- الشهادة فى سبيل الله هى بذل الروح لحماية إحدى الكليات الخمس التى لا تستقيم الحياة بدونها وهى النفس والعقل والدين والعرض والمال
أفكار متطرفة وجماعات متشددة، تلصق نفسها باسم الإسلام والإسلام منها برىء، وتشوه بممارساتها صورته، ما أظهر الحاجة لدى المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف لضرورة الرد على تلك الحجج التى يسوقها أرباب الفكر المتطرف، ويلصقونها بالدين، بينما يحاول علماء الدين فى شتى بقاع الأرض رفع تلك التهمة عن الدين الحنيف، وفى هذا الإطار حاولت المنظمة العالمية لخريجى الأزهر أن تلعب دورها، خاصة وهى التى تمتلك مركزا متخصصا لتفنيد الفكر المتطرف، فعملت على إصدار سلسلة كتيبات بعنوان «سلسلة تفنيد الفكر المتطرف» مخصصة للرد على حجج الجماعات الإرهابية الواهية، الحجة بالحجة والدليل بالدليل والبرهان بالبرهان.
السلسلة التى تصدى لتقديمها الشيخ الدكتور محمد عبد الفضيل القوصى، عضو هيئة كبار العلماء، وكتب فيها أئمة الجامع الأزهر وعلماء جامعته الكبيرة، أصدرت حتى اليوم 11 كتيباً، كل كتيب منها يختص بمعالجة قضية فقهية محددة من بينها مفهوم المواطنة الذى ألفه الشيخ الدكتور عبد الفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين، وآخر بعنوان موقف الإسلام من استخدام الدروع البشرية، وثالث يحدد موقف الإسلام من العمليات الانتحارية، ورابع يضرب أمثالا من حالات الغلو فى العهد النبوى، وكيف تمت معالجتها، وخامس يشرح مفهوم الحاكمية فى الإسلام، وسادس عن الجهاد فى الإسلام وضوابطه، وسابع لقضية الولاء والبراء ومفهومها ونشأتها، وثامن لمفهوم الخلافة، وتاسع لمفهوم الجاهلية، وهكذا ليصبح بين يدى القارئ سلسلة كاملة متخصصة للرد على تلك المزاعم التى ألصقتها جماعة العنف الدينى بالإسلام.
تنوعت مساهمات المنظمة العالمية لخريجى الأزهر الشريف فى إطار مشروعها التنويرى للرد على أفكار ودعاوى المتطرفين، وامتدت إلى مختلف القضايا التى حاول المتطرفون إثارة الخلافات حولها، وبينها قضايا الحاكمية والجهاد والولاء والبراء والخلافة، والجاهلية، لتضع بين يدى القارئ سلسلة كاملة متخصصة ضمت أحد عشر كتابا مطبوعا، للرد على المزاعم التى ألصقتها جماعة العنف الدينى بالإسلام، وذلك ضمن المشروع الذى يتم تحت إشراف الدكتور محمد عبدالفضيل القوصى، عضو هيئة كبار العلماء، وأسامة ياسين، رئيس مجلس إدارة المشروع ونائب رئيس المنظمة العالمية لخريجى الأزهر، ومدير عام المشروع الدكتور حمدالله الصفتى.
ومن بين تلك الإصدارات كتاب «موقف الإسلام من العمليات الانتحارية» للدكتور إبراهيم صلاح الهدهد، الأستاذ بجامعة الأزهر عضو مجمع البحوث الإسلامية، الذى يؤكد فى يدايته أن «ما تعانيه الأمة اليوم من ضيم أعدائها، إنما هو بسبب تصرفات خاطئة باسم الدين، تصدر عن بعض بنى جلدتنا، وممارسات بنيت على فهم نصوص دينية على غير فقه»، لافتا إلى أنه ظهر منذ أواخر القرن الماضى مصطلح العمليات الاستشهادية، والتفجيرية، وفكرة تخطيطه، وتنفيذه منقولة عن غير المسلمين من الحركات الشيوعية وغيرها، ومن مناهضات استعمار أوطانهم، لكن مع أنهم غير مسلمين إلا أنهم حتى هذه اللحظة يسمونها عمليات انتحارية.
وتابع أنه لما استنسخت الحركات الإسلامية هذه المصطلحات، سميت إعلاميا عمليات استشهادية، وتفجيرية، ثم سرت تلك العمليات إلى بعض البلدان العربية والإسلامية، مع السياح الأجانب، أو مع الوافدين للعمل من غير المسلمين، بل وضد غير المسلمين من المواطنين فى دولهم؛ بل استباحوا تفجير دور العبادة من المساجد وغيرها، وذلك كله بإيمان من يقومون بهذه العمليات بكفر من يفجرونهم من المسلمين، ومن غير المسلمين، فيكون الفهم المغلوط للوحى العظيم، سبيلا للتكفير، ومن ثم يكون طريقا للتفجير.
القوصى
ولفت إلى أن التفجيرات التى تمت، وأزهقت الأرواح فى الكويت، وتونس، وفرنسا، كلها وقعت فى رمضان، لأن عرّابى هذه الجماعات أوقعوا فى نفوس المفجرين أن ما يصنعونه غزوة، وأن غزوات النبى صلى الله عليه وسلم، كانت فى رمضان، وهو فساد فى الفكر وضلال فى الرأى، وقد شجع على ذلك، وحرّض عليه منظرو الجماعات الإسلامية، فأسندوا التسمية الإعلامية بالأدلة الشرعية، بل إنهم رفعوا درجتها إلى أعلى الدرجات، وصدرت عنهم دراسات سموها فقهية، لتعزيز ما ذهبوا إليه، مما جعل الشباب، وذويهم يتخذونها سبيلهم إلى الجنة، ويزف الشاب أهله ليلتها كأنهم يزفونه إلى عروسه، بحسبانها أعلى درجات الجهاد.
ودلل الدكتور الهدهد بقول الشيخ القرضاوى: «إن العمليات الاستشهادية تعد من أعظم أنواع الجهاد فى سبيل الله»، وقول نزار عبد القادر ريان القيادى فى حركة حماس: «هى من أسمى أنواع الجهاد فى العصر الحالى مادامت سُبل الجهاد قد ضاقت»، والدكتور يحيى إسماعيل: «هى من أعلى درجات الجهاد فى سبيل الله»، وقال أيضا: «والذين يحاولون التقليل من شأن العمليات الاستشهادية فى الأرض المحتلة مغالطون دجّالون، وعليهم مراجعة أنفسهم فالحلال بيّن والحرام بيّن»، وقول همام سعيد من قيادات الإخوان فى الأردن: «هذه العمليات معدودة بأعلى مراتب الجهاد والشهادة، والذين يقومون بها مأجورون إن شاء الله».
وأشار إلى منظرى الجماعات الإسلامية سموها نفس التسمية، وصدرت دراسات لهم فى هذا الموضوع تضمنت الأقوال السالفة وغيرها، فأصدر د. نواف هايل التكرورى كتابين، الأول: «العمليات الاستشهادية فى الميزان الفقهى»، وهو منشور على الشبكة العنكبوتية، والثانى: «فتاوى علماء الإسلام فى مسائل جهادية». وأصدر د. منير جمعة كتابا سماه: «العمليات الاستشهادية دراسة فقهية»، وكتب سلمان بن فهد العودة مقالا تحت عنوان: «العمليات الاستشهادية فى ميزان الشرع»، وأصدر د. محمد موسى الشريف، مقالا بعنوان: «جهاد الاستشهاديين الأطهار ومنزلته فى الفقه والآثار»، مبينا أنهم أوردوا أدلة على ما ذهبوا إليه، يعرو توجيهها العاطفة، والحمية، فوقع الشباب فى أسرها، وأريقت الدماء على إثرها، وسنورد هذه الأدلة، وننقضها دليلا دليلا.
وتناول «الهدهد» عددا من أدلة المخالفين والرد عليها وبينها:
استدلوا بحديث الغلام الذى رواه الإمام مسلم فى صحيحه لما حاول المشرك قتله عدة مرات مرة يلقى به من فوق الجبل، وأخرى يلقى به فى البحر وكلما فعل به ذلك نجا، فقال الغلام: أتريد أن تقتلنى؟ قال: نعم، وما فعلت هذا إلا لقتلك، قال: أجمع الناس كلهم، ثم خذ سهما من كنانتى واجعله فى القوس، ثم ارمنى به، وقل: باسم رب هذا الغلام، فجمع الناس ثم أخذ سهما من كنانته، وقال: باسم رب هذا الغلام، وأطلق القوس، فضربه فهلك فقال الناس: الربُّ ربُّ الغلام الرب رب الغلام، وأنكروا ربوبية الحاكم المشرك.
منظمة خريجى الأزهر
وقالوا استدلالا بما سبق: وقد جاء فى أخبار من قبلنا ما يدل على جواز التضحية بالنفس فى سبيل الله لمصلحة الدين، وعلق ابن تيمية على هذه القصة بقوله: إن الغلام أمر بقتل نفسه؛ لأجل مصلحة ظهور الدين، قالوا: ولهذا جوّز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم فى صف الكفار، وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان ذلك فى مصلحة المسلمين؛ بل ذكروا أن الاستشهادى الأول غلام سورة البروج.
والرد عليه: أن الغلام كان فى مواجهة كافر، وأنه تيقن أن قتل نفسه سيترتب عليه إيمان قومه وقد كان، أما العمليات الانتحارية فقد جرّت على الإسلام شرا مستطيرا داخل بلاد الإسلام وخارجها، وأدت إلى التنفير من الدخول فى الإسلام، ووسْمه بأنه دين الإرهاب الذى يفجر نفسه فى الكفار، فيقتل نفسه ومائة معه ماذا يحدث من جرّاء ذلك أيرتدعُ من يهاجمون الدين؟ أم يترتب على فعله ذاك دخول الناس فى الدين كما حدث مع الغلام، أم أنه يترتب على هذه العمليات قتل الألوف من المسلمين وسبى نسائهم، وتخريب أوطانهم، وما أحداث أفغانستان عنا ببعيد بعد تفجير برجى التجارة العالمية بأمريكا، ومن يومها يذوق المسلمون الويل فى بلاد أمريكا وأوروبا، ناهيك عن تشويه صورة الإسلام عند غير المسلمين، إذن كل ما يحدث من عمليات انتحارية لا أقول استشهادية هو ضد الإسلام، لا من أجل أن تكون كلمة الله هى العليا، أما الغلام فقد آمن على إثر قتله أمة، وفقه المآلات لابد أن يعتبر.
قيدوا المطلق فى قوله تعالى: «ولاتقتلوا أنفسكم» [النساء/29]، وقوله: «لاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة» [البقرة/195]، فقد استندوا إلى ما روى عن البراء أن رجلا قال له: يا أبا عمارة قوله تعالى: «ولا تلقوا...»، أهو الرجل يلقى العدو فيقاتل حتى يقتل؟ قال: لا، ولكنه الرجل يذنب الذنب فيقول: لايغفره الله لى.
والرد عليه: أنه لا وجه للاستدلال بالآية على ما يذهبون إليه، وليس قول الصحابى مقيدا لما أطلقته الآية، كما لا يمكن أن يكون المراد بالآية المجاهد فى سبيل تحت راية الإسلام بأمر ولى الأمر، ودليل ذلك أن ابن عباس أول التهلكة بالإمساك عن الصدقة مع القدرة عليها، فكلها من وجوه التهلكة، وما أجمل قول بن جرير الطبرى: «إن الله تعالى ذكره لم يرخّص لأحد فى قتل نفسه بحال».
استدلوا أيضا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَذن لعوف بن عفراء، ولعمير بن الحمام، وأنس بن النضر بالاقتحام على العدو فى غزوة بدر.
والرد على ذلك: أن ذلك كان تحت راية إسلامية بأمر ولى الأمر، فلا وجه للقياس.
استدلوا أيضا على جواز قتل الكافر المحارب بما ثبت فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم، أمر بقتل كعب بن الأشرف؛ لأنه كان يهجو النبى ﷺ بشعره، وتغزّل فى نساء المسلمين، وأعان مشركى مكة فقد ارتكب بذلك الخيانة العظمى.
والرد على هذا: أنه كان بأمر ولى الأمر ﷺـ وهو رأس السلطة، ولم يكن تبرعا من الصحابة.
كما استدلوا على جواز قتل المدنيين بما جاء فى صحيح مسلم أن النبىﷺـ قيل له: لو أن خيلا أغارت من الليل فأصابت من أبناء المشركين؟، قال: «هم من آبائهم».
والرد على ذلك: أن العلماء وجّهوا الحديث بأن ذلك فى المعارك المنصوبة بأمر ولى الأمر المسلم، وأن ذلك جائز فى حال التّتَرّس بهم، أو عدم التمييز بينهم وبين المحاربين، وحينما فتح الله مكة للمسلمين بقيادة سيد المرسلين ﷺ، أمرهم بعدم القتل قال تعالى: «هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ * وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ * لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ * لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) «الفتح/25»، فقد بين جرم الكافرين، ومع ذلك منع قتلهم خوفا على المؤمنين، لعدم تميزهم عنهم، وعدّ قتلهم معرة، ثم توعّد الكافرين بقوله: «لو تزيلوا»، والمعنى: لو تميزوا.
أضف إلى ذلك ما أخرجه بن عبد البر فى الاستذكار: عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ رأى فى بعض مغازيه امرأة مقتولة، فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء، والصبيان.
وهناك وصية النبى ﷺ لقادة جيوشه فى هذا الشأن: لا تقتل امرأة، ولا صبيا، ولا شيخا فانيا، ولا تقطع شجرا، ولا ثمرا، ولا تعقرّن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا.
كما استدلوا أيضا بعمل الصحابى الجليل أبى بصير، حيث جاء بعد صلح الحديبية مسلما، فأرسلوا فى طلبه رجلين فقالوا: العهد الذى جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى إذا بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إنى لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فقال: أجل، والله إنه لجيد لقد جربت به، ثم جربت، فقال أبو بصير: أرنى أنظر إليه، فأمكنه منه فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد.. فقال رسول الله ﷺ حين رآه: «ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد»، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر.. فجعل لا يخرج رجل من قريش إلا لحق بأبى بصير حتى اجتمعت منهم عصابة، فاعترضوا تجارة قريش، وقتلوا من قتلوا منهم حتى ناشدت قريش رسول الله ﷺ أن من يأتيه فهو آمن، فأنزل الله تعالى: قوله «وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم...» «الفتح/ 26:24».
والرد على ذلك: أنه استدلال فى غير موضعه، فإن أبا بصير قعد للكافرين فى طرق تجارتهم، ولم يقتل نفسه.
استدلالهم بحديث البراء فى حرب غزوة بنى حنيفة «حرب مسيلمة» حين أمر أصحابه أن يحملوه، ويقذفوا به داخل الحديقة من أجل أن يفتح الباب لهم.
والرد على ذلك: أنه كان فى معركة تحت راية الإسلام بأمر ولى الأمر، هذه واحدة، كما أن البراء كان يتوقع نجاته ولو بنسبة قليلة، أما الذى يرتدى الحزام الناسف فإن موته متيَقَّن وهو إلقاء بالنفس إلى التهلكة.
استدلالهم بالحديث الصحيح «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب...» على قتل المدنيين، وتسمية تفجير النفس فيهم بالعمليات الاستشهادية.
والرد على ذلك: أن المخاطَب بالأمر هو الحاكم «ولى الأمر، كما أنه لا يخفى أن المراد الإخراج فى حالة السكنى، والاستيطان، أى: الإقامة الدائمة الأبدية، وليس المراد إخراج من أتى للسياحة أو العمل من غير المسلمين، وإن امتدت إقامته لسنوات».
هل من يموت فى هذه العمليات شهيدا؟
يقول الدكتور إبراهيم صلاح الهدهد، إن مثل هذه العمليات لا تدخل ضمن الشهادة، لأن الشهادة فى سبيل الله: هى بذل الروح التى هى أغلى ما يملكه الإنسان لحماية إحدى الكليات الخمس التى لا تستقيم الحياة بدونها «الكليات الخمس هى: النفس والعقل والدين والعرض والمال»، ولا يعد فاعلها شهيدا؛ لأنه خارج عن أنواع الشهداء المجمع عليهم عند أهل العلم وهم: شهيد الدنيا والآخرة وهو الذى قاتل فى سبيل الله حتى قتل، وكان قتاله بأمر ولى الأمر، وكان مخلصا وقُتِل على ذلك.
وشهيد الدنيا، وهو الذى قاتل فى سبيل الله حتى قتل، وكان قتاله بأمر ولى الأمر، لكنه لم يكن مخلصا، وإنما قاتل رياء، أما شهيد الآخرة، فهو من مات بالطاعون أو الحرق أو الغرق أو البطن أو المرأة التى تموت بجُمع، كما جاء فى الحديث: «من تعدون من الشهداء من أمتى؟» قالوا: من قتل منا فى سبيل الله قال: «إن شهداء أمتى إذا لقليل! فذكر الطاعون، وذكر الحرقى، وذكر الغرقى، وذكر البطن، وذكر المرأة التى تموت بجُمع».
وأكد الهدهد أن الجهاد فى سبيل الله لتكون كلمة الله هى العليا، من أفضل الأعمال، بل هو ذروة سنام الإسلام، وهو أحل القربات، لذا حثت عليه نصوص الكتاب والسنة، منها ما رواه البخارى: «من اغبرت قدماه فى سبيل الله حرمه الله على النار»، وما رواه أيضا: «إن الجنة تحت ظلال السيوف»، وجاء فى الصحيحين: «رباط يوم فى سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها»، وكثير من الأحاديث والآيات.
العمليات الانتحارية
أنواع الجهاد
الجهاد عند الفقهاء نوعان، أولهما جهاد الطلب، وهو «إذا أعلن ولى الأمر «الحاكم المسلم بأى وصف سياسى معاصر»، الجهاد فى سبيل الله دفاعا عن الإسلام، وتحت رايته، وبعد أن فرض الجهاد لم يرد أن الصحابة رضى الله عنهم، وهم أفضل جيل عرفته البشرية، ذهبوا إلى مجتمع الكفار يقتلونهم أبدا إلا بجهاد له راية من ولى قادر على الجهاد.
والثانى هو «جهاد الدفع»: وذلك إذا نزل الكفار ببلد وجب على أهل البلد قتالهم ودفعهم، ويكون بإذن ولى الأمر، وتحت راية الإسلام، وما عرضناه لك هو ما أجمع عليه أهل العلم، وقد تبين لك بذلك أن القتيل فى العمليات الانتحارية لم يقتل فى أى من نوعى الجهاد فى سبيل الله.
من الذين يجب قتالهم فى المعركة؟
يجيب الدكتور الهدهد بأنه لا يجوز قتل النساء، ولا الصبيان، ولا الشيوخ، وإنما القتال للمحارب الذى حمل السلاح فى وجه المسلم، وهو واضح فى قوله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» «البقرة/190».
كما أن نصوص الكتاب، والسنة أكدت حرمة قتل غير المسلم الذى أعطى عهد أمان، وأكدت على حفظ العهود، فالإسلام يأمر بحفظ العهود والعقود، ويقول تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود» [المائدة/1]، كما يقول: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء/34]، وقد حرم الإسلام الغدر، فكل من كان له عهد أمان لا يحل قتله، والسائحون غير المسلمين دخلوا بلاد الإسلام بعقود أمان «تأشيرة الدخول».
وتابع أن القرطبى ذكر أنه لا خلاف بين العلماء أن أمان السلطان جائز، كما أن الاتفاقات الدولية فى إطاراتها الحديث تعد عقودا يجب حفظها، هذا مع غير المسلمين، فكيف تستبيح بعض الجماعات المحسوبة على الإسلام دم المسلمين، مشيرا إلى أنه ورد فى الصحيح أن رسول اللهﷺ لما أرسل له مسيلمة قرأ كتاب مسيلمة، ثم قال لرسوليه: ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال النبى ﷺ: «أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما».
وحينما أجارت أم هانئ بنت أبى طالب رجلا من المشركين يوم الفتح، فأتت النبىﷺ، فذكرت ذلك له، فقال: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، وأمّنّا من أمّنت»، فكيف استباحوا قتل من دخلوا تونس بموجب عقود أمان؟
وشدد على أن الله قد حرم قتل أى نفس بغير الحق، فقال تعالى: «ولاتقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق»، وقال أيضا: «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا»، ولا يكون القتال والقتل إلا لمحارب، ويكون قتاله بأمر ولى الأمر «الحاكم بأى وصف سياسى»، وتحت راية الإسلام، فلا بد من هذه الضوابط لأن الإسلام لا يعرف الفوضى، أو قاتل نفس أثبت القضاء عليه التهمة، وحكم بقتله.
كما أن قتل النفس حرام شرعا، وقد دلت النصوص الكثيرة على تحريم قتل النفس من ذلك قوله تعالى: «ولاتقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما» [النساء/29]، وقال أيضا: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» «البقرة/195»، وفى الحديث الصحيح من خطبة الوداع، أى بعد أن أكمل الله الدين للأمة: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى عامكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا»، وفى الحديث الشريف: «من قتل نفسه بشىء عُذّب به يوم القيامة».
حرمة قتل المسلم
النصوص كثيرة فى تحريم قتل المسلم، وهم يستبيحون قتلهم ولايعنيهم قوله تعالى: «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما» «النساء:93»، وفى الحديث الصحيح: «من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولاعدلا»، وفى الحديث الآخر: «لا يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما».
حرمة المساجد
إن تفجير المساجد يؤدى إلى خرابها، ومنع ذكر الله فيها، وترويع من كان فى حمى بيت الله ولا عمل أسوأ من ذلك، ولا أظلم منه لقوله تعالى: «ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم»، وفى الحديث: «إن بيوتى فى الأرض المساجد وإن زوارى فيها عمارها، وحق على المزور أن يكرم زائره»، ويكفى المساجد شرفا أن الله نسبها لنفسه فى قوله: «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر»، فقد استحق القائمون بتفجير المساجد، وقتل الأنفس، هم ومحرضوهم خزى الدنيا، والعذاب العظيم فى الآخرة، والإسلام هو دين الإعمار، والرحمة، وليس دين التخريب والغلظة.
ويخلص الهدهد إلى أنه «من كل ما مضى يتبين فساد تسمية العمليات الانتحارية بالاستشهادية، كما يتبين لك فساد العمليات التفجيرية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة