تتواصل حلقات مشروع تفنيد الفكر المتطرف وتفكيكه والتى تنفرد «اليوم السابع» بنشرها، فى تقديم كل ما هو مؤصل علميًا وفقهيًا فى الرد على شبهات الجماعات الإرهابية.
مشروع تفنيد الفكر المتطرف الذى أعدته المنظمة العالمية لخريجى الأزهر الشريف، يهدف إلى تأصيل علمى دقيق للرد على الأفكار الدينية المغلوطة التى يستعملها أصحاب الفكر المتطرف فى استقطاب الشباب والفتيات، واكتساب تعاطفهم مع أفكارهم وأعمالهم الإجرامية فى حق الدين وحق الإنسانية، وهو المشروع الذى قام بإصدار أحد عشر كتابًا مطبوعًا للرد على كتب المتطرفين، احتوت على ما يقرب من ثلاثين قضية ومسألة دينية، وذلك تحت إشراف الدكتور محمد عبد الفضيل القوصى، عضو هيئة كبار العلماء، وأسامة ياسين، رئيس مجلس إدارة المشروع ونائب رئيس المنظمة العالمية لخريجى الأزهر، ومدير عام المشروع الدكتور حمد الله الصفتى.
بالأمس تناولنا الرد على مفهوم «الجاهلية» عند جماعات التطرف، ونستعرض، اليوم، أهم ما حواه كتاب «مفهوم المواطنة»، والذى أعده الدكتور عبد الفتاح العوارى، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر القاهرة، والذى يوضح بداية أن المواطنة تعنى حب الإنسان لوطنه ودفاعه عنه، كما تعنى مفاعلة بين الإنسان المواطن، وبين الوطن الذى يعيش فيه، وينتمى إليه، وهى تقتضى أن يكون انتماء المواطن وولاؤه وحبه لوطنه الذى ينتمى إليه، ويدافع عنه.
وحبُّ الإنسان لوطنه هو حبٌّ غريزى يُولد مع الإنسان ذى الفطرة السليمة، وقيل فى مأثور الحكم: «حب الأوطان من الإيمان»، وقيل: «إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل فانظر حنينه إلى وطنه»، فيما جاءت الشرائع السماوية؛ لتؤكد هذا المعنى النبيل للمواطنة، وتحث على حب الأوطان، والتمسك بها، والدفاع عنها، بل وأوجبت الجهاد الدفاعى عن الوطن، واعتبرت مَنْ يقتل فى سبيل الذود عن وطنه، وبلده شهيدًا.
وأكد القرآن الكريم على حب الإنسان لوطنه، مبيِّنًا أنَّ الإخراج من الديار معادل، ومساوٍ للقتل الذى يخرج الإنسان من عداد الأحياء، فقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾[النساء:66].
ومن المواثيق التى أخذها اللَّه على بنى إسرائيل، ما يؤكد هذا المعنى، وهو أن الإخراج من الديار، والحرمان من الوطن، هو معادل لسفك الدماء، والإخراج من الحياة، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾[البقرة:84-85].
وعلمنا رسولنا الكريم ﷺ حب الإنسان لوطنه عند هجرته إلى يثرب التى أضاءت، وأشرقت بمقدمه، معلنًا محبته لمكة المكرمة؛ و عن عبد الله بن عَدِىِّ بن حَمْرَاءَ رضى الله عنه، قال: رأيت رسول الله ﷺ وَاقِفًا علَى الحَزْوَرَةِ، فقال: «والله إنك لَخَيْرُ أرضِ الله، وَأَحَبُّ أَرْضِ الله إلى الله، ولَوْلَا أَنِّى أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ»، وعن عبد الله بن عباس، رضى الله عنهما، قال: قال رسول الله ﷺ لِمَكَّةَ: «ما أطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وأحَبَّكِ إلَىَّ، ولولا أن قومِى أخرجونِى منك ما سَكَنْتُ غَيْرَكِ» «20».
وهذه العلاقة بين الإنسان، ووطنه المتمثلة فى انتمائه إليه، وحبه له، ودفاعه شعورٌ وُجد فى كل العصور، وبَيْن كل الشعوب، ففى ثقافات الشعوب، والمجتمعات وآدابها مساحة واسعة، عبرت من خلالها تلك الشعوب، والمجتمعات عن حبها، وعشقها لبلدانها، وأوطانها، وعن تعلقهم بالأرض التِى نشأوا وتربوا فيها، وكثير من الأعمال الأدبية البارزة تمجد إخلاص الناس لبلادهم، واستعدادهم للموت دفاعًا عن حريتها وكرامتها، وقد ساعدت الأناشيد، والشعارات الوطنية علَى توحيد المواطنين فِى الدفاع عن بلادهم فِى أوقات الحروب، وتعمل الشعوب دائمًا على تعميق روح الوطنية بتقدير الذكريات، والآمال، والتقاليد، وتعليم الطلاب حب بلادهم، وتقدير أبطالها، ورموزها الوطنية، مثل: عَلَم الوطن، والمزارات القومية، والنصب التذكارية «16».
هذا النزوع كان موجودًا لدَى العرب منذ القدم، وبرز فِى شعرهم تغنيًا بالأوطان، وحنينًا إليها، وقد تفاخر العرب فيما بينهم بأوطانهم، ومن ذلك:
قال ابن الرُّومِى ت: 283هـ، منبهًا على سبب حـــب الناس الأوطان:
وحُبَّبَ أوطانَ الرجالِ إليهمُ مآربُ قَضّاها الشبابُ هنالكا
إذا ذكروا أوطانَهُم ذكَّرْتُهُم عُهودَ الصبا فيها فحنُّوا لذلكا
وقد كانت العرب إذا سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه، وتطرحه فِى الماء إذا شربته «18».
مساواة
يشير الدكتور العوارى فى كتابه إلى أن المواطنة تنطبق على جميع المواطنين الذين يعيشون فى وطن واحد دون تفاوت بينهم، وتستدعى المساواة بينهم فى الحقوق المنبثقة من الانتماء الوطنى باعتبارها مصدرًا لها تندمج فيها الحقوق الإنسانية، وتقع موردًا لتطبيق تلك الآيات التى أقرت عدم التفاوت بين فردٍ وآخر داخل الشعب الواحد والوطن الواحد.
ويلفت إلى أن رسول الله ﷺ ضرب مثلًا للشراكة الكاملة، والعقد القائم بين أفراد الشعب الواحد، بجماعةٍ واحدةٍ على سفينة واحدةٍ ذات طابقين، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقال بعضهم: «لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِى نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا»، وقد عقب رسول الله ﷺ على ذلك بقوله: «فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا».
وبعد وصوله ﷺ إلى المدينة، وضع دستورًا يُحدِّدُ فيه علاقة المسلمين بعضهم ببعض، وعلاقة المسلمين بغير المسلمين، وعُرف هذا الدستور بوثيقة المدينة حتى بلغَتْ آفاقُ المساواةِ فى حقوقِ المواطَنةِ إلى الحدِّ الَّذى نصَّ فيه عهدُ رسولِ اللَّهﷺ إلى النصارى على مُساعَدةِ الدولةِ الإسلاميَّةِ لهم عند الحاجَةِ فى بِناء دُورِ عِبادتِهم وترمِيمها، فجاء فى هذا العَهْدِ والميثاقِ النبوىِّ: «ولَهُم إنْ احتاجوا إلى مَرَمَّةِ بِيَعِهم وصوامِعِهم، أو شىءٍ مِن مَصالِح أمورِهم ودينِهم، إلى رِفْدٍ «أىْ دعمٍ وإعانةٍ» مِن المسلمين، وتقويةٍ لهم على مَرَمَّتِها؛ أَنْ يُرفَدوا على ذلك ويُعاوَنوا، ولا يكونُ ذلك دَينًا عليهم، بل تقويةً لهم على مَصلَحةِ دينهم، ووفاءً بعهد رسول اللَّه لهم، ومِنَّةً للَّه ورسوله عليهم».
وحتى فى المسائلِ الماليةِ والاقتصاديةِ مثلِ الخَرَاجِ والضرائبِ؛ نصَّ عهدُ رسول اللَّه للنصارى على أنه: «لا يُجارُ عليهم، ولا يُحمَّلون إلَّا قَدْرَ طاقتِهم وقوَّتهم على عَمَل الأرض وعِمارتها وإقبالِ ثمرتها، ولا يُكلَّفون شَطَطًا، ولا يُتجاوَزُ بهم أصحابَ الخَرَاج من نُظرائهم».
وكلُّ حقوقِ المساواةِ فى المواطَنةِ، الَّتى قرَّرها الإسلامُ لغَيْر المسلمين فى الدولةِ الإسلاميَّةِ «لهم ما لِلمسلمين، وعليهم ما على المسلمين»، وحمايةُ الأنفُسِ، والدماءِ، والأموالِ، والأَعراضِ، وأماكنِ العبادةِ، والحرِّياتِ، هى فى مُقابِل الوَلاءِ الكاملِ للوطنِ، والانتماءِ الخالِصِ للمجتمَعِ والدولةِ والأُمَّةِ، وهى واجباتٌ على كلِّ المواطنين، المسلمين منهم، وغير المسلمين، وفى تقرير هذه الواجباتِ جاء فى عَهْدُ رسولِ اللَّه ﷺ: «واشترط عليهم أمورًا يجب عليهم فى دينِهم التمسُّكُ والوفاءُ بما عاهَدَهم عليه، منها: ألا يكونَ أحدٌ منهم عَيْنًا لأحدٍ مِن أهلِ الحربِ على أحدٍ من المسلمين فى سِرِّه وعلانيتِه، ولا يأوى منازلَهم عدوٌّ للمسلمين، ولا يُساعِدوا أحدًا مِن أهلِ الحربِ على المسلمين بسلاحٍ ولا خَيلٍ ولا رجالٍ ولا غيرهم، ولا يُصانِعُوهم، وأَنْ يَكتُموا على المسلمين، ولا يُظهِروا العدوَّ على عَوْراتهم».
كذلك نصَّ عهدُ رسولِ اللَّه ﷺ للنصارى على الحرِّية الدينية؛ فجاء فيه: «ولا يُجبَر أحدٌ ممن كان على ملَّةِ النصرانيةِ كُرْهًا على الإسلامِ ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـهُنَا وَإِلَـهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت:46] ويُخفَضُ لهم جَناحُ الرحمةِ، ويُكفُّ عنهم أذى المكروهِ حيثُ كانوا، وأينَ كانوا مِن البلاد».
ويلفت الدكتور عبد الفتاح العوارى إلى أن هذه المساواةَ الكاملةَ فى حقوقِ المواطَنة وواجباتِها بأن يكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وعلى المسلمين ما عليهم، حتى يكونوا لِلمسلمين شُركاءَ فيما لهم وفيما عليهم «لم تقف بها الدولةُ الإسلاميَّةُ عند أهلِ الكتاب اليهودِ والنصارى، وإنما شَمَلَت حتى المُتديِّنِين بالدياناتِ الوضعيَّةِ من المجوسِ وغيرِهم».
ويتابع أنه إذا كانت المواطَنةُ وحقوقُها قد عَرَفها الغربُ على أنقاض الدِّينِ، بعد انتصارِ العلمانيةِ على الكَنيسةِ الغربيةِ، وجاءت لذلك مُواطَنةً عَلمانيةً؛ فإنّ الإسلامَ هو الَّذى أنشأ المواطَنةَ، وشريعتَه هى الَّتى قرَّرَت حقوقَها، وضَمِنَت حمايةَ هذه الحقوقِ، حتى لا تكونَ «مِنحةً» يسمَحُ بها حاكمٌ، ويمنعُها آخَرُ».
أُسس المواطنة:
للمواطنة الحقة أُسس لا بُدَّ من تحققها من أجل أن تؤتى ثمارها المرجوة، ومن هذه الأُسس:
*التمسك بأخلاق الإسلام، والابتعاد عن مساوئِها، ورعاية حقوق الإنسان وأدائها ، بدءًا من حق الوالدين والأرحام، وانتهاءً بحقوق الجيران والأصحاب، والاستخدام الأمثل للحقوق والمرافق العامة، والسَّعىُ الجاد من كل مواطن لتأمين الآخرين على أموالهم وأنفسهم.
*الوفاء بالعهد واحترام المواثيق: وهو أمرٌ حثَّ عليه القرآن، وأبان أنَّه مقدمٌ على النصرة فى الدين، قال الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِى الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الأنفال: 72].
* العدل بين المواطنين هو أساس الأسس والركن الركين، فبديهى أنَّ أساس جميع القواعد فى المعاملات مع الناس كافة هو العدل، فلا تنازل عنه مهما كانت الحالة من بغضٍ وشنآنٍ للآخر، قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة : 2].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة : 8].
* ومن أُسس المواطنة أيضًا، حبك للوطن الذى أنت فيه، وللقوم الذين أنت منهم، لا شك أنَّ حب الله ورسوله والولاء لهما من أعظم مقتضيات الإيمان، لكنَّ هذا لا يعنى لزومًا نفى الحب عن غيرهما، فها هو رسول الله حينما خرج من مكة مهاجرًا بعد أن أصبحت مكة بيئة تأبى الإسلام وتضهد أهله نظر إليها رسول الله مودعًا والحنين إليها يملك عليه أقطار نفسه: «أَمَا وَاللَّهِ، لَأَخْرُجُ مِنْكِ، وَإِنِّى لَأَعْلَمُ أَنَّكِ أَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ إِلَىَّ وَأَكْرَمُهُ عَلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِى مَا خَرَجْتُ».
ولمَّا أُصيب أصحاب النبى، «صلى الله عليه وسلم»، بالمدينة المنورة بالحمى الشديدة كان بلالٌ– رضى الله عنه - يرفع صوته وينشد قائلًا:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ***** بِوَادٍ وَحَوْلِى إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ **** وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِى شَامَةٌ وَطَفِيلُ.
وفى هذين البيتين يجول بلالٌ، رضى الله عنه، بخاطره فى ذكريات مكة وطنه الذى شبَّ وترعرع فيه، والبيتان يصوران ما يحمل بلال فى قلبه من عواطف الحب لوطنه، رغم أنَّه ترك هذا الوطن لله ورسوله.
متطلبات المواطنة الصالحة
يشير الدكتور عبد الفتاح العوارى فى كتابه عن «مفهوم المواطنة» إلى أن للمواطنة الصالحة متطلبات، فى مقدمتها تعريف المواطن بأهمية موقع وطنه ومكانته وإمكاناته وتاريخه، والشخصية المميزة له، وسياسته الخارجية التِى تحظَى باحترام المجتمع الدولِى، وخصائص المجتمع الذِى يعيش فيه ومميزاته، ومنها: الاعتدال والتوازن والوسطية والتراحم والتواد والتعاون على البر والتقوى؛ ليكون محل افتخاره واعتزازه.
من المتطلبات أيضًا، غرس حب الوطن فِى نفوس المواطنين وتنميته ليزدادوا اعتزازًا به، وحرصًا على رفعة شأنه، وتحمسًا للدفاع عن كرامته وترابه، مع تنمية الاعتزاز بالانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية والاقتناع بأهمية الارتباط بالعالم الخارجِى، إلى جانب ترسيخ القيم الإسلامية والاجتماعية الحميدة لدَى المواطنين، كالتعاون والصدق والأمانة والصبر.
ومن المتطلبات أيضًا بيان مفهوم الوطنية من منظور إسلامِى، وبيان معنِى الكرامة الوطنية، وما تفرضه على المواطن، وتعريف المواطن بحقوقه وواجباته فِى ظل تعاليم الإسلام، وكذلك حث المواطنين على العمل على سد نوافذ البغضاء والخصومة والفرقة بين أفراد المجتمع، فضلًا عن تحذير المواطن من بعض المفاهيم الخاطئة التِى شاعت وانتشرت فِى بعض المجتمعات الإسلامية، والتى تستخدم فِى معاداة الإسلام، وتدريبه على التمييز بين الحقائق والإشاعات، والتحقق من صحة المعلومات، وأخيرًا تعريف المواطن بوظيفة الأجهزة الحكومية، وما يجب عليه نحو دعم هذه الأجهزة ومساعدتها، وتبصيره بما قامت وتقوم به الدولة من واجبات فِى مختلف المجالات لرفع شأن الوطن والمواطن.