سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 23 مارس 1871.. «رياض باشا» يقنع جمال الدين الأفغانى بالبقاء فى مصر.. والحكومة تخصص له عشرة جنيهات راتباً شهرياً

السبت، 23 مارس 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 23 مارس 1871.. «رياض باشا» يقنع جمال الدين الأفغانى بالبقاء فى مصر.. والحكومة تخصص له عشرة جنيهات راتباً شهرياً مصطفى رياض باشا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين وصل جمال الدين الأفغانى إلى مصر يوم 22 مارس 1871، وفقًا لكتاب «مذكرات الإمام محمد عبده» «تحقيق: طاهر الطناحى»، أو يوم 23 مارس، حسبما يذكر الدكتور محمد عمارة فى كتابه «جمال الدين الأفغانى موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام» لم يكن فى نيته الإقامة إلى مصر، ويؤكد الرافعى: «جاءها قاصدا التفرج على مناظرها واستطلاع أحوالها، لكن رياض باشا، كبير وزراء إسماعيل باشا وقتئذ، رغب إليه البقاء فى مصر، وأجرت عليه الحكومة راتبا شهريا مقداره ألف قرش «عشرة جنيهات» وأكرمته به لا فى مقابل عمل يقوم به».
 
يلفت «الرافعى» النظر إلى أنه بالرغم من أن رياض باشا هو الذى أقنعه بالبقاء، إلا أنه يعيد الفضل الرئيسى فى ذلك إلى الخديو إسماعيل»، قائلا: «لجمال الدين ماضٍ سياسى ومجموعة أخلاق ومبادئ، ولا ترغب فيه الملوك المستبدين، ولم يكن من أهل الملق والدهان فينال عطفهم ورعايتهم، ويجرون عليه الأرزاق بلا مقابل، ولكن الأمر لا يعسر فهمه إذا عرفنا فى إسماعيل جانبا ممدوحا فى صفاته الحسنة وهو حبه للعلم، ورغبته فى نشره ورعايته، وكانت شخصية جمال الدين العلمية وشهرته فى الفلسفة أقوى ظهورا، وخاصة فى ذلك الحين، فلا غرو أن يكرم إسماعيل العالم المحقق الذى يفيض على مصر من حر علمه وفضله، وأما آراء الأفغانى السياسية وكراهيته للاستبداد ونزعته التحررية، فلم يكن مثل إسماعيل يخشاها أو يحسب لها حسابا لأنه فى ذلك الحين كان قد بلغ أوج سلطته ومجده، وكان يحكم البلاد حكما مطلقا يأمر وينهى، ويتصرف فى أقدار البلاد ومصير أهلها دون رقيب أو حسيب».
 
يرى الرافعى أنه هناك اعتبارا آخر وهو: «كان إسماعيل ينافس حكومة الآستانة فى المكانة والنفوذ السياسى، ولا يرضى لها أن تكون تابعة لتركيا، وذكاؤه أنه اغتنم فرصة إبعاده من الآستانة ليحمى العلم فى شخصه».. يذكر محمد عمارة: «فى القاهرة بدأ طلاب العلم وخاصة نجباء طلبة الجامع الأزهر يلتفون حوله، ويثيرون فى حضرته القضايا، ويفتحون أمام علمه الواسع الأبواب».  
 
يذكر الإمام محمد عبده فى مذكراته: «جاء إلى هذه الديار رجل بصير فى الدين، عارف بأحوال الأمم، واسع الاطلاع، جم المعارف، جرىء القلب واللسان، وهو المعروف بالسيد جمال الدين الأفغانى، اختار الإقامة فى مصر، فتعرف إليه فى بادئ الأمر طائفة من طلبة العلم، ثم اختلف إليه كثير من الموظفين والأعيان، ثم انتشر عنه ما تخالفت آراء الناس فيه من أفكار وعقائد، فكان ذلك داعيًا إلى رغبة الناس فى الاجتماع به لتعرف ما عنده، وكانت مدرسته بيته.. كان يحضر دروسه كثير من طلبة العلم، ويتردد على مجالسه كثير من العلماء وغيرهم، وهو فى جميع أوقات اجتماعه بالناس، لا يسأم من الحديث فيما ينير العقل، ويطهر العقيدة، أو يذهب بالنفس إلى معانى الأمور، أو يلفت الفكر إلى النظر فى الشؤون العامة مما يمس مصلحة البلاد وسكانها، وكان طلبة العلم ينتقلون بما يكتبونه من تلك المعارف إلى بلادهم أيام الإجازة، وكان الزائرون يذهبون بما ينالونه إلى أحيائهم ينشرونه فى الناس، فاستيقظت مشاعر، وانتبهت عقول، وخف حجاب الغفلة فى أطراف متعددة من البلاد خصوصا القاهرة».
 
كان محمد عبده وقت قدوم الأفغانى طالبا فى الأزهر، وعن بداية تعارفه به، ينقل محمد عمارة عنه قوله: «إن أحد المجاورين الشوام قال لى: إنه جاء إلى مصر عالم أفغانى عظيم، وهو يقيم فى «خان الخليلى» فسررت بذلك، وأخبرت الشيخ حسن الطويل مدرس المنطق والفلسفة بالأزهر «وكان يمثل التيار المستنير بين علماء الأزهر وينحو نحو التصرف» ودعوته إلى زيارته، فوجدناه يتعشى فدعانا إلى الأكل معه، فاعتذرنا، فطفق يسألنا عن بعض آيات القرآن، وما قاله المفسرون والصوفية فيها، ثم يفسرها لنا.. فكان هذا مما ملأ قلوبنا به عجبا وشغفها حبا.. لقد اهتدى إليه كثير من طلبة العلم، واستوروا زنده، فأورى، واستفاضوا بحره ففاض درا، وحملوه على تدريس الكتب فقرأ من الكتب العالية فنون الكلام الأعلى والحكمة النظرية، طبيعية وعقلية، وفى علم الهيئة الفلكية وعلم التصوف وعلم الفقه الإسلامى.. قرأ لهم وشرح كتبا مثل: «الزوراء» للدوانى فى التصوف، و«شرح القطب على الشمسية» و«المطالع» و«سلم العلوم» فى المنطق، و«الهداية» و«الإشارات» و«حكمة العين» و«حكمة الإشراق» فى الفلسفة و«عقائد الجلال الدوانى» فى التوحيد، و«التوضيح» و«التلويح» فى الأصول، و«الجغمينى» و«تذكرة الطوسى» فى الهيئة القديمة، وكتابا آخر فى الهيئة الجديدة».
 
يذكر عمارة: «مع أن نفرا كثيرا من طلاب الأزهر وشيوخه قد جذبهم مجلس علمه، فلم يجلس بالأزهر مدرسا، إذ كان كما يقول الأستاذ الإمام: «كانت مدرسته بيته، من أول ما ابتدأ إلى آخر ما اختتم، ولم يذهب إلى الأزهر مدرسا ولا يوما واحدا. نعم، كان يذهب إليه زائرا، وأغلب ما كان يزوره يوم الجمعة للصلاة».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة