بقدر ما فرضته الأوضاع السياسة الساخنة فى المنطقة العربية التى شهدت نزاعات ودمار فى فترات الربيع العربى، بقدر ما تمثله من فرص واعدة لصناعات مواد البناء المصرية وعلى رأسها الأسمنت للعب أدوار رئيسية فى إعادة أعمار هذه الدول.
وقدر البنك الدولى عام 2017 تكلفة إعادة إعمار كل من ليبيا وسوريا واليمن بحوالى 360 مليار دولار، كما بلغت تقديرات إعادة إعمار العراق وفقا لتقديرات وزارة التخطيط العراقية لحوالى 88 دولار العام الماضى، وزادت هذه التقديرات فى بعض الأحيان إلى 100 مليار دولار، وهو ما يعنى أن تكلفة إعادة الإعمار بالدول الأربعة يقترب من نصف تريليون دولار.
وتمثل مشاركة الشركات المصرية فى أعمال إعادة الإعمار فرصا هائلة إذا ما تم استثمارها بصورة صحيحة سياسيا واقتصاديا، فقد يلعب الجانب السياسى دورا بارزا فى حصول الشركات المصرية على جزء أكبر من الكعكة التى تتصارع عليها الشركات العالمية، وزيادة حجم وقيمة صادرات القطاع الذى يعانى من فائض كبير فى الطاقة الإنتاجية يقدر بحوالى 33 مليون طن عام 2018، كان يصعب تصديرها فى الظروف المعتادة بسبب امتلاك دول الجوار لطاقات إنتاجية فائضة هى الأخرى مثل السعودية، واسبانيا، واليونان.
ولتحقيق هذا الأمر يتطلب بالضرورة أن ترتفع تنافسية المنتج المصرى ليتمكن من التصدير بسعر تنافسى، وهو ما يستلزم البحث عن طرق جديدة لتقليل تكلفة الإنتاج، سواء من خلال تطبيق تكنولوجيات جديدة فى الصناعة وفى توليد الطاقة، مع الأخذ فى الاعتبار أن معضلة ارتفاع تكلفة صناعة الأسمنت لا تقتصر على مصر وإنما فى الكثير من الدول المنتجة وهو ما يولد مزيد من البحث لتخفيض التكلفة وتحسين الربحية، خاصة وأنها صناعة كثيفة رأس المال، ويصل حجم استثماراتها فى مصر لحوالى 250 مليار جنيه.
وجدير بالذكر هنا النظر إلى إمكانية استخدام خطوط الغاز فى توليد الطاقة، كبديل عن الفحم الذى ارتفعت تكلفته 200%، والاستفادة من فائض الغاز بعد الاكتشافات الكبيرة التى شهدتها مصر فى السنوات القليلة الماضية، ومع دخول قانون تنظيم أنشطة الغاز حيز النفاذ، يمكن لشركات القطاع الخاص شراء الغاز من أى مصدر آخر وبأسعار أقل وهو عنصر حاكم فى تخفيض التكلفة.
وطبقا لتقديرات مؤسسة وود ماكينزى فى تقرير لها صدر فى ديسمبر الماضى، فإن تكلفة إنتاج الغاز فى مصر من المتوقع أن يتراوح ما بين ما بين 2.81 – 3.49 دولار لكل مليون وحدة حرارية خلال السبع سنوات المقبلة حتى 2025، وهو ما يعنى أن السعر الحر للغاز سيتراجع فى الأجل القصير.
ويمثل قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى بتخفيض سعر الفائدة بواقع 100 نقطة أساس (1%) فى اجتماعها الأخير، بمثابة فرصة مستقبلية فى الأجل القصير والمتوسط لقطاع صناعة الأسمنت لالتقاط أنفسه، إذا استمر الهبوط التدريجى لأسعار الفائدة التى ارتفعت 100 نقطة أساس (10%) خلال فترة ما بعد تحرير سعر الصرف، مما زاد من أعباء الصناعة التى ارتفعت تكلفة تمويلها بشكل كبير.
ومع استمرار ارتفاع أسعار شرائح الكهرباء التى تمثل حوالى 15% من تكلفة صناعة الأسمنت باستخدام الفحم كمصدر رئيسى للطاقة، تتزايد تحديات الصناعة فى الأجل القصير والمتوسط، علاوة على انخفاض الطلب المتوقع مع تباطؤ حركة النشاط العقارى، فى ظل انخفاض القوى الشرائية للمستهلكين نتيجة لزيادة معدلات التضخم وتآكل دخولهم.
هذه التحديات الداخلية تفرض على صناعة الأسمنت الذى يمثل بناء الأفراد 90% من الطلب المحلى عليه، واقعا يحتم عليه التوجه بقوة إلى الاستفادة من فرص إعادة الإعمار، حتى وإن كانت من خلال التفاوض السياسى قبل الميزة التنافسية، لما لمصر من ثقل دولى فى المنطقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة