"معاداة السامية".. من أداة إسرائيل لابتزاز العالم إلى عصا الغرب للإطاحة بالمعارضة.. زعماء المعسكر الغربى يسعون لإدارة صراعاتهم الداخلية عبر حقوق اليهود.. ويحاولون استعادة بريق الإنسانية بعد انكشاف وجههم القبيح

الثلاثاء، 26 فبراير 2019 02:30 م
"معاداة السامية".. من أداة إسرائيل لابتزاز العالم إلى عصا الغرب للإطاحة بالمعارضة.. زعماء المعسكر الغربى يسعون لإدارة صراعاتهم الداخلية عبر حقوق اليهود.. ويحاولون استعادة بريق الإنسانية بعد انكشاف وجههم القبيح معاداة السامية
تحليل يكتبه - بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عندما اتهمت النائبة الأمريكية إلهان عمر، والتى تنتمى للحزب الديمقراطى، لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية، بدفع أموال طائلة للساسة الأمريكيين لدعم إسرائيل، كانت تصريحاتها بمثابة فرصة نادرة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ليستخدمها لإطلاق سهام الانتقاد لها ولخصومه الديمقراطيين، متهما إياهم بمعاداة السامية، معتبرا أن اعتذارها وحده لا يكفى، مطالبا إياها بالاستقالة من الكونجرس، إلا أن موقف الإدارة لم يكن بنفس الشراسة فى الخلاف الراهن بين بولندا وإسرائيل، رغم أن الأخيرة كالت نفس الاتهامات لحكومة وارسو، بل على العكس، حيث طالبت السفيرة الأمريكية فى بولندا جورجيت موسباكر الحكومة الإسرائيلية بالاعتذار للدولة الأوروبية، فى موقف ربما غير مسبوق من قبل واشنطن تتخلى فيه عن حليفتها المدللة فى الشرق الأوسط.

ولعل الموقف الأمريكى المتباين تجاه اتهامات "معاداة السامية" بين الداخل والخارج تمثل انعكاسا صريحا لتباين المصالح، حيث تسعى الإدارة الأمريكية إلى استخدامها لمحاربة خصومها فى الداخل الأمريكى، على خلفية الصراع بين البيت الأبيض والكونجرس بأغلبيته الديمقراطية، بينما تحاول التخفيف من وطأتها فى التوتر الراهن بين بولندا وإسرائيل، فى ظل التوجه الأمريكى الصريح نحو التحالف مع دول أوروبا الشرقية، على حساب تحالفاتها القديمة مع دول المعسكر الغربى، وهو ربما استلهمته العديد من زعماء أوروبا فى الآونة الأخيرة، والتى سعت للخروج من أزماتها الداخلية عبر استخدام عصا "معاداة السامية" فى مواجهة خصومها الداخليين.

 

وجوه أخرى.. "معاداة السامية" وسيلة الأنظمة لتخفيف زخم المعارضة

وهنا يصبح الاستخدام السياسى لـ"معاداة السامية" أصبح يحمل العديد من الوجوه، حيث لم يعد يقتصر على مجرد استخدامه التاريخى المعتاد من قبل إسرائيل، لاستقطاب الدعم الدولى فى مواجهتها مع جيرانها العرب من جانب، أو لابتزاز دول الغرب الأوروبى، وعلى رأسها ألمانيا وبولندا، للحصول على ما يمكننا تسميته بـ"الإتاوات" فى صورة تعويضات عن أحداث الهولوكوست، والتى ترجع إلى عقود طويلة من الزمن، تفوق عمر الدولة العبرية نفسها، على خلفية المحارق التى نصبها الزعيم النازى هتلر لليهود إبان الحرب العالمية الثانية من جانب آخر، وهو الإطار الذى لم يخرج عنه التوتر الحالى بين وارسو وتل أبيب فى المرحلة الراهنة.

 

نتنياهو بصحبة رئيس وزراء بولندا
نتنياهو بصحبة رئيس وزراء بولندا

 

إلا أن حالة الاحتقان السياسى الذى يشهده قطاع كبير من دول المعسكر الغربى، جراء الخلافات الكبيرة، بين الأنظمة الحاكمة ومعارضيها، والتى تنذر بانقسام كبير فى المستقبل القريب، ربما ألهمت القادة لإلصاق الاتهامات بمعارضيهم الذين يسعون للإطاحة بهم، سواء كانت معارضة حزبية، على غرار الوضع السائد فى الولايات المتحدة، أو حتى معارضة شعبية، كما هو الحال فى فرنسا، والتى تشهد مظاهرات عنيفة منذ ديسمبر الماضى، احتجاجا على سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون، والذى التقط فرصة هجوم المتظاهرين على مقبرة يهودية ليقوم بزيارتها، ويطلق منها هجوما لاذعا على المتظاهرين.

الهجوم على مقابر "كاتسنايم" شمال غربى فرنسا، كان بمثابة ملاذا للرئيس ماكرون للتلويح بعصا "معاداة السامية" فى وجه حركة "السترات الصفراء" التى تقود الاحتجاجات ضده، حيث دعا خلال زيارته إلى "التصدى لمعاداة السامية بكل أشكالها وكل وجوه الكراهية"، بينما سعى كذلك إلى حشد الأحزاب السياسية لتنظيم المسيرات للتنديد بارتفاع معدلات هذا النوع من الجرائم، فى محاولة صريحة لتخفيف الزخم الذى تحظى به الحركة غير الحزبية، بالإضافة إلى توسيع نطاق معركته، لتصبح ليست معركة الحكومة بل معركة الأحزاب السياسية الفرنسية ككل (سواء المؤيدة أو المعارضة) ضد الحركة الشعبوية، لتخفيف الدعم الشعبى الذى تحظى به.

مجابهة الفشل.. "معاداة السامية" لصرف الانتباه عن إخفاقات القادة

ولا يقتصر استخدام "معاداة السامية" على مجرد تخفيف الضغط الذى تفرضه المظاهرات التى ضربت العديد من العواصم الأوروبية، وإنما كذلك للتغطية على الفشل الذريع فى إدارة الملفات الخلافية، والاستجابة للمطالب الشعبية، والتى يرفعها قطاع كبير من المحتجين فى مختلف العواصم الأوروبية، وعلى رأسها إنهاء حقبة الحدود المفتوحة والهجرة والعولمة، والتى أضاعت الكثير من الفرص على أبناء الدول الأصليين، وهو ما يظهر بجلاء فى النموذج الفرنسى، وينطبق كذلك على الحكومة البريطانية، والتى تعانى جراء فشل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى فى الوصول إلى اتفاق يحظى بتأييد داخلى وأوروبى على الخروج من الاتحاد الأوروبى.

 

ماكرون فى زيارته للمقبرة اليهودية
ماكرون فى زيارته للمقبرة اليهودية

 

ففى بريطانيا، كان الانشقاق داخل صفوف حزب العمال المعارض، على خلفية اتهام رئيسه جيريمى كوربين بـ"معاداة السامية"، فرصة جديدة لرئيسة الوزراء تيريزا ماى لصرف الانتباه عن فشلها الذريع فى حل معضلة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبى قبل الخروج منه، والمقرر فى أواخر هذا الشهر، حيث يقوض انسحاب 8 برلمانيين من كتلة الحزب المعارض فى مجلس العموم أحلام كوربين فى الوصول إلى مقعد رئاسة الوزراء فى لندن، وبالتالى يمثل نقطة ضوء جديدة لرئيسة الوزراء الحالية للاحتفاظ بمنصبها من بوابة معاداة السامية.

 

بريق الانسانية المفقود.. الغرب يحاول استعادة وجهه الإنسانى عبر اليهود

ويأتى الحديث المستميت من قبل قيادات الغرب فى الدفاع عن حقوق اليهود، فى الوقت الذى ينكشف فيه الوجه القبيح للغرب الإنسانى فى الآونة الأخيرة، تزامنا مع انتقادات قطاع كبير من المنظمات الحقوقية لرفض زعماء الغرب، سواء فى أوروبا أو الولايات المتحدة، لاستعادة مواطنيهم الذين سبق لهم الإنضمام لتنظيم داعش الإرهابى فى سوريا والعراق، وهو الموقف الذى ساهم بصورة كبيرة فى انكشاف صورة الغرب الإنسانى الذى طالما تشدقت به الدول الغربية لسنوات طويلة.

 

إلهان عمر أثارت الجدل بتصريحاتها التى وصفت بأنها معادية للسامية
إلهان عمر أثارت الجدل بتصريحاتها التى وصفت بأنها معادية للسامية

 

ففى الوقت الذى دعا فيه الرئيس ترامب حلفائه الأوروبيين لاستعادة "دواعشهم"، أعرب عن رفضه الكامل لاستعادة مواطنة أمريكية انضمت للتنظيم المتطرف، كما اتجهت الحكومات الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات من شأنها سحب الجنسية من قبل مواطنيهم الذين انضموا للتنظيم، فى خطوة أثارت انتقادات كبيرة، وبالتالى يأتى استخدام اتهامات "معاداة السامية" ربما لصرف الانتباه عن الانتقادات الحقوقية المتزايدة، بالإضافة إلى محاولة استعادة بريق الانسانية من جديد من بوابة الدفاع عن حقوق اليهود.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة