عبر الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى عن أحزانه لوفاة الكاتب والمفكر عباس محمود العقاد، وذلك بإملاء سكرتيره «فريد شحاتة» مقالا لجريدة الجمهورية، حسبما يؤكد الدكتور محمد حسن الزيات زوج ابنته ووزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر 1973 فى كتابه «ما بعد الأيام».. كانت حالة العقاد أثناء مرضه الأخير مجالا للحديث بين «حسين» و«يوسف السباعى» بعد انعقاد لجنة الأدب التابعة للمجلس الأعلى للثقافة برئاسة «حسين» فى غرفة مكتبه بفيلته «رامتان»، استدعى خلاله عميد الأدب العربى بعضا من الذكريات مع العقاد، ومحبته له بالرغم من المعارك الفكرية والأدبية التى دارت بينهما فى مناسبات عديدة «راجع - ذات يوم 12 مارس 2019».
يذكر «الزيات» النص الذى أملاه حسين لسكرتيره، ونشرته جريدة الجمهورية فى عددها الصادر يوم 13 مارس، مثل هذا اليوم 1964 «اليوم التالى لوفاة العقاد».. قال: «وكذلك فارقتنا أيها الأخ الكريم والصديق الحميم والزميل العزيز، فارقتنا فجأة على غير إذن لنا بهذا الفراق وعلى غير انتظارك من عوادك وأطبائك ومن أهلك الأقربين الذين كانوا يحوطونك بعنايتهم ورعايتهم، والذين كنا نسألهم عنك فلا نسمع منهم إلا خيرا كل خير.. ولقد سألتهم أمس حين تقدم الليل فأنبئونى بأنك على خير حال.. سعدت بذلك.. وعرفت أن الملتقى فى مجمع اللغة العربية قريب.. ولكنى أصبح فإذا بالنبأ يفاجئنى فيقع علىّ موقع الصاعقة، وأقسم لقد ذهلت له ذهولا أفقدنى الشعور بمن حولى وما حولى أو كاد يفقدنى هذا الشعور.. أيها الأخ الكريم إن موتك لا يفجع أسرتك وحدها، ولا وطنك وحده، وإنما يفجع العالم العربى كله، فقد كنت علما من أعلام العروبة الشاهقة، ونجما من نجومها المشرقة، ملأت الدنيا أدبا وحكمة وفلسفة وعلما، تألق نورك بين مواطنيك منذ شبابك الأول وما فتئ أن تجاور وطنك وأشرق على العالم العربى كله، ثم لم يلبث أن تجاوزه إلى المعنيين بشؤون الأدب العربى فى جميع أقطار الأرض.. أنت أيها الأخ الكريم والصديق الحميم والزميل العزيز ملأت الدنيا حقا، وشغلت الناس حقا، وستشغلهم بعد وفاتك أكثر مما شغلتهم فى حياتك.. ما أشد ما كان بينك وبينى من خصام فى الساسية أحيانا وفى الأدب أحيانا أخرى، وما أحلى ما كان بينك وبينى على ذلك من مودة وإخاء ووفاء».
يتذكر «الزيات» حالة طه حسين الحزينة التى تلت إملاء مقاله لسكرتيره حيث دخلت عليه زوجته السيدة سوزان وقالت له: «فريد قال لى إنك لا تريد أن يدخل عليك أحد».. يرد طه حسين: «نموت قليلا عندما يغادرنا فى هذه الدنيا الأهل والأصدقاء، لقد كنت بالأمس أذكر الأعضاء العشرة الذين دخلت معهم المجمع «اللغة العربية» عام 1940، لقد ودعنا منهم الآن لطفى السيد «توفى فى أبريل 1963»، ومحمد حسين هيكل «توفى 8 ديسمبر 1965» و«عبدالعزيز فهمى «توفى عام 1951»، كما ودعنا على إبراهيم «أول عميد مصرى لطب قصر العينى وتوفى عام 1947»، والشيخ مصطفى المراغى «شيخ الأزهر وتوفى عام 1945»، وعبدالقادر حمزة «صاحب جريدة البلاغ وتوفى 6 يونيو 1941»، وأحمد أمين «مفكر وأديب توفى عام 1954» والآن العقاد، ولم يبق على قيد الحياة من الزملاء العشرة سواى».. ردت سوزان: أليست هذه سنة الحياة، هل تريد أن تستريح فى غرفتك؟.. رد طه حسين: لا، ابقى معى قليلا».
يذكر سامح كريم فى كتابه «معارك طه حسين الفكرية والأدبية»: «برغم كل شىء نجد بين العملاقين علاقة ود وصفاء ووفاء مما نحسه فى سطور وداع الدكتور طه حسين لصديقه الأستاذ العقاد»، ويضيف «كريم»: «فى الأهرام يوم 16 مارس 1964، حديث بعنوان «أول حديث لطه حسين عن العقاد» قال فيه: «أيام كتاب الشعر الجاهلى، الذى لا أنساه ولن أنساه ولا يمكن أن أنساه عن العقاد هو موقفه عندما ثار مجلس النواب علىّ أكثر من مرة، فى أيام الوفديين، مرة كان رئيس اللجنة ويصا واصف، كلهم كانوا ثائرين.. ولكن العقاد النائب الوفدى حينئذ قام ودافع عنى دفاعا حسنا، وكان وفديا صميما، وأيام محاولة إخراجى من الجامعة قام وقال لهم.. على مهلكم فأنتم إذا أخرجتم فلانا من الجامعة فلن تجدوا من يستحق أن يجلس مكانه».
وينقل «كريم» قصة كتبها «عامر العقاد» فى كتابه «العقاد ومعاركه فى السياسة والأدب» كيف أن العقاد فزع عندما سقط طه من على كرسيه فى مجمع اللغة العربية نتيجة إغماء ونقل إلى بيته.. يذكر عامر: «يومها حضر العقاد إلى منزله، وكنت فى انتظاره كالعادة ورأيته تعلو وجهه علامات أسف شديد فسألته لعل فى الأمر شيئا، وقص على ما حدث فى الجلسة فى أسف شديد وظنه أن الدكتور طه فارق الحياة، إلى أن قال لى فى ختام حديثه يومذاك: «إننى يا مولانا لا أتمنى من الله أن يطيل حياتى بعد الدكتور.. لأن فى ذلك مشقة وتعبا لا أقوى عليهما».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة