فصدر قرار بتهجيرهم من المقابر، وإقامة مساكن بديلة لهم، وخصّصت الدولة ميزانية قدرها مليون جنيه لبناء القرية الجديدة، وتم اختيار الموقع ليكون بعيدًا عن المناطق الأثرية وقريبًا من السكك الحديدية والأراضى الزراعية، وبدأ حسن فتحى المرحلة الأولى من مشروع بناء القرية ببناء 70 منزلًا، بحيث يكون لكل منزل صفة مميزة عن الآخرين حتى لا يختلط الأمر على السكان، واعتمد فى تصميم المنازل على الخامات والمواد المحلية، وظهر تأثّره بالعمارة الإسلامية، وكانت للقباب تصميمها الفريد والتى استخدمت بدلا من الأسقف التى تعتمد على الألواح الخشبية أو الأسياخ الحديدية المعتادة، وتم تخصيص باب إضافى فى المنازل للماشية، التى يقتنيها سكان المنطقة، كنوع من أنواع العزل الصحى، حفاظًا على سلامة الأفراد، وشيدت ثلاث مدارس بالقرية الأولى للأولاد والثانية للبنات، أما الثالثة فكانت مدرسة لتعليم الحرف اليدوية التى اشتهرت بها منطقة القرنة، مثل الألباستر والغزل والنسيج وصناعة منتجات النخيل، كما حاول من خلال هذه المدرسة الحفاظ على روح الإبداع الفرعونية فى الأجيال الجديدة، ومثلما اهتم فتحى بالجانب التعليمى لم يغفل الجانب الدينى الذى يميز أهل القرية، أو الجانب الترفيهى لتعويضهم عن منازلهم التى تم تهجيرهم منها عنوة، حيث عمل فتحى على إنشاء مسجد كبير فى مدخل القرية حمل أجمل النقوش المعمارية فى تصميمه، حيث تأثر فيه بالفن المعمارى الطولونى ممتزجا مع الفن الإسلامى فى العهد الفاطمى، وفيما يخص الجانب الترفيهى قام فتحى بإنشاء قصر ثقافة حمل اسمه، ومسرح مبنى على الطراز الرومانى، إلى جانب حمام سباحة.