- الاستقرار الداخلى.. حكمة القيادة.. والانفتاح على العالم.. جعلت الكويت أحد أعمدة استقرار الخليج والمنطقة الدواوين.. برلمانات مفتوحة ابتكرها الكويتيون منذ قرون لإشباع ميلهم الفطرى لممارسة الشورى
تشهد دولة الكويت، خلال شهر فبراير الجارى، احتفالات بعدد من المناسبات، فى مقدمتها العيد الوطنى الثامن والخمسون، وذكرى التحرير الثامنة والعشرون، وقبلها بأسابيع قليلة احتفل الكويتيون بالذكرى الثالثة عشرة لتولى الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم فى البلاد.
وتمثل احتفالات الكويت تتويجا كبيرا لتجربة الشعب الكويتى الديمقراطية المميزة، حيث قامت دولة الكويت على أسس ومبادئ الديمقراطية الحقة منذ تأسيسها فى القرن الـ18، حين التف الكويتيون حول حكامهم وشاركوهم مسؤولية القرار، لتشهد تجربة ديمقراطية رائدة وفريدة فى ذلك الحين، وظلت التجربة تنمو وتتطور إلى أن تمت صياغة دستورها الدائم عام 1962 فى عهد الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح الذى يمثل البداية الثانية نحو الانطلاقة الكبرى لهذه التجربة الثرية.
ولذلك، فإن روح الديمقراطية تعتبر أصيلة ومتجذرة فى المجتمع الكويتى، حيث تجلت بشكل واضح على العلاقات والروابط بين الحاكم والمواطنين منذ نشأة الكويت ككيان سياسى، فكانت العلاقة بين القيادة وأبناء الشعب علاقة الأسرة الواحدة التى تحمل قيما وعادات وتقاليد لا تحيد عنها.
شورى متجذرة
شهدت الكويت منذ تأسيسها مظاهر عديدة للعمل الديمقراطى، وممارسة الشورى، وعلاوة على عدد من مؤسسات وآليات الحكم واتخاذ القرار، وكان من أهم وأعرق تلك المظاهر هو انتشار الدواوين فى ربوع الكويت التى تعتبر فى واقع الأمر بمثابة برلمانات محلية مصغرة، يتبادل فيها الجميع جنبا إلى جنب مع أهل الرأى والشورى والنقاشات بشأن القضايا المختلفة للمجتمع، وأصبحت الدواوين بمرور الوقت تعقد تقريبا فى كل بيت، وبشكل دائم ودورى، لتجمع بين أفراد العائلة الكويتية والجيران والأصدقاء وجميع المواطنين حكاما ومحكومين مجسدة الديمقراطية فى زى عربى وخليجى أصيل.
أول تجربة
أما أول تجربة انتخابية فى المجتمع الكويتى، فقد تزامنت مع إنشاء المجلس البلدى عام 1930، بهدف وضع أسس ومعايير لتنمية وخدمة المجتمع، ليشارك الكويتيون بشكل فاعل ومنظم فى إدارة شؤون البلاد.
وكان المجلس البلدى يتكون عن طريق الانتخابات المحدودة من 11 عضوا ورئيس دائم ومديرا، وينتخب الأعضاء والمدير كل سنتين، كما يجتمع الأعضاء مرة فى الأسبوع للتباحث حول وجهات نظرهم بشأن احتياجات الناس، وأهم الأعمال المطلوب القيام بها فى مجالات التعليم والأمن والصحة والطرق والإنشاءات وغيرها.
وبعد نجاح أسلوب المجالس البلدية، شهدت الكويت انتخابات لدوائر المعارف والصحة والأوقاف عام 1936، وهى الانتخابات التى عززت من مبدأ الشورى والمشاركة السياسية المنظمة فى تنظيم شؤون الدولة.
إصلاحات مبكرة
وتواصلت مسيرة الديمقراطية فى الكويت وتطورت بشكل ملحوظ، ففى العام 1938 اتجه الكويتيون للمشاركة بالحكم بشكل أكثر نيابية وديمقراطية، من أجل تبنى عدد من الإصلاحات فى مجالات السياسة والاقتصاد وشؤون المجتمع، فكان السعى لإنشاء مجلس تشريعى حين أنشأ بعض التجار تجمعاً تحت مسمى «الكتلة الوطنية»، واختار أعضاء الكتلة ثلاثة ممثلين عنهم، ليرفعوا رسالة للأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح- والد الأمير الحالى- تضمنت الرغبة فى المشاركة فى تسيير أمور البلاد اعتمادا على أساس المبايعة، وجعل الحكم شورياً بين الحاكم والمحكوم، وباعتبار أن التطور فى مختلف جوانب الحياة يحتم الأخذ بمبدأ الشورى، فاستجاب الحاكم لرغبتهم وقرر إجراء انتخابات، وأيده فى ذلك نائبه وولى عهده الشيخ عبدالله السالم الصباح.
وفى اليوم التالى لموافقة الأمير على إجراء الانتخابات، تم استدعاء قطاعات من الشعب للإدلاء بأصواتهم للانتخابات التى فاز فيها 14 عضوا من بين 20 مرشحا تقريباً، وتم اختيار الشيخ عبدالله السالم رئيساً للمجلس.
وبعد أن باشر المجلس مهامه، قام بصياغة مشروع دستور الكويت فى الأسبوع الأول من يوليو 1938، تحددت فيه اختصاصات المجلس التشريعى، وحاز المشروع على إجماع أعضاء المجلس، وتم رفعه للأمير للمصادقة عليه بتاريخ 9 يوليو 1938.
سمات مميزة
وإضافة إلى الديوانيات التى هى واحدة من أهم مظاهر الديمقراطية فى الكويت، هناك عدد من المظاهر التى عززت من المشاركة الفعالة لجميع أفراد المجتمع الكويتى، فكان حق المرأة فى التصويت والترشح للانتخابات منذ عام 2005، عندما وافق مجلس الأمة على تعديل قانون الانتخابات، بما يسمح للمرأة بالمشاركة فى العمل السياسى، وأسفر ذلك عن فوز بعض النساء فى الانتخابات البرلمانية التى تلت هذا التعديل. ومن أهم مظاهر الديمقراطية فى الكويت أيضا، الدور البارز والفاعل لمجلس الأمة فى مراقبة أعمال الحكومة وإصدار تشريعات تواكب الحاضر، وتعزز من قدرة الكويت على المضى فى سبيل استقرارها ونهضتها.
ويرى المراقبون أن تدخل الأمير كحكم بين السلطات، وفقا للمواد 102 و107 من الدستور الكويتى، ساهم فى تجنب الكويت أزمات من عدم الاستقرار السياسى باللجوء إلى الناخبين، ليكونوا الفيصل فى الخلاف بين الحكومة.
أداء متوازن
ووفقا للتقارير الدولية، تعد الظاهرة الديمقراطية الكويتية واحدة من أفضل النماذج فى العالم العربى، وعلامة إيجابية تؤكد أن الشعوب العربية جاهزة للديمقراطية وقادرة على التعايش معها، وذلك فى ضوء ملامح الاستقرار والازدهار الذى تعيشه منذ تأسيسها ليسهم أبناؤها فى عملية البناء وتطوير مؤسسات الدولة بإرادتهم الحرة، ما يشكل علامة فارقة وقدوة لكل أبناء منطقة الخليج.
وتعد الكويت أحد أعمدة استقرار الخليج والمنطقة، نظرا لاستقرارها الداخلى من جهة، ولانفتاحها على العالم ومواقف قيادتها الحكيمة والمتوازنة من جهة أخرى، وهو ما أهلّها لتكون مصدر ثقة للجميع ومحور الوساطات والمصالحات العربية، ولعل من أبرز النماذج لهذا الدور ما قام به الشيخ صباح الأحمد فى الأزمة الأخيرة التى شهدتها المنطقة بين قطر وعدد من الدول العربية، التى لا تزال الجهود قائمة لاحتوائها والوصول لصيغة توافقية تحقق مصلحة الجميع فى ظل الثوابت والقيم المشتركة.
مؤسسات راسخة
وتؤكد التقارير أن دولة الكويت تمتلك مؤسسات سياسية قوية فى كثير من النواحى، ما يجعلها مستعدة لمواجهة العديد من التحديات التى تفشل دول أخرى فى مواجهتها، وفى مقدمتها مجلس الأمة أو البرلمان الذى يتمتع بسلطات قوية فى الرقابة والتشريع وفقا للدستور، إذ يتيح المجلس للمواطنين فرصة الاطلاع على كيفية تعاطى الحكومة مع التطورات السياسية والاقتصادية، كما أن وجود مجلس برلمانى قوى ومسؤول من شأنه تقوية الدولة، لاسيما فى التصدى للمخاطر الخارجية والداخلية على حد سواء، ولعل ذلك هو ما أتاح للكويت تجاوز عدد من المحن والتطورات التى شهدتها المنطقة فى العقود الأخيرة، وأبرزها محنة الغزو الغاشم عام 1990 وما سمى حالة الربيع العربى الذى أدى إلى معاناة عدد من الدول العربية، ونجت الكويت من آثاره بسبب رسوخ مؤسساتها الديمقراطية، ووعى مواطنيها سواء بسواء.
الكويت
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة