للموتى حديث همس لا يسمعه إلاّ الأحياء، عبارة ألقتها بوجهى حينما قرأت تلك السخرية التى حلّت بى و أنا اسمعها تتحدث لأشباح، طقس أسبوعى لا تملُّ منه , عصر الأربعاء , تستقل سيارة " أجرة " تنتهى بها عند " بوابة الوداع " , المدخل الرئيسى للمقابر , لا تنسى قبل الدخول أن تبتاع " جريد نخل " ندى أخضر اللون , بصحبتها قارورة مياة .. ثم تنطلق فى خط سير دون وعى , تسوقها قدماها إلى مقبرة متهدمة من بعض جوانبها , تستتظل بشجرة عظيمة وارفة , ترتفع حتى عنان السماء , تضع " الجريد برفق على سطح المقبرة ," تنثر عليه بعض المياه , تفترش أمامها " سجادة " قديمة ,ثم تستوى جالسة أمام شواهد بالية لعائلة مات أغلبها.
تسترسل فى الكلام مع أمها , خالاتها , جدتها .. حديث يتدفق بيين طرفين , هى و أخريات تحت التراب.. جدل ينشب , صوت يعلو , أغلظ الأيمان تنطلق من فمها , تُفسم أن هذا ما حدث .. تُنصت ,تنفى , تؤكد ..تهز رأسها .. تحكى ما بجعبتها ,عن جفوة من بقى من الأهل , عن شجارها مع بعض الجارات , عن سعال شديد إثر دور برد أصابها ... كسل الأبناء و تأخرهم الدراسى .. عن حُلمها فى أداء " عمرة " .. بالإنابة عنهن جميعياً.
قبيل المغرب تنهض , تنفض عن ملابسها غبار هو بقايا أجساد فنت من قديم الأزل , تطوى " سجادتها " تقرأ الفاتحة , تودّعهم بعبارة مقتضبة و عينيها مختنقة بالدموع : " عايزين منى حاجة , أنا ماشية بقى"