قديما كان "العمدة" هو الآمر الناهى، صاحب السلطة المطلقة والنافذة بين أبناء قريته، له من الأطيان والأملاك ما يعينه على إجبار أفراد العائلات على السمع والطاعة، كلمته كالسوط والسيف على رقاب الجميع لا يتراجع عنها مهما كانت الأسباب والدوافع، من أكثر أبناء القرية هيبة وثقة، حسن السمعة كما اشترط القانون.
وبالرغم من أن المنصب فقد جزءا من هيبته بسبب التطور التكنولوجى، وانخفاض نسبة الأمية، إلا أن العمدة ما زال يمثل أحد الركائز الأساسية للأمن بالقرى والنجوع، مهمته العمل على تأمين القرية ومساعدة الأجهزة الأمنية فى أداء عملها فى ضبط الخارجين على القانون، بالإضافة إلى التقارب بين العائلات.
صلاح منصور عمدة السينما المصرية
من أشهر من جسد منصب العمدة فى السينما المصرية، هو الفنان صلاح منصور فى فيلم الزوجة الثانية، وأُطلق عليه عقب ذلك لقب "عمدة السينما المصرية"، لبراعته فى أداء الدور، حيث ظهرت سطوته وفرض قوته على أهالى القرية، وظهر فى الفيلم صاحب ثروة كبيرة، يلتف حوله مجموعة من أعوانه لتنفيذ رغباته، ويستخدم الخفراء النظاميين فى إرهاب خصومه.
كما أدى الفنان أحمد مكى دور العمدة بطريقة كوميدية فى مسلسل "الكبير" الذى حقق نجاحا جماهيريا كبيرا خلال السنوات الماضية، وارتبط لقب العمدة ايضا بالفنان صلاح السعدنى، الذى أدى دور العمدة فى مسلسل ليالى الحلمية، الذى نال شهرة واسعة.
وجسدت الفنانة صابرين دور العمدة فى مسلسل العمدة هانم، بعد أن تمكنت من الترشح للمنصب أمام زوجها الفنان أحمد بدير الذى كان يشغل منصب العمدة، وتمكنت من الفوز به، لتعبر عن قدرة المرأة فى أداء مهام العمدة، وعدم كون المنصب غير مقتصرا على الرجال.
العمدة "ايفا" أول سيدة تتقلد منصب العمدة فى مصر
وكانت ايفا هابيل كيرلس هى السيدة التى نجحت فى قلب موازين منصب العمدة المعتادة، حيث إنها أول سيدة تتقلد منصب العمدة عام 2008 خلفا لوالدها، حيث صدر قرار بتعيينها عمدة لقرية كومبوها التابعة لمركز ديروط بمحافظة أسيوط بعد وفاة والدها، ونجحت فى الحصول على المنصب بعد منافسة قوية لعدد من رجال القرية، وقبل تولى "ايفا" المنصب كانت تمارس العمل السياسى، حيث إنها حاصلة على ليسانس الحقوق، وعملت بالمحاماة، واستمرت فى المنصب وقائمة بأعماله حتى عام 2014.
ولم تكن العمدة إيفا هى أخر السيدات التى تتولى منصب العمدة، حيث تلاها العديد من السيدات منهن " نشوى سرحان" أول سيدة "عمدة" فى محافظة المنيا، وهى حفيدة الفنانين شكرى ومحسن سرحان، وأكدت أنها تقدمت لمنصب عمدة قرية حميدة الجندى بمركز مغاغة بالمنيا، حتى لا يخرج المنصب من عائلة زوجها الذى كان يتولاه، والذى أوصاها بالتقدم له.
كما جاءت ناهد عبد الحميد لاشين، كأول سيدة تتقلد منصب العمدة بالشرقية، حيث أصبحت عمدة قرية حانوت، التابعة لمركز كفر صقر بالشرقية، وغيرها من السيدات اللاتى تقلدن المنصب.
العمدة فى القانون المصرى
وحدد القانون رقم 58 لسنة 1978 فى شأن تنظيم منصب العمد، أنه يكون لكل قرية عمدة، ويتم إلغاؤها حال وجود إنشاء نقطة شرطة بها، كما اشترط القانون أنه يجب على المتقدم لمنصب العمدة أن يكون مصريا ومقيداً بجداول الانتخابات، وحسن السمعة، وغير محروم من مباشرة حقوقه السياسية أو موقوف حقه فيها، بالإضافة إلى ألا يقل سنه عن 30 سنة ميلادية، وأن يجيد القراءة والكتابة.
كما اشترط القانون أن يكون المتقدم لمنصب العمدة ألا تقل ملكيته عن 5 أفدنة بزمام القرية أو القرى المجاورة لها، أو أن يكون له دخل ثابت مثل المرتبات والمعاشات والعقارات المملوكة له لا يقل عن 300 جنيه شهريا، وحدد القانون فترة تولى المنصب 5 سنوات، قابلة للتجديد.
ونشرت الجريدة الرسمية فى شهر يونيو الماضى تعديلات على قانون العمد، منها أن يكون المتقدم لمنصب العمدة حاصلا على شهادة التعليم الأساسى على الأقل، ويستثنى من هذا القانون بعض المحافظات أو المناطق الحدودية.
وحددت المادة 17 من قانون العمد، مسئوليته ودوره، حيث إنه مسئول عن حماية أمن القرية بمنع الجرائم، وضبط ما يقع منها، وإجراء المصالحات والعمل على فض المنازعات، والتوفيق بين المتخاصمين وكل ما من شأنه الحفاظ على الأمن العام، وعليهم فى دائرة عملهم مراعاة أحكام القوانين واللوائح واتباع الأوامر التى تبلغ إليهم من جهات الإدارة.
مساعد وزير الداخلية السابق: ما زال يحتفظ بهيبته
اللواء فاروق المقرحى مساعد وزير الداخلية السابق، والخبير الأمنى قال، إن منصب العمدة هو صمام الامان لعائلات القرية، حيث إنه المكلف والمسئول عن الحفاظ على الروابط بين العائلات، بالإضافة إلى دوره فى حفظ الأمن ومنع الجرائم، وضبط مرتكبيها ومساعدة ضباط مركز الشرطة التابع له، فى أداء عملهم.
وذكر المقرحى أن شاغل منصب عمدة القرية يتم اختياره من أكبر العائلات، صاحب قدرة مالية تمكنه من أداء عمله دون النظر إلى المكافأة التى يتحصل عليها شهريا، بالإضافة إلى أنه لابد أن يكون صاحب هيبة، وحسن السير والسوك، وأن ينال احترام سكان القرية وثقتهم.
وقال المقرحى، إن العمدة يمارس عمله ويستقبل أصحاب المظالم من أهل قريته بمسكنه، الذى يطلق عليه الدوار، ويكون ملحقا به غرفة السلاحليك الخاص بالخفراء وأسلحتهم، حيث إنه مسئول عن متابعة عملهم وتوزيعهم فى الاماكن المكلفين بتأمينها، مثل مقر "البوسطة" بالقرية غيرها من المنشآت التى تحتاج إلى تأمين.
وتابع المقرحى حديثه قائلا، إن للعمدة دور كبير فى إتمام المصالحات بين العائلات، وعقد الجلسات العرفية، والمشاركة بصحبة كبار العائلات فى المصالحة بين العائلات التى تجمعها خصومات ثأرية، مضيفا أن منصب العمدة ما زال يحتفظ بهيبته فى معظم القرى، وينال تلك الهيبة من شخصية القائم بها.
وأكد أنه بالرغم من احتفاظ منصب العمدة بأهميته، إلا أن الأمر يختلف كثيرا عن السنوات السابقة، حيث كان العمدة هو المسئول الأمنى فى القرية، والمتحكم فى كل مصائر أهلها، بعكس الفترة الحالية، حيث فقد المنصب جزءا من مهابته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة