نائب رئيس مجلس الدولة فى بحث علمى عن التعديلات الدستورية: انتخاب رئيس الجمهورية 6 سنوات مرتين يتوافق مع المعايير الدولية.. والنص المقترح ليس تمييزًا للرئيس بل تأكيدًا على أن القاعدة الدستورية لا تحرمه حق الترشح

الأربعاء، 20 مارس 2019 04:59 م
نائب رئيس مجلس الدولة فى بحث علمى عن التعديلات الدستورية: انتخاب رئيس الجمهورية 6 سنوات مرتين يتوافق مع المعايير الدولية.. والنص المقترح ليس تمييزًا للرئيس بل تأكيدًا على أن القاعدة الدستورية لا تحرمه حق الترشح المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى-أرشيفية
كتب أحمد عبد الهادى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

انتهى الجزء الثانى من بحث علمى للمستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، حول تعديل الدستور، إلى أن تعديل النصوص الدستورية فى كل دولة يأتى لمسايرة المتغيرات ومواكبة المستجدات التى قد تطرأ على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى الدولة وممارسة الأمة لسيادتها فى تعديل بعض نصوص الدستور، ما يعطى الرقابة الشعبية عن طريق الاستفتاء ما ينبغى معه إيضاح المبادئ التى استلهمتها النصوص الدستورية المعدلة.

وانتهت نتائج الجزء الثانى من البحث الى التالي:

أولاً: انتخاب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات مرتين يتوافق مع المعايير الدولية للدساتير. وكيف كانت تقل مدة الرئيس عن مدة عضو البرلمان الذى يضع الخطة! وكيف كانت تتساوى مع مدة عضو المجلس المحلى رغم جلال منصب الرئيس !

يقول الدكتور محمد خفاجى إن نص الدستور فى الفقرة الأولى من المادة 140 من الدستور السارى جعلت انتخاب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات مدة الرئيس ميلادية تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة، قد وضعت فى وقت سيطرت فيه الشعارات السياسية على مصلحة البلاد المعروفة فى علم آثار الثورات، فليس من المعقول أن تكون مدة الرئيس أقل من مدة عضو مجلس النواب وهم الذين يقومون بإقرار السياسة العامة للدولة، وإقرار الموازنة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لينفذها الرئيس، وليس من المقبول أن تتساوى مدة الرئيس مع مدة عضو المجالس المحلية رغم جلال المنصب وخطورة ما يضطلع به للنهوض بالبلاد، وليس من المأمول أو المأمون حرمان الرئيس الذى حمل على اكتافه إنقاذ البلاد من الفوضى من الترشيح كسائر المواطنين ولفترتين رئاسيتين قادمتين فقط كما يقضى - بحق - التعديل المقترح .

ثانيًا: النص المقترح بجواز رئيس الجمهورية الحالى للترشيح ليس تمييزًا بل تأكيدًا على أن القاعدة الدستورية لا تحرمه حق الترشيح وفقًا للقواعد والظروف المستجدة :

وأشار إلى أن المادة 140 فقرة أولى من التعديلات الدستورية المقترحة والتى تنص على أنه: "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين" ونص المادة الانتقالية التى تنص على أنه: "يجوز لرئيس الجمهورية الحالى عقب انتهاء مدته الحالية إعادة ترشحه على النحو الوارد بالمادة 140 المعدلة من الدستور" موافقة للمعايير الدولية فى الدساتير المقارنة لأنه قيد المدة بمدتين تاليتين قوام كل منها ست سنوات. ولم يتضمن حرمانًا للرئيس الحالى بممارسه حقه فى الترشح طبقًا للتعديل الدستورى، فهذا النص ليس تمييزًا بل تأكيدًا على أن القاعدة القانونية ومنها الدستورية لا ينبغى أن تتضمن حرمانًا للرئيس من حق الترشيح وفقًا للقواعد والظروف المستجدة .

ثالثًا: الاستفتاء على التعديلات الدستورية يجعلها من صنع الشعب الذى يصيغ نظرية الوعى الاجتماعى :

واضح أنه، لا ريب أن الاستفتاء بصفة عامة يمثل أهم مظاهر الديمقراطية سواء تعلق الأمر بوضع الدستور أو بتعديله، لأن الاستفتاء يجعل الدستور من صنع الشعب، وحتى يتحقق صنيع الشعب فى تعديل دستور بلاده، يجب أن يسبق الاستفتاء الشعبى فترة وجيزة معقولة للتفاعل المجتمعى على النحو الذى نظمه مجلس النواب الموقر، ومثل هذا البحث الماثل وغيره من جهد فقهاء مصر المخلصين، تتاح فيه للجماهير والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى معرفة مقترحات الدستور من المتخصصين العلماء، خاصة أن المغرضين المنتمين للجماعات الإرهابية أو التابعين لهم يصورون للناس ما ليس فيه علم لفكر وفقه القانون الدستورى، وإننى اعتبر أن إيصال هذه المفاهيم الدستورية الصحيحة عن تعديل الدستور وعن انعدام قيمة النصوص التى تحظر التعديل الجزئى على نحو ما سوف يأتى بيانه من واقع التجارب الدستورية على مسرح الحياة الدولية، هى مرحلة مهمة لصياغة الوعى الجماهيرى حتى يبدى المواطنون رأيهم عن فهم وإدراك لطبيعة التعديلات خاصة فى المرحلة المهمة من تاريخ بلادنا التى تتعرض لها لخطر الإرهاب واستغلال الدين فى السياسة لجماعات مارقة تتخذ من العنف سبيلاً للوصول للسلطة، ليحدد الشعب موقفه بوعى عن التعديلات الدستورية .

رابعًا: نص 2014 الذى يحظر إعادة انتخاب رئيس الجمهورية ليس له نظير فى الدساتير العالمية لاحتوائه على الحظر الجزئى والإباحة المعلقة على شرط فى قت واحد :

واستكمل إلى أن النص الفقرة الأخيرة من المادة (226) من دستور 2014 التى حظرت إعادة انتخاب رئيس الجمهورية يعد من قبيل الحظر الموضوعى لتعديل الدستور على أحد النصوص الدستورية، والواقع أن هذا النص ليس له نظير فى الدساتير العالمية لاحتوائه على الحظر الجزئى والإباحة المعلقة على شرط فى قت واحد، وهما ليسا صنوان فلا يجتمعان، فالحظر الموضوعى الجزئى يجب أن يقتصر تعديل مادة إعادة انتخاب رئيس الجمهورية ولا ينقلب إلى إباحة بتعليقه على مزيد من الضمانات يفقد معها مقوماته، وبهذه المثابة فإن هذه المادة التى حظرت حظرًا موضوعيًا جزئيًا لمادة إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مادة جمعت بين متناقضات .

خامسًا: الحظر الدستورى 2014 لتنظيم انتخاب رئيس الجمهورية يتعارض مع مقتضيات التطور ويتناقض مع سنن الحياة فى التعديل:

وأوضح أن نص المادة 226 من الدستور التى حظرت تعديل إعادة انتخاب رئيس الجمهورية يتجرد وفقًا للفكر الدستورى الحديث من أية قيمة قانونية أو سياسية، وعلى حد تعبير أحد الفقهاء الفرنسيين أن "حظر تعديل الدستور يعد عملاً غير مشروع، ولا يعدو أن يكون ذلك النص بالحظر قد ولد ميتًا، لأنه يحمل مجرد رغبات وأمانى لا تتمتع بالقوة الملزمة"، وتفصيل ذلك أن الدستور بحسبانه القانون الأساسى الأسمى والأعلى للدولة، فإن هذه الصفة تجعله قابلاً للتعديل والتبديل طبقًا لسنة التطور والحياة من النواحى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومؤدى ذلك أن هذا الحظر الدستورى لمادة تنظيم انتخاب رئيس الجمهورية يتعارض مع مقتضيات التطور ويتناقض مع سنن الحياة فى التعديل، والرأى عندى أن هذا الحظر الدستورى يعد جمودًا متطرفًا للدستور لأنه قد يؤدى إلى الثورة للخروج من هذا الحظر الأبدى، ومن هنا يبدو الشطط والتطرف فى هذا الجمود.

سادسًا: إرادة الأمة تعلو فوق كل إرادة واللجنة التأسيسية ليس لها الحق فى مصادرة إرادتها بأجيالها المتعاقبة:

وإن حظر تعديل إعادة انتخاب رئيس الجمهورية الواردة فى الفقرة الأخيرة من المادة 226 من الدستور المرتبطة بالمادة 140 عن مدد الرئاسة، يتنافى مع مبدأ سيادة الأمة، لأن هذا الحظر يتضمن حرمان الأمة من ممارسة أهم عناصر سيادتها بالافتئات على حقها فى إدخال ما تراه من تعديلات دستورية، فمثل هذا النص يعتبر لدى كثير من فقهاء علم القانون الدستورى باطلاً، لا يحظى بأية قيمة قانونية، إذ من حق الأمة المصرية إجراء ما تراه من التعديلات فى الدستور، ولا يوهن فى سلامة هذا النظر القول بأن هذا الحظر وقد وضعته اللجنة التأسيسية المعبرة عن إرادة الأمة بصفة مؤبدة ومطلقة، ذلك أن تعبير السلطة التأسيسية عن إرادة الأمة كان فى وقت زمنى محدد يتمثل فى زمن وضعه، وليس لها الحق فى مصادرة إرادة الأمة فى المستقبل بأجيالها المتعاقبة، فاللجنة التأسيسية التى وضعت الدستور ليس لها الحق فى الادعاء بأنها أكثر سمواً من اللجنة التأسيسية اللاحقة لها، فكل جيل ليس له الحق فى التعدى على حق الأجيال المقبلة فى التعديل والتبديل . فإرادة الأمة تعلو فوق كل إرادة .

وأكد أن اللجنة التأسيسية التى وضعت الدستور فى وقت معين ليست أعلى من إرادة الأمة فى وقت لاحق، ومن هنا ليس للسلطة الأولى أن تقيد الثانية، وللأمة إدخال ما تشاء من التعديلات على الدستور وفى أى وقت تشاء دون أن يمنعها من ذلك قيد من القيود طالما استند إلى رأى الشعب، ومما يدعم قولنا فى انعدام القيمة القانونية للنصوص التى تحظر التعديل الجزئى للدستور ما قاله الفيلسوف الفرنسى جان جاك روسو، الذى ذهب إلى أن "ما يتنافى وطبيعة الأشياء أن تفرض الأمة على نفسها قوانين لا تستطيع أن تعدلها أو تلغيها، ولكن ما لا يتنافى وطبيعة الأشياء أن تلتزم الأمة بالشكليات الرسمية لإجراءات التعديل ذاته".

سابعًا: الفقه الفرنسى يجرد النصوص التى تحظر التعديل الجزئى للدستور من كل قيمة قانونية :

وإن تجريد النصوص التى تحظر التعديل الجزئى للدستور من كل قيمة قانونية ليس بدعًا من القول، وإنما يستند إلى وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789، والتى نصت على أن أى شعب له الحق فى أن يراجع ويعدل دستوره، وأن أى جيل لا يستطيع أن يُخضع الأجيال المستقبلية لقوانينه، كما نادى به كذلك الفقيه الفرنسى جوليان لافاريير Laferriere Julien فى مؤلفه عن Manuel de Droit Constitutionnel  طبعة باريس 1947 الذى ذهب إلى بطلان النصوص التى تحظر تعديل الدساتير بصفة جزئية وجردها من كل قيمة قانونية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حينما قال إن مثل تلك النصوص التى تحظر تعديل بعض مواد من الدستور هى تدابير تعبر عن مجرد رغبات بسيطة للتعبير السياسى، فهى لا تتمتع مطلقاً بأية قيمة قانونية وليس لها صفة الإلزام القانونى .

ويضيف الدكتور محمد خفاجى أن الفقيه الفرنسى Bernard Chantebout الذى تأثر به بعض من الفقهاء المصريين، ذهب إلى أن النصوص التى تحظر تعديل بعض النصوص الدستورية هى نصوص على الرغم من تمتعها بالقوة القانونية الملزمة إلا أنه يجوز تعديلها فى أى وقت، والرأى عندى أن هذا الرأى فيه قدر من التناقض، إذ كيف يكون النص الدستورى بحظر التعديل ملزمًا ويكون فى ذات الوقت من حق الأمة تعديله؟ وبمعنى آخر كيف يصف حظر التعديل بالمشروعية، ثم يجيز الخروج على هذه المشروعية بالتعديل الفعلى؟

ويقول جانب آخر من الفقهاء متأثرًا برأى الفقيه Buedeau أن النصوص التى تحظر التعديل الجزئى مشروعة وتتمتع بالقوة الملزمة، ولكن الرأى عندى أن النصوص التى تحظر تعديل الدستور سواء كان الحظر كليًا لكل النصوص – وهو المجمع عليه ببطلانه - أو جزئيًا لبعض النصوص – وهو المختلف على صحته أو بطلانه - فإن الفارق بينهما يكمن درجة الحظر، لكن يجمعهما الحظر الأبدى الذى يكون بمثابة الحجر على إرادة الأمة فى تعديل دستورها، ومصادرة صريحة وأبدية لإرادة الأجيال المقبلة .

ثامنًا: التجارب الدستورية الدولية أثبتت أن النصوص التى تحظر التعديل الجزئى للدساتير لا تصمد أمام المتغيرات الدستورية التى تستلزمها الدولة فى مصالحها العليا :

ورأى نائب رئيس مجلس الدولة، أن التجارب الدستورية فى فرنسا ومصر أثبتت أن النصوص التى تحظر التعديل الجزئى لبعض أحكام الدستور لا تتمتع بأية قيمة مؤثرة على مسرح الحياة السياسية، بل وغير قادرة على الصمود أمام المتغيرات الدستورية التى تستلزمها الدولة فى مصالحها العليا، ففى فرنسا نجد أن الدستور الفرنسى الصادر عام 1791 تضمن حظر تعديل الدستور فى جميع مواده وهو ما يسمى الحظر الكلى لمدة أربع سنوات، ومع ذلك تم تغييره بعد مرور سنتين فقط بصدور الدستورى الفرنسى عام 1793، وفى مصر فإن الدستور المصرى عام 1930 نص على حظر المساس به خلال عشر سنوات، ومع ذلك فقد تمت الإطاحة بهذا الدستور بعد مرور أربعة أعوام فقط، وقام نسيم باشا بتقديم اقتراح للملك فؤاد إما بعودة دستور 1923 وإما بدعوة جمعية وطنية لإعداد دستور جديد، إلا أن الملك فؤاد أصدر الأمر الملكى رقم 67 فى نوفمبر 1934 بإبطال العمل بدستور 1930، أعقبه إصداره لأمر ملكى أخر فى 12 ديسمبر 1935 بعودة دستور 1923، وهكذا نرى أن التطبيقات والتجارب الدستورية فى فرنسا ومصر تنطق بأن النصوص التى تحظر بعض مواد الدستور هى نصوص تتصف بالجمود ومن ثم تفقد قيمتها، وأثرها من الناحيتين العملية والسياسية .

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة