أعلن الشيخ الشعراوى تحديه لثلاثة من رموز الإبداع والفكر، هم، توفيق الحكيم، ويوسف إدريس، والدكتور زكى نجيب محمود، بسبب مقالات «حديث مع الله» التى نشرها الحكيم، منذ 1 مارس 1973 واستمرت أربعة أسابيع، وهاجمها شيوخ أزهر ومرشد الإخوان عمر التلمسانى، وسارت معركة كبيرة.. «راجع- ذات يوم 1 مارس 2019».
كان خطر المعركة أنه «قد يترتب على نتيجتها تكفير أحد طرفيها»،حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد توفيق فى كتابه «الملك والكتابة».. وبالفعل كانت الظروف مهيأة لما هو أخطر، حيث الحضور القوى لجماعات الإرهاب باسم الدين، ومما يلفت النظر فى ذلك مانشرته «مكتبة الآداب» كجهة نشر لمؤلفات الحكيم، فى ختام كتاب «الأحاديث الأربعة»، فتحت عنوان «الإسلام عند توفيق الحكيم»، قالت إنها «تجيب على سؤال لبعض القراء عن مدى اتصال الحكيم بالإسلام»، وبدت أنها تبرر نشرها للأحاديث رغم إدخال «الحكيم» تعديلات جوهرية عليها.
وفى 17 مارس- مثل هذا اليوم -1983 دخلت القضية منعطفا جديدا، فوفقا لكتاب «غضبة الله» لمحمد خالد ثابت، نشرت «اللواء الإسلامى»، بيانا للشعراوى فى صفحتها الأولى، قال فيه: «مايكتبه توفيق الحكيم ضلال وإضلال.. لقد شاء الله سبحانه تعالى ألايفارق هذا الكاتب الدنيا، إلابعد أن يكشف للناس ما يخفيه من أفكار وعقائد كان يتحدث بها همسا ولايجرؤ على نشرها.. ولقد شاء الله ألا تنتهى حياته إلا بعد أن يضيع كل خير عمله فى الدنيا.. حتى يلقى الله سبحانه وتعالى بلا رصيد إيمانى..إننى أطالب- كما يتم عقد ندوات فى التليفزيون لمناقشة الذين ينشرون أفكارا خاطئة عن هذا الدين- بأن تعقد ندوة ينقلها التليفزيون المصرى ويحضرها الناس، وأطلب أن يحضر هذه الندوة، توفيق الحكيم ويوسف إدريس وزكى نجيب محمود، وأحضرها أنا وحدى لأكشف هؤلاء الناس للمسلمين فى العالم أجمع وأرد عليهم، ونترك الحكم لجموع المسلمين، كما أكشف وسائل الإعلام التى تقوم بنشر هذا الكلام لهم، وأتحدى أن تعقد مثل هذه الندوة، وأنا مستعد لها فى هذه اللحظة.. إذا كان هناك ما يسمونه فكرا لهم، فكل كلامهم خارج هذا الدين وكله مردود عليه، وأنا أريد النقاش علنا ليعرف كل إنسان قدره، ولايصبح دين الله نهبا مباحا لكل من يريد أن يتعدى على مقدساته ويشوهه أمام الناس..إن ما يقوم به هؤلاء الثلاثة لا يمت إلى الحق بصلة، ولا إلى الفكرالإسلامى الصحيح..وما يكتبونه هو قضية تحمل الضلال والإضلال، وإذا كان لديهم ذرة حق فليأتوا ولنتناقش أمام الناس جميعا.. وإنى فى انتظارهم».
بدأ الشعراوى مرحلة أكثر ضراوة بهجومه على كل واحد منهم بمفرده، وفقا لمحمد توفيق، فقال واصفا «الحكيم»: «عجبت من رجل يعتبرونه شيخ الكتاب يعلن أنه لم يعد صالحا لأن يكتب مسرحيات وروايات، أى أنه لا يصلح لكتابة بشر إلى بشر ثم يتسامى إلى أن يتكلم مع الإله أو يستقبل كلاما من الإله».. وقال: «إن كتابات الدكتور زكى نجيب وآراءه المنشورة فى الكتب المطروحة ليس فيها ما يدل على توبته.. أليس هو من قال «مهما قال العلماء بأن حديث الذبابة صحيح فلن أصدق فإنه يصيبنى بالغثيان».. هذا القول بعد قوله: مهما قال العلماء يدل على إصرار منه.. ويعنى أن هناك خطة مدبرة للنيل من الإسلام».
وفى كتابه «قيم من التراث» يكشف «نجيب» قصة «حديث الذبابة»، ودارت على صفحات الأهرام، قائلا: «قرأت لفضيلته كلمة موجزة يدافع بها عن القول بأنه إذا سقطت ذبابة فى شراب كاللبن مثلا، فما على الشارب إلا أن يغمس الذبابة بأجمعها فى الشراب، ثم يمضى فى الشرب، لأن للذبابة جناحا فيه الأذى، وهو الجناح الذى تسقط به على سطح السائل، وأما جناحها الآخر فمن طبيعته دفع ذلك الأذى، وبهذا التضاد يصبح السائل صالحا للشرب، وأذكر أن فضيلته قد شفع ذلك الرأى بذكر مراجع لعلماء من الألمان، وكان فضيلته يومئذ وزيرا للأوقاف»..يضيف: «لست أدرى كيف تلقى القراء كلاما كهذا، حتى ولو كانت أسانيده مأخوذة لا من علماء ألمانيا وحدهم، بل من علماء الأرض جميعا، أقول إننى لا أدرى كيف تلقى القراء كلاما كهذا، لكن الذى أدريه على وجه اليقين هو وقعه على نفسي، فدع عنك ما أصابنى من غثيان، لأن غثيانى قد لايهم أحدا سواى، ولكن ثمة جانبا من الموقف ينبغى أن يكون موضع اهتمامنا جميعا، وهو الذوق الحضارى السليم، فإذا فرضنا ما لا يجوز فى رأيى فرضه، وهو أن الذباب على نحو ما وصفه فضيلته- وأنا أعلم أنه قول شائع فى عامة الناس- فهل يمكن أن يؤخذ الذباب من حيث هو أجساد مجنحة وكفى، بغض النظر عما ارتبط فى الأذهان من قذارة ونقل للأمراض؟ فإذا كان الذباب فى حياة الناس هو ما هو، فهل يجوز أن يكون غوصه فى طعامنا وشرابنا موضعا للدفاع؟. ومن الذى يدافع؟ هو فضيلة الشيخ الشعراوى، الذى إذا قال أنصت الملايين، وإذا كتب قرأ من لا أعرف عددهم فى بلد تشيع فيه الأمية بمثل ما تشيع عندنا»..وتواصلت المعركة.