تعالت الأصوات الأوروبية والغربية مؤخرًا بضرورة حماية الأمن القومى والسيادة الوطنية، من خلال وضع سياسات منهكة للمهاجرين وخاصة الأفارقة، الذين تزيد معاناتهم يومًا بعد يوم، فالفقر والعوز والحروب الأهلية والإرهاب فى بلدانهم، كان السبب للهجرة إلى الدول المستقرة ماديًا، وظهر على سطح المجتمع الدولى تحدى كبير لم ينجح فيه حتى الآن، ووقع المهاجرون بين سندان عدم قدرة حكوماتهم توفير ظروف ملائمة لهم، وبين الدول المهاجرين إليها والتى بدأت فى وضع سياسات تنتهك حقوقهم، بينما وقعت الدول المستقبلة للمهاجرين، بين نزاع الإطار الواقعى للأمن الداخلى والإطار الليبرالى المتعلق بحقوق الإنسان.
وحسب إحصاءات قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لدى الأمم المتحدة، بلغ عدد المهاجرين إلى 77 مليون مهاجر إفريقي، بالإضافة إلى عددٌ هائلٌ من المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة، حيث يتخذ هؤلاء المهاجرين مناطق مختلفة للعبور إلى أروبا، مثل معبر غورغور أعلى المغرب، أو عبر البحر المتوسط انطلاقاً من ليبيا والجزائر.
ومع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى، ممثلًا لمصر رئاسة الاتحاد الأفريقى، فى دورته التى حملت عنوان "المهاجرون والعائدون والنازحون" بدأ التفكير فى حلول جدية وواقعية لهجرة الأفارقة من بلدانهم، وتحدث السيسى فى كلمته، بافتتاح القمة الـ32 قائلًا: "أوضحت للمسئولين الأوروبيين بأنهم إذا أرادوا بالفعل حل مشكلة الهجرة غير الشرعية القادمة من أفريقيا، فلا بد أن نعالج الأسباب التى أدت إلى الهجرة غير الشرعية"، متابعًا: "الآلام التى تعانى منها شعوبنا الأفريقية تضع على أعناقنا أمانة أكثر، والهدف ليس تأدية وظيفة، وإنما الهدف هو إسعاد الناس فى التنمية والبناء والتعمير، وهذا ما عملنا عليه فى مصر".
وتحت مبدأ تقاسم الأعباء والمسئولية الذى تتبعه مصر مع أشقاءها الأفارقة، وبعيدًا عن المساعى ذات الطابع الانفرادى، أكدت مصر على أهمية مكافحة الهجرة غير الشرعية فى إطار تعاون جماعى، وذلك من خلال مشاركتها بشكل إيجابى وفعال في مبادرتى (الاتحاد الأفريقي والقرن الأفريقى، الاتحاد الأوروبى والقرن الأفريقى والمعروفة باسم عملية الخرطوم) حول مسارات الهجرة ومكافحة الاتجار فى البشر وتهريب المهاجرين بالتعاون مع الدول الأفريقية المعنية في هذا المجال.
واستضافت مصر بالأقصر فى نوفمبر 2017 المؤتمر الأول من نوعه الذى يضم كافة العمليات التى تتناول مسار الهجرة بين أفريقيا وأوروبا، حيث يركز المؤتمر على مكافحة عمليات تهريب المهاجرين والاتجار في البشر مع التركيز على القصر غير المصحوبين.
كما استضافت مصر المؤتمر الإقليمى الثانى لمبادرة الاتحاد الأفريقى والقرن الأفريقى بمدينة شرم الشيخ فى سبتمبر 2015، وشاركت مصر بصورة بناءة فى إعلان روما فى نوفمبر 2014 بشأن مبادرة الاتحاد الأوروبى والقرن الأفريقى حول مسارات الهجرة لمساعدة دول منطقة القرن الأفريقى فى مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، حيث استضافت مصر فى هذا الإطار الاجتماع المشار إليه للجنة التسيير المنبثقة عن الإعلان فى أبريل 2015 بمدينة شرم الشيخ وتم تقديم مجموعة من المشاريع والأفكار الأفريقية للتنمية ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية.
وشاركت مصر بفاعلية فى عملية التحضير والصياغة فى اجتماع فاليتا حول الهجرة (نوفمبر 2015)، حيث تولت الدفاع عن وجهة النظر الأفريقية باعتبارها رئيسًا لمبادرتى الاتحاد الأفريقى – القرن الأفريقى والاتحاد الأوروبى – القرن الأفريقى، بالتنسيق مع مفوضية الاتحاد الأفريقى.
وتولت مصر رئاسة لجنة التسيير لعملية الخرطوم خلال عام 2014، ثم انتقلت الرئاسة إلى بريطانيا فى نوفمبر 2015، وأخيرا إلى إثيوبيا، كما تشارك مصر فى الاجتماعات رفيعة المستوى التى ينظمها المفوض السامى للاجئين حول اللاجئين السوريين، وذلك لتنسيق الدعم للدول المستضيفة لأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين (مصر- الأردن- لبنان- العراق).
وتم إدراج مصر فى ضوء استضافتها لعدد ضخم من اللاجئين، بما فى ذلك الأشقاء السوريين - ضمن دول خطة الاستجابة والصمود لدول الجوار المستضيفة للاجئين السوريين التى أصدرتها الأمم المتحدة والتى تهدف إلى تحسين أوضاعهم ورفع مستوى ظروفهم المعيشية واستيعابهم فى المجتمعات المضيفة لهم.
من جانبه قال اللواء محمد عبد الواحد، المتخصص فى الأمن القومى والشئون الأفريقية، إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية فى أفريقيا، هى نتاج لمجموعة متكاملة من المتغيرات القائمة فى البيئة الداخلية والخارجية للدولة الأفريقية، وتعانى القارة السمراء من هذه الظاهرة بسبب عوامل عديدة واختلالات كامنة فى البيئة الداخلية بصفة خاصة منها اسباب اقتصادية فى المقام الأول، وأسباب سياسية واجتماعية، بالإضافة إلى المشكلات الحدودية التى أقامها المستعمر القديم حين وضع الحدود الاصطناعية، ولم يراعى التركيبة السكانية فوضع حدود عشوائية تجد فيها الإقليم الغنى، الذى لا يملك الأيدى العاملة، بينما الإقليم المكتظ بالسكان خالى من الموارد.
وأشار عبد الواحد، لـ"اليوم السابع"، إلى أن البيئة الداخلية تشكل دور محورى فى تفجير النزاعات بأفريقيا وهى السبب الرئيسى لهجرة العديد من الشباب الأفريقى، موضحًا أن خلال الاجتماعات السابقة الدولية، استطاعت القارة أن تضع بعض الأولويات لمحاربة الهجرة غير الشرعية ووضعت ذلك فى أجندة 2063، والتى تعتبر أنها أجندة استراتيجة لتحول اقتصادى واجتماعى للخمسين سنة المقبلة للقارة، ورأت فيها تشجيع عمليات التنمية فى أفريقيا والذى يقلل من مخاطر الهجرة لتوفيره فرص عمل، من خلال تشجيع الاستثمارات فى القارة.
وأضاف المتخصص فى الأمن القومى والشئون الأفريقية، أن مصر برئاستها للاتحاد الأفريقى، تستطيع حل ظاهرة الهجرة غير الشرعية، خاصة مع تجربتها فى ذلك وتحملها مسئولية 5 ملايين لاجئ، ولها خبرة عالية فى هذا المجال وشاركت بفاعلية فى عمليات تحضير وصياغة عدد من المؤتمرات المتعلقة بالهجرة، كما أن بها اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية .
وأوضح عبد الواحد، أن الهجرة غير الشرعية هى مسئولية جماعية للقارة الأفريقية ويجب تعاون الأفراد والدول لتجاوزها، والتعاون مع الشركاء الدوليين وخاصة الاتحاد الأوروبى، وتنفيذ مبادرة 2020 الخاصة بإسكات البنادق، لأنه عندما يتوقف الصراع سيخلق نوع من الاستقرار لعمليات التنمية والاستثمار الأجنبية.
وأوضح المتخصص فى الأمن القومى والشئون الأفريقية، أن الأمر بحاجة إلى دعم المصالحة فى ليبيا وعودة الاستقرار مرة أخرى، لأن حالة الفوضى التى تشهدها ليبيا تعتبر ملاذًا وملجأ للإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية 85% من الهجرة لأوروبا تتم عبر السواحل الليبية.
كما أشار عبد الواحد، إلى ضرورة تقريب وجهات النظر الخاصة بالهجرة مع الدول الأفريقية، من خلال عقد ندوات متواصلة تقتصر على الدول الأفريقية اللى عندها مثل هذه الظاهرة ومشكلة الهجرة غير الشرعية، لوجود اختلاف فى المفهوم نفسه، حيث تسمح بعض الدول لمواطنيها بالهجرة بحجة تخفيف الأعباء عنها والاستفادة من تحويل العملة الأجنبية إليها.
وطالب المتخصص فى الأمن القومى والشئون الأفريقية، بتعزيز الرقابة على الحدود من خلال اتفاقيات مشتركة وخلق آليات لعملية التواصل ومنع مرور الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة بالكامل والإرهاب، ودعم الاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، لمكافحة الهجرة غير الشرعية لأنهم المتضررين الأوائل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة