الدعوة للهدوء والصمت لساعات طويلة تمتد لأيام وسط صخور ملونة، وفضاء لا يحجب عن مشاهدة شمس النهار ولا قمر الليل للخروج من كل ضغوطات الحياة خلالها يتم الإستعانة بمعينات المعيشة التقليدية من البيئة الطبيعية.
كانت وسيلة الشاب السيناوى "محمد ابوعيد الجبالى"، للجذب السياحى لمنطقة سانت كاترين السياحية بجنوب سيناء، وهى الفكرة التى نجحت بعد شهور قليلة من انطلاقها فى زيادة عدد السائحين من داخل مصر، ومن دول أجنبية لكاترين، وجميعهم من عشاق الطبيعة والباحثين عن الاسترخاء فى حضنها بلا إزعاج ولا صخب، يستمتعون بتجربة سياحة الصمت وإفراغ الذهن من كل أثقال الحياة .
التجربة السياحية الجديدة من نوعها، كشف عن تفاصيلها صاحبها ومنفذها " محمد ابوعيد الجبالى " لـ " اليوم السابع"، وهو أحد أبناء قبيلة الجبالية القاطنة جبال سانت كاترين.
يقول " الجبالى "، ان أصل فكرته ورثها عن والده، الذى سبق له واختار مكان بعيد عن أى مؤثرات أو مسار أقدام بين الجبال الشاهقة الارتقاع وعصية التضاريس بمحمية سانت كاترين بجنوب سيناء، وأقام عريش كان فيه ينفرد بالجلوس متأملا فى الطبيعة مكتفيا بزراعة قليل من شجيرات وأعشاب حول عريشه، يستخدمها فى شرابه وعلاجه ومنها مكملات لطعامه.
وتابع، أنه من خلال سفره ورحلاته وإطلاعه، واحتكاكه بالسائحين القادمين بكثافة لمنطقة كاترين من كل اسقاع المعمورة، استشعر ان الجميع فى هذا العالم يبحث عن ولو قليل من الراحة والعزلة، بعيدا عن كل ماهو مؤثر من رفاهية وضجيج وصخب اصبح من روتينيات يوميات الحياة الجالب للأمراض ، وجاءته الفكرة إلهام من أصل ماكان يقوم به والده فى ذاك المنحنى الجبلى البعيد عن العيون وعن سماع كل صوت ، وفى مكانه قرر ان يقيم نقطة حياه للمكان المعزول، فيها يعود كل زائر لهذه النقطة لفطرته الإنسانية لتغذية روحه بجرعة إيجابية وقتل لكل سلبية كامنة فى جسده ، واعتبره مشروع سياحى جديد ولكن بنمط بسيط ومختلف واسماه على اسم والده "عيد".
وتابع الشاب السيناوى محمد عيد، ان المشروع عبارة عن مخيم يتكون من غرف بسيطة شيدت بطراز معمارى غير نمطى، وهى الغرف الدائرية ذات القبو بهدف ان من يجلس فيها يخرج من إطار تقليد الغرف المربعة الشكل، وبنسق جدران تجمع بين البيئة المحلية للمعمار البدوى فى كاترين والحجر الفرعونى والنوبى ، وكان الاختيار فى التصميم الخارجى لنموذج عمارة المهندس حسن فتحى لتصميم القباب .
أضاف ان الخدمة للسائح فى المكان تعتمد على بساطتها، فالسائح يمكنه ان يخدم نفسه بنفسه من خلال إعداد الطعام، والمشروبات، والطعام مكوناته مأكولات بدوية من لحوم تطهى على موقد الحطب بينما المشروبات على اعشاب تنبت فى كاترين وحول المكان فى المزرعة، والمياه من بئر يعتمد فى تشغيله على الطاقة الشمسية.
سياحة الصمت
وقال الشاب السيناوى محمد ابوعيد الجبالى، انه ربما مثل هذه الخدمات متوفرة، فى المناطق السياحية ذات الطبيعة الخاصة والمحميات الطبيعية، لكن ما استطاع ان يصل اليه هو ان يعزل السائح الزائر للمكان ليعيش فى انفصال عن كل ماحوله ويودع ولو لأيام كل مشاكله وما يتراكم من اجهاد بدنى عليه من خلال ممارسة وتجربة "سياحة الصمت"، وهى فترة تحدد بالتدريج خلالها يتم الصمت عن الكلام ، و يتخللها رحلات فى عمق الجبال يسير فيها الصامتون فى مجموعات على مسارات خاليه من اى مظاهر عمرانية او صخب سياحى ، ثم يعودون للمكان، وكل هذا وهم فى حالة صمت تام، ومدة الصمت الأولى لنحو 48 ساعة، والثانية 72 ساعة ، والثالثه 140 ساعة، وهى برنامج سياحى متكامل ينفذ على فترات متتالية او متقطعة بحسب قدرة كل شخص على التحمل .
وتابع قائلا، انه خلال مدة الصمت لايتحدث المشارك فيها، سواء كان سائرا فى مجموعة او مفرده بين الجبال، ويكتفى بالأعتماد على حواسه فى اكتشاف ما حوله كشم رائحة النباتات واكتشافها، ونظره للتطلع للسماء والجبال، وخلال اقامته فى المخيم المعد لإقامته وهو صامتا يخدم نفسه، دون الحاجه للتحدث لأحد لطلب الخدمة، حيث يعد طعامه إذا أراد ان يأكل معتمدا على نفسه فى إعداده، وإعداد شرابه من مكونات الطبيعة الغنية بالأعشاب الطبية والعطرية التى تتاح له مع تعريف مسبق له بها، وخلال هذه المدة المقررة للصمت يغلق هاتفه المحمول وينقطع عن اى اتصال او قراءة لأى كتاب او تصفح انترنت لأنها مؤثرات تفسد الغرض من الرحلة الروحانية والتأمل فى فضاء الطبيعة وعظمة ماخلق الله من مكونات طبيعية ، واستطرد ان كثير من المجموعات السياحية تميل لهذه السياحة والتى تكون بداية تجربتها غريبة وصعبة، ومع مضى الساعات فى صمت يصبح الأمر مألوفا حتى ان بعض السائحين يعود للمكان خصيصا لممارسة هذا النوع من السياحة.
وقال ان فائدة هذه الرحلة انها تصفى العقل والذهن والقلب، وتؤتى الحكمة لمن يمارسها فى كل تصرفاته فهو يقضى على كل توتر قد يحدث له ويؤثر فى قراراته وأفعاله وتصرفاته.
وأشار انه ورغم ماعرف ان السياحة تبحث عن الرفاهية والفنادق والخدمات الجاهزة إلا ان تجربته اثبتت ان كثيرين يبحثون عن صفاء الطبيعة بلا مؤثرات لافتا ان الأفواج السياحية التى تحضر للمكان من السائحين الأوروبيين وأسعده إقبال كثيف من السياحة المصرية المحلية، وما يسعده أكثر ان هذه سياحة جميعها لا تضر بالبيئة، ولا تفسد اى معلم او حجر او نبت وخلال مدة اقامتهم يكتسبون مهارات جديدة، كما أنهم يصبحون أصدقاء للبيئة و يرتبطون بها .
وأشار انه فخور بكونه بجهد بسيط استطاع ان يضع بصمته على خريطة السياحة فى مصر، بمنتج ورافد سياحى جديد من نوعه، لافتا ان الإبتكار والإبداع هو أهم وسيلة للنجاح، وأن أكثر مت يفتخر به ان هذا الرافد السياحى لايضر بالبيئة الطبيعية البكر بسانت كاترين ويحافظ عليها لافتا انهم ورثوا عن آبائهم وأجدادهم طبيعة خلابة ومنطقة هى قبلة كل العالم وملتقى التسامح والأديان وكل من يريد ان يخلى ذهنه من كل هم .