تجددت المظاهرات بالآلاف فى اليوم التالى لعودة محمد نجيب «28 فبراير - مثل هذا اليوم - 1954»، بعد أن سادت يوم 27 فبراير.. «راجع - ذات يوم 27 فبراير 2019»، وفقا لخالد محيى الدين فى مذكراته «الآن أتكلم»، مضيفا: «برز الإخوان بقوة معلنين مساندتهم له، وألقى عبد القادر عودة خطابا حماسيا فى المتظاهرين معلنا تأييد الإخوان لنجيب..وخرج نجيب من شرفة قصر عابدين ليحى الحشود الهائلة التى ملأت ميدان عابدين والشوارع المحيطة به».
وقف «نجيب» فى شرفة القصر الساعة التاسعة والنصف صباحا يخطب فى الجماهير المحتشدة، حسب مذكراته «كنت رئيسا»، مشيرا إلى أنه حاول تخفيف حدة الأزمة التى وقعت بسبب استقالته، ووصفها بأنها «سحابة صيف سرعان ما تنقشع»، ويذكر أن مظاهرات هذا اليوم بعضها قصد بيته، وأخرى خرجت من جامعة القاهرة قاصدة ميدان الجمهورية، ويؤكد: «كان المتظاهرون يهتفون بحياتى وحياة الديمقراطية، وردد بعض المتظاهرين هتافات معادية لمجلس قيادة الثورة».
يؤكد على عشماوى، آخر قادة التنظيم السرى للإخوان، فى مذكراته «التاريخ السرى لجماعة الإخوان المسلمين»، أن مظاهرات 28 فبراير، رتبت لها الجماعة، وبدأت من جامعة القاهرة، حيث تجمع طلبة مدرسة السعيدية الثانوية مع طلبة الجامعة، وكان مرتبا أن يكون التلاقى فى ميدان عابدين، حيث تخرج جامعات ومدارس الجيزة، ويتجهون إلى مكان التجمع ويقابلهم طلبة الجامعات والمدارس الثانوية والأزهر، وحدثت بعض الاشتباكات حول الجامعة، وسارت المظاهرات حتى وصلت إلى كوبرى قصر النيل، وهناك حدثت مواجهة مع البوليس الحربى».
يضيف عشماوى، أنه مع ضغط الجماهير المحتشدة فى المظاهرات، سقط من الإخوان فى الصفوف الأولى قتلى وجرحى، وحدثت اشتباكات كان يقودها من الإخوان «فتحى البوز» و«على صديق»، وانتشر الخبر على الفور فجاء عبد القادر عودة داخل سيارة جيب، وأخذ قميصا لأحد الإخوة الجرحى وهو مضرج بالدماء، واتجه إلى ميدان عابدين يندد بما حدث».
يضيف «عشماوى»: «حاول نجيب أن يهدئ الجماهير والتحدث إليهم دون جدوى، وبذكاء شديد لمح عبد القادر عودة داخل سيارته وهو يلوح بالقميص المخضب بالدماء، وناداه أن يصعد إلى جانبه، وبالفعل دخل وخلفه الحاج إبراهيم كروم وهو يمتطى فرسه وكأنه يحرسه، وصعد «عودة» إلى الشرفة وبإشارة واحدة من يده سكت جميع من فى الميدان وخيم صمت عميق، وتحدث إلى الجماهير، وقدم لهم محمد نجيب ليستمعوا إليه فوعد بإطلاق الحريات واحترام المواطنين.. يقول عشماوى: «كان هذا اليوم شاهدا على انتهاء العلاقة الطيبة بين رجال الثورة والإخوان، وحاول الإخوان فى هذا اليوم أن يستعرضوا قوتهم فى الشارع أمام رجال الثورة الذين كانوا محاصرين داخل قصر عابدين»، يضيف نادما: «لو أن الإخوان معززون بهذه الجموع الغفيرة، اقتحموا القصر وقبضوا على رجال الثورة، لانتهى الأمر منذ ذلك التاريخ، وكان هذا أحد الحوارات الكثيرة التى دارت بين الإخوان بعد ذلك».
أما إبراهيم كروم الذى دخل على رأس مظاهرة ممتطيا فرسه.. فهو عم الكاتب الصحفى حسنين كروم، وفتوة بولاق، حسبما يؤكد الكاتب الصحفى يوسف الشريف فى كتابه «مما جرى فى بر مصر» عن»دار الشروق - القاهرة»، مضيفا: «كان وسيم الطلعة يرتدى الجلباب البلدى الجوخ والطربوش، ويشتغل بتجارة الحديد الخردة، ويملك مقهى شهيرا يحمل اسمه كان بمثابة «ديوان المظاليم» الذى يعقد فيه مجلسه الليلى لحل مشاكل سكان بولاق وفض خصوماتهم.. كان قوى البنية على النحو الذى يمكنه مصارعة عشرة رجال أشداء، وكان ضعيفا باكيا حين يعود صديقا مريضا، أو يعزى أسرة فقدت عزيزها دون أن يترك لها ما يعينها على مواصلة الحياة الكريمة.. إلى جانب تلك الفضائل كان فنانا مبدعا..فكانت «الحاجة» وهو اسم الشومة التى يستعين بها فى الملمات، تتحول بين يديه إلى آلة رشيقة لممارسة رياضة التحطيب، والرقص البلدى الخاص بالرجال».
يذكر الشريف، أن «كروم» انضم إلى الإخوان فى نهاية الأربعينيات «القرن الماضى»، وعندما قامت ثورة يوليو ارتبط بعلاقة صداقة مع نجيب وعبد الناصر والسادات، وحسبما يذكر حسنين كروم «ابن أخيه لـ«المصرى اليوم - 30 يناير 2014»، وابنه مصطفى لـ«اليوم السابع -11 أغسطس 2015»، أنه اعتقل بعد محاولة اغتيال الإخوان لعبد الناصر فى الإسكندرية يوم 26 أكتوبر 1954، وأفرج عنه عبد الناصر صحيا، وأصبح مؤيدا له، وحين عاد من مؤتمر باندونج عام 1955، قاد وهو راكب فرسه حشدا كبيرا من أهالى بولاق يزيد على ثلاثة آلاف إلى ميدان عابدين لتحية عبد الناصر، وعلق لافتة كبيرة كتب عليها: «إبراهيم كروم فتوة مصر.. يحيى جمال عبد الناصر فتوة العالم»، وملأ شوارع بولاق بلافتات عليها نفس العبارة، وأثناء العدوان الثلاثى 1956 قاد قوات الدفاع الشعبى لغرب القاهرة، وتبرع بألف جنيه للمجهود الحربى، وعندما علم أن جماعة الإخوان تمتلك مخزن سلاح بمنطقة بولاق يضم 156رشاشا، استولى عليه بالقوة، وسلمه لزكريا محيى الدين وزير الداخية، وبعد انتهاء الحرب كرمه عبدالناصر على دوره الوطنى.