"قالوا علينا ديابة وإحنا يا ناس غلابة"، هكذا يقف آلاف الناس فى صعيد مصر يستمعون لكلمات تلك الأغنية وهم يتابعون سباقات الخيول فى الصحراء فى يوم كرنفالى لأبناء الصعيد يسمى بـ"المرماح".
"اليوم السابع" داخل أحد سباقات المرماح بمحافظة أسوان للتعرف على هذا النوع من المنافسة فى ركوب الخيل وإظهار الفروسية والقوة بين أبناء القبائل المتنافسة، وأشهر أنواع هذه الخيول وأمهرها على مر السباقات التى تقام بمختلف القرى والمحافظات فى الصعيد.
وقال محمد هلاوى، من أبناء قرية الرمادى بأسوان: "تعد سباقات الخيول أحد الأركان الأساسية لما يعرف فى الصعيد باسم "المرماح"، وهى عبارة عن ليالٍ لا يزال المجتمع الجنوبى يحافظ عليها بقوة بعد أن توارثوها عبر الأجيال السابقة، وكانت فى الماضى 3 ليالٍ أما فى الوقت الحالى فهى ليلة ويومين، تهدف إلى لم شمل القبائل العربية باستمرار وتبادل زياراتهم وإظهار التنافس الشريف بينهم فى الرياضيات التى تعظم من شأن القوة والصلابة لدى أبناء الصعيد.
وأضاف هلاوى لـ"اليوم السابع"، أن أسوان وحدها يوجد فيها أكثر من 20 ليلة من ليال المرماح، بالإضافة إلى محافظات الصعيد الأخرى والقريبة من بعضها مثل الأقصر وقنا وأحيانًا سوهاج، بواقع مرماح كل 15 يومًا، موضحًا أن ليالى أسوان تنظم فى قرى: "الكوبانية وبنبان وفارس والمنصورية والرمادى والحصايا إدفو وإدفو قبلى وحاجر إدفو والقارة وكلح الكرنك والبصيلية" وهى قرى غرب النيل، بالإضافة إلى قرى: "سلوا والطوناب والنزل وكلح المفالسة والدومارية ومدينة دراو" وهى مناطق شرق النيل بمحافظة أسوان.
وتابع إبراهيم البرنس، أحد القيادات الشعبية بقرية بنبان مركز دراو بأسوان، الحديث عن المرماح قائلاً: "يبدأ الاستعداد له مبكرًا من خلال توجيه الدعوة للقبائل العربية بالقرى المعتادة على المشاركة سواء من داخل أسوان أو خارجها، فكل قرية تستضيف المرماح بتوقيت ومكان معلوم مسبقًا وبتوجيه الدعوة لأبناء القبائل الأخرى"، موضحًا أن القرية تستعد بأكملها لاستقبال ضيوف المرماح وفتح المضايف المختلفة لهم وتجهيز أماكن تجمع الناس ومبيتهم، فى ملحمة اجتماعية يشارك فيها أبناء القرية جميعهم.
وأشار إبراهيم البرنس، إلى أن المرماح عادة ما يقام ليلة الجمعة وتقام منافسات سباق الخيول صباح السبت، بينما تتضمن ليلة الجمعة استقبال الضيوف وتقديم المشروبات وإعداد الأطعمة لهم، وإقامة احتفالية دينية تبدأ بتلاوة آيات من القرآن الكريم لأشهر القراء بالصعيد، وتشمل أيضًا على "ذكر" و"مديح" و"إنشاد" ويحضر فيها أشهر المداحين وأبرز مطربى الكف بالصعيد، وتقام أيضًا منافسات اللعب بالعصى واستعراضات الخيول المشاركة فى السباق، وسط سعادة وفرحة الأطفال الذين يلهون أيضًا بالألعاب المختلفة من "مراجيح" وغيرها ويشترون الحلوى والألعاب من البائعين فى مشهد أشبه بالموالد.
محمد عبد الله، من أهالى قرية الزنيقة بمركز إدفو محافظة أسوان، أوضح أن صبيحة اليوم التالى "السبت" يتجه الآلاف من الناس إلى ساحة السباق وعادة ما تكون أرض صحراء مجهزة للسباق، ويتجمع ما يزيد على 600 حصان بالإضافة إلى آلاف المواطنين الذين يحرصون على متابعة التنافس بين الخيول العربية الأصيلة المشاركة فى السباق، لافتاً إلى أن السباق لا يتم بشكل جماعى ولكن يكون عبارة عن سباقات فردية بين حصانين اثنين وهو ما يسمى بـ"الربط" ويتنافس فيه ما بين 15 إلى 20 حصانًا من أشهر وأمهر الأحصنة بالصعيد فى مسافة تتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة كيلومترات، لافتًا إلى أن أسوان تضم قائمة من أبرز هذه الخيول والتى يطلق عليها أصحابها مسميات لها كـ"القصبجى" لصاحبه خالد من الماريناب إدفو، وحصان "الشاطر حسن" للشيخ العربى من كلح المفالسة، وحصان "بورتفينو" وفارسه عيسى موسى، وحصان "محسود" من سلوا بحرى، وحصان "الإنجليزى مدنى"، والحصان "سيجال" لأبو عجوزة من قرية فارس.
واستكمل محمد عبد الله، الحديث قائلاً: هناك جوائز يتم رصدها للفائزين بالمرماح مثل الكئوس للحصان الفائز وشهادات تقدير للفارس الأول، وتمنحها اللجنة المنظمة للسباق وبعض هذه السباقات تُنظم برعاية مراكز الشباب المختلفة بالمحافظة ضمن أنشطتها باعتباره نشاط فروسية، ويحتفل أبناء القبائل بالحصان والفارس الأول فى المرماح وسط تشغيل أغانى وتتر لمسلسلات الضوء الشارد وذئاب الجبل عبر مكبرات الصوت، أو عبر عزف ربابة لأحد الفرق الشعبية التى تتواجد بالمرماح.
محمود العبادى من أبناء محافظة أسوان أيضًا، أشار إلى أن سباقات الخيول تشهد العديد من الحوادث الخطيرة التى تودى أحيانًا بحياة الأشخاص والخيول أو إصابتهم، نتيجة التدافع الذى يكون فى الغالب مقصودًا من المتنافسين فى محاولة لإخراج خصمه من السباق أو تعطيله، وهناك حالة وفاة واحدة لشاب من قرية فارس توفى بعد الاصطدام بسيارة ربع نقل كانت موجودة على جانب السباق، وفى هذه الحالة يعد المشاركون فى السباق أنها حوادث قدرية لا حساب فيها ويستمر التنافس بين أبناء القبائل وسط جو من الود والألفة دون وجود ما يعكر صفو الحضور.