الفترة المملوكية التى امتدت طويلا فى الزمن ومرت خلاله الكثير من الأحداث الجسام، وتحديدا الصراع مع الفرنجة والغزو المغولى والمطامع الأوروبية والعثمانية، شهدت العديد من الأحداث الهامة، والصراعات التى كانت لها تأثيرعلى العالم الإسلامى، هذا هو ما يحاول كتاب "المجتمع الشامى فى العصر المملوكي" للمؤرخ الأردنى د.عودة رافع، توضيحه من خلال دراسة تتناول الفترة من (648-923هـ/1250- 1517م).
والكتاب الصادر الآن عن "ناشرون وموزعون"، يمثل أهمية قراءة تلك الفترة أنها جاءت بعد وفاة صلاح الدين الأيوبى وتفسخ دولته وانقسامها بين أبنائه وإخوته وأبناء عمومته الأمر الذى أدى إلى عدد من المشاحنات والنزاعات والحروب الداخلية التى انعكست على استقرار المنطقة وتردّى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعامة.
يشتمل الكتاب الصادر بدعم وزارة الثقافة الأردنية على مقدمة تعاين الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل العصر المملوكي، وأربعة فصول تتناول المماليك الأتراك (البحرية) والشراكسة، وعلماء بلاد الشام، الصوفية فى بلاد الشام، والحرافيش والزعر فى بلاد الشام فى ذلك العصر، كما يحتوى الكتاب الذى يقع فى 415 صفحة من القطع الكبير على خاتمة تلخص أهم نتائج الدراسة التى أجملها الكاتب فى دور المماليك فى التصدى للمغول والفرنجة، ومحافظتهم على علاقة طيبة مع العامة ولكنهم تمتعوا بامتيازات وصلت حد البذخ.
يحتوى الفصل الأول على قراءة فى أصول المماليك، ووصولهم للحكم ونفوذهم السياسى والاقتصادى وعلاقتهم مع العامة، أما الفصل الثانى فيعاين أحوال العلماء ومكانتهم الاجتماعية فى المجتمع الشامي، وحالتهم الاقتصادية، ولباسهم وزيهم، وعلاقة العلماء بالسلطة الإيجابى منها والسلبي، وعلاقة العلماء بالعامة من الشعب.
ويلقى الفصل الثالث الضوء على الحركات الصوفية لجهة الجذور والنشأة، موضحا ذلك من خلال المفهوم، لافتا إلى بدايات الحركة الصوفية فى المجتمع الشامي، وأحوال الطرق الصوفية مبينا طرائقهم فى الربط والخوانق والزوايا، والوقف على الصوفية وعلاقة الحركات الصوفية مع السلطة والعامة.
الفصل الرابع يتناول التنظيمات الشعبية فى بلاد الشام، ومنها الفتوة والحرافيش والزعر متناول معانيها ودلالاتها وأصولها وأحوالهم وأماكن تواجدهم وعوامل ظهور مثل هذه الحركات وتأثيرها على الأحداث وعلاقتهم بالسلطة المملوكية من جهة، وعلاقتهم بالمجتمع الشامى من جهة أخرى.
ويرى المؤلف بأن العلماء حظا فى تلك الفترة بالاحترام والتقدير من السلطة المملوكية، ولكن تلك العلاقة ظلت متذبذبة بين الرضا والسخط، وانحاز العلماء للعامة فى كثير من المواقف، وأدت الحركات الصوفية دورا اجتماعيا وتعليميا، بينما لعبت الجماعات الشعبية، ومنها الحرافيش والزعر دورا فى نشر الفوضى.
وتكمن أهمية الكتاب فى ما يلقى من ضوء على تلك الفترة المملوكية التى امتدت طويلا فى الزمن ومرت خلاله الكثير من الأحداث الجسام، وتحديدا الصراع مع الفرنجة والغزو المغولى والمطامع الأوروبية والعثمانية، كما يسعى الكتاب بحسب المؤلف إلى توضيح العلاقة بين القوى الفاعلة فى المجتمع الشامي، وهي: المماليك والشراكسة والعلماء والمتصوفة.
ويقدم الكتاب صورة عن الواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى وضمنه الثقافى الذى كان يعيشه أبناء منطقة الشام فى تلك الفترة، وتساعدنا القراءة العلمية على فهم وتصحيح فهمنا للتاريخ السياسى وبواعثه العميقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة