زار الشيخ سلطان القاسمى حاكم الشارقة، اليوم، معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الخمسين، وأهدته الدكتورة إيناس عبد الدايم كتاب "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" لميلاد حنا والذى أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب طبعه هذا العام.
والكتاب الذى نشره ميلاد حنا عام 1989 فى دار الهلال، ويدور، حسبما كتب الكاتب وجدى الكومى فى قراءة له، حول كون أن الشخصية المصرية غنية بالانتماءات التى تراكمت لدى كل مصرى عبر الزمان، وبتأثير المكان، فعبر الزمان تأثر المصرى بالحضارات المختلفة التى مرت على مصر، فما من مصرى إلا ويعتز بانتمائه إلى حضارة الفراعنة، وجدوده المصريين القدماء، الذين قدموا تراثا إنسانيا رائعا، وعظيما، وفريدا من نوعه، ومن ثم يرى ميلاد حنا أن العمود الأول للشخصية المصرية هو العمود الفرعونى الذى يزهو ويفخر به أى مصري، ويعتبره الركيزة الثقافية التى يقف عليها المصريون، بصرف النظر عن انتمائه الدينى أو أى من الأعمدة السبعة الأخرى.
وفى الفصل الثالث من الكتاب يعرض ميلاد حنا لباقى الأحقاب والرقائق التاريخية المتراكمة لدى مصر، وتركت آثارها على الهوية أو الشخصية المصرية، فالطبقة التى تلت الحقبة الفرعونية هى الحقبة المسماه اليونانية الرومانية، ويراها حنا حقبتين قصيرتين متداخلتين فى مرحلة انتقالية مهمة، تفصل بين المرحلة الفرعونية، وصولاً إلى حقبة الأديان السماوية، أى المسيحية، والإسلام.
ويرى حنا أن تلك الحقبة، تركت بصمتها على تاريخ مصر، وصارت بالفعل أحد أعمدتها الثقافية، وربما اعتبرها البعض أضعف الأعمدة المصرية حسبما يقول حنا فى الكتاب، لكنه لا يمكن إغفالها ويجى بعدها العمود القبطي، وهو متداخل فى بدايته مع الحقبة اليونانية الرومانية، ومتداخل فى نهاية العصر القبطى مع الحقبة الإسلامية، ويقول ميلاد حنا: من المؤكد أن استمرار المسيحية القبطية حتى الآن يعطى الشرعية الموضوعية والشكلية للعمود القبطي، ليكون متواجدا ومستمرا ومؤثرا فى التركيبة المصرية حتى الآن.
ويشير حنا إلى أن تفضيل المؤرخين انتهاء العصر القبطى مع دخول العرب مصر عام 641م، إجحاف علمى وثقافى ووجداني، لأن غالبية مصر استمرت مسيحية عدة قرون بعد دخول العرب لمصر، كما أن اللغة القبطية استمرت هى اللغة الشعبية السائدة فى مصر طيلة القرنين السابع والثامن، ثم كانت مشاركة فى الحياة اليومية مع اللغة العربية طيلة القرنين التاسع والعاشر إلى دخول الفاطميين مصر عام 969 ميلادية.
ثم تأتى الطبقة الرابعة من طبقات مصر، وهى حقبة الحضارة الإسلامية، وكما ساهمت مصر فى صياغة الفكر المسيحى فى العالم، ساهمت مصر فى الحضارة والفكر والفقه الإسلامي، ليس فقط لأنها قبلت الفتح الإسلامى فى القرن الأول الهجري، لكن لأنها أنشأت مع دخول الفاطميين فى القرن العاشر أول صرح فكرى إسلامى فى عصره وحتى الآن، ومن ثم فإن مصر تتميز عن باقى الدول الإسلامية، بأن بها إسلاما واحدا يتميز بخصائص ثقافية فريدة فى الواقع اليومى المعاش، فلا هو بالسنى المصفى، ولا هو بالشيعى الزاعق، وبدأ الإسلام فى مصر سنيا فى القرون الأولى للهجرة، ثم صار شيعيا مع دخول الفاطميين فى القرن العاشر، وأنشأوا الجامع الأزهر نسبة إلى فاطمة الزهراء، وكان مركز فكر شيعى لنحو قرنين من الزمان، وعندما دخل صلاح الدين مصر، أمر بأن يتحول الجامع الأزهر لينشئ الفكر السني، وهكذا احتوى الأزهر الإسلام فى مجمله دون تحيز أو تعصب.
ولفت "ميلاد حنا" فى كتابه إلى أن غرضه الرئيسى ليس فقط عرض الأوجه السياسية لانتماءات مصر التاريخية والجغرافية، بقدر ما هو تحليل للتركيبة الثقافية للمصرى فى العصور الحديثة، وكيف أنه متأثر بتاريخه وموقعه، ومن ثم فإن الكتاب لا يتعرض لصراع الحضارات على حد وصف حنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة