عفو وتسامح أم عنف وإنتقام ؟ شتان الفرق بين تلك المشاعر والأخرى ، ولكن أيهما نختار ولماذا ؟
قال أحد الحكماء إن القدره علي الاحتمال يجعل عدوك يتراجع عن الأذى والضرر الذي كان ينوي أن يلحقه بك ليُصبح صديق ، بل وعبداً لك ، وقد يبدو للبعض في ظواهر الأمور أن الانتقام هو شفاء للمشاعر بتحقيق لذة الانتصار علي الأخر ولكن حقيقة الأمر ليست كذلك فيأتي الإنتقام في قاموس المعاني بمعني الجهل والحماقة ، وذلك لما يتبعه من عواقب علي شخص المنتقم لأن النار لا تُطفَأ بالنار أبداً.
قد يندم من أخطأ في حقك ويتراجع لاحقاً عندما تقابل إساءته بعفو وتسامح وهو تماماً ما حدث مع الأرشدياكون حبيب جرجس عندما نشر أحد مقالاً مسيء له فقابل تلك الإساءة لا بمثلها بل بمحبه وهو ما جعل المسيء نادماً باكياً وهو ما حدث أيضاً بالمثل مع قداسة البابا كيرلس السادس ، وإن لم يحدث ذلك فقانون الحياة الطبيعي إن ما تزرعه (تسامح كان أم كره) ستحصده في حياتك من نفس النوع أيضاً ، وحينما يحين وقت الحصاد ستتذكر إن ما أنت فيه كان بمثابة النتيجة الطبيعية لما قد فعلته سابقاً.
ولذلك قد امتلأت تعاليمنا المسيحيه بالعفو والتسامح للجميع ، فقد إجتمع السيد المسيح بالجموع علي الجبل لكي يعلمهم دستور أخلاقي لهدوء وسلام النفس ولسعادتها أيضاً في الحياه فقال لهم : حينما يؤذيك أحدهم لا تقابل الشَر بمثله بل من لطمك علي خدك الأيمن (أي فعل الشَر بك) فحول له الأخر أيضاً (أي إظهر له الجانب الأخر وهو المحبه والتسامح) ويفسر الرسول بولس ذلك إلي أهل أفسس مخاطبهم قائلاً: حينما تفعل ذلك مع عدوك فإنك بذلك تجمَع جمر نار على رأسه ، وحينها سيُرَد لك عفوك وتسامحك.
وتلك الفضيله تحتاج إلي جهد وتدريب لأنها من سمات الأقوياء أصحاب النفوس الساميه والأخلاق الراقيه، ولذلك يوصي الرسول بولس أهل روميه قائلاً لهم علي قدر طاقتكم سالموا جميع الناس كما وأوصي في خطابه إلي أهل كولوسي أن يحتملوا بعضهم البعض إن كان أحد يشكو علي الأخر فيغفر ويسامح كما فعل السيد المسيح سابقاً.
في عظة السيد المسيح للجموع قال لهم إن إستطعتم التسامح والمغفرة سيغفر لكم الله أيضاً أخطائكم وإن لم تغفروا للناس لا يغفر لكم الله زلاتكم لأن الله يري المتسامح ويري أيضاً المنتقم ويُجازي كل واحد حسب عمله.
سمعان بطرس وهو أحد تلاميذ السيد المسيح الأنثى عشر قد شهد عنه فى رسالته الأولي وقال إنه إذا شُتِم لم يكن يشتم بالمثل وإذا تألم من أحد لم يكن يرُد الألم أو يتعامل بالقسوة.
تذكر أن الانتقام هو الطريق الأسهل والأقرب ولكن عواقبه ومتاعبه خَفِيه لذلك فهو اختيار النفوس الهشة والضعيفة أما النفس القوية فلا تقبل باختيارات الضعفاء ، فمهما بدي الشر منتصر في الجولة الأولي فإن الخير هو الفائز الأخير بالمعركة بأكملها ، وتذكر دائماً إن أفضل دواء للعنف هو العفو والتسامح .