اتسع نطاق الثورة يوم 21 مارس «مثل هذا اليوم 1800» ضد الاحتلال الفرنسى الذى جاء إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1798، بدأت الثورة فى القاهرة يوم 20 مارس 1800، وكانت الثانية، أما الأولى فكانت فى 20 أكتوبر 1798.
لاقت دعوات الثورة تجاوبا كبيرا، وفقا لعبدالرحمن الرافعى فى الجزء الثانى من «تاريخ الحركة القومية».. واشتعلت فى بولاق، وفقًا لعبدالرحمن الجبرتى فى الجزء الخامس من مؤلفه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»، مضيفا: «حملوا ما وصلت إليهم من السيوف والبنادق والرماح والعصى، واتجهوا صوب قلعة قنطرة الليمون لاقتحامها، فرد الفرنسيون بنيران المدافع والبنادق، مما أوقع ثلاثمائة من الثوار، فأثار ذلك ثائرة الأهالى فى باقى القاهرة، وعمت الثورة أنحاء المدينة، واتجه نحو عشرة آلاف إلى معسكر القيادة العامة للجيش الفرنسى ومقره فى الأزبكية، ثم تزايدت الأعداد إلى نحو 50 ألفا امتلأت بهم الشوارع والميادين والأسطح، وحملوا البنادق والأسلحة والعصى، واندفع الجميع تتقدمهم طائفة من المماليك والانكشارية، وانضم إليهم النساء والأطفال، فكان لهم نداءات وصيحات تصم الآذان، وهبت عاصفة الثورة على أحياء العاصمة كلها.. وتحزم الحاج مصطفى البشتيلى وأمثاله من دعاة الثورة، وهيجوا العامة وهيئوا عصيهم وأسلحتهم»..يؤكد الرافعى أن «البشتيلى» كان من أعيان بولاق، وسمى نسبة إلى «بشتيل» بمحافظة الجيزة، واعتقله الفرنسيون قبل الثورة بعدة أشهر، بعد أن أبلغهم وشاة أن فى وكالته قدورا مملوءة بالبارود، ففتشوا الوكالة ووجدوا فيها بالفعل «القدور» المملوءة بالبارود، ثم أفرجوا عنه.
يشير الرافعى إلى أن هذه الثورة شوهتها أحداث الاعتداء على المسيحيين فى المدينة، ويتهم المماليك والأتراك، مؤكدا أنه بالرغم من أن زعامتها اشترك فيها مصريون هم، عمر مكرم «نقيب الأشراف»، وأحمد المحروقى «كبير التجار»، والشيخ الجوهرى، إلا أن قيادتها العليا كانت للترك والمماليك مثل ناصف باشا ونصوح باشا وإبراهيم بك.. وبشهادة المراجع الفرنسية كانوا هم الآمرين بالاعتداء على المسيحيين، والعامة، فالقومسير «ميو» وهو شاهد عيان، يقول فى مذكراته، إن كتائب الجنود العثمانية بقيادة ناصف باشا هى التى ارتكبت حوادث الاعتداء على المسيحيين.
يشرح «الجبرتى» تفاصيل ذلك، قائلا، إن أمراء المماليك صحبتهم مماليكهم وأتباعهم ودخلوا من باب النصر وباب الفتوح، ومروا على الجمالية، ووصلوا إلى وكالة ذى الفقار، فقال نصوح باشا للعامة: «اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم»، فعندما سمعوا منه ذلك، صاحوا وهاجوا، ورفعوا أصواتهم، ومروا مسرعين يقتلون من يصادفونه من نصارى القبط والشوام وغيرهم، فذهبت طائفة إلى حارات النصارى وبيوتهم بناحية بين الصورين، وباب الشعرية، وجهة الموسكى، وصاروا يكبسون الدور ويقتلون من يصادفونه من الرجال والنساء والصبيان، وينهبون ويأسرون حتى اتصل ذلك بالمسلمين المجاورين لهم، فتحزبت النصارى واحترسوا وجمع كل منهم ما قدر عليه من العسكر الفرنساوية والأروام، وكانوا قبل ذلك محترسين وعندهم الأسلحة والبارود، لظنهم وقوع هذا الأمر، فوقعت الحرب بين الفريقين، وصارت النصارى تقاتل وترمى بالبنادق والقرابين من طبقات الدور على المجتمعين بالأزقة من العامة والعسكر، ويحامون على أنفسهم، والآخرون يرمون من أسفل، ويكبسون الدور.
يضيف الجبرتى: «استمرت الحرب إلى آخر النهار، ثم هدأت، وسهر الجميع يعد العدة لليوم التالى «21 مارس 1800».. فى هذا اليوم وضع أهل مصر والعسكر متاريس بالأطراف كلها وبجهة الأزبكية، وشرعوا فى بناء بعض جهات السور، واجتهدوا فى تحصين البلد بقدر الطاقة، وبات الناس فى هذه الليلة خلف المتاريس.. ولما حل الظلام، أطلق الفرنسيون المدافع وخصوصا على الجمالية، لأن معظم الثوار مجتمعين بها، ونتيجة لذلك أجمع رأى الكبراء والرؤساء على الخروج من البلد فى تلك الليلة لعجزهم عن المقاومة، وغصت الجمالية وما والاها بازدحام الناس الذين يريدون الخروج، وركب بعضهم بعضا، وازدحمت تلك النواحى بالحمير والبغال والخيول والهجن والجمال المحملة بالأثقال، ووقع للناس فى هذه الليلة من الكرب والمشقة والانزعاج والخوف ما لا يوصف».
غضب «ثوار خان الخليلى» مما سمعوه عن «الخروج من الجمالية»، فجاءوا إليها وفقا للجبرتى، مؤكدا: «عمدوا إلى خيول الأمراء فحبسوها فى بيت القاضى والوكائل وأغلقوا باب النصر، وبات معظم الناس على مصاطب الحوانيت، وبعض الأعيان فى بيوت أصحابهم وفى أزقة الحارات أيضا».. وتهيأ كبار العسكر والعساكر ومعظم أهل مصر ماعدا الضعيف الذى لا قوة له للحرب، وذهب المعظم إلى جهة الأزبكية، وسكن الكثير فى البيوت الخالية، والبعض خلف المتاريس، وأخذوا عدة مدافع وجدت مدفونة فى بيوت الأمراء، وأحضروا من حوانيت العطارين من المثقلات التى توزن بها البضائع من حديد وأحجار ليستعملوها، وصاروا يضربون بها بيت سارى عسكر الأزبكية، واستمر عثمان كتخدا بوكالة ذى الفقار بالجمالية، وكان كل من قبض على نصرانى أو يهودى أو فرنساوى أخذه وذهب به إلى الجمالية لعثمان كتخدا، ويأخذ البقشيش، فيحبس البعض حتى يظهر أمره، ويقتل البعض ظلما، وربما قتل العامة من قتلوه وأتوا برأسه لأجل البقشيش، وكذلك من قطع رأسا من رؤوس الفرنساوية يذهب بها إما لنصوح باشا بالأزبكية، وإما لعثمان كتخدا، ويأخذ فى مقابل ذلك الدراهم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة