يوميا وأثناء مرورنا فى الشوارع كثير ما نرى لافتات دار الأيتام تملأ مختلف الأركان، يختبئ وراء كل لافته المئات من القصص الانسانية لأطفال يعيشون حياتهم داخل أركان الدار.
عادة يتحدث المجتمع عن الجانب الدرامى التى يحمله كل طفل بداخله لفقدان والديه والشعور بالحب والحنان من مختلف الأمهات البديلة التى تأتى لزيارتهم أحيانا، إلا أن هناك مجموعة من الأطفال بمجرد وقوفهم على قدمهم والسيطرة على جانب من حياتهم يبدأون البحث عن أهلهم بمختلف الطرق المتاحة حاليا.
من بين مئات الحكايات عن الأطفال الأيتام الذين يبحثون عن اسرهم تواصل اليوم السابع مع ثلاثة من أبناء دور الأيتام الذين تمسكوا بالحلم والامل فى العثور على أهاليهم والحكاية الأولى هى حكاية "هانى" التى بدأت منذ ما يقرب من 25 سنة وفى يوم 24-8-1994 حيث تغيرت حياته عندما تم تسليمه إلى دار أيتام من قِبل قسم شرطة مصر القديمة بالنص التالى: "فى تمام الساعة 11 صباحا وبحضور لجنة مشكلة من مديرة الدار ورئيسة الجمعية والأخصائية الاجتماعية تم استلام الطفل "هانى إبراهيم سليمان" وتاريخ ميلاده 10-8-1994 وشهادة ميلاد رقم 99283 بموجب المحضر المحرر من قسم شرطة مصر القديمة رقم 8135 ح بتاريخ 16-8-1994 والتحاقه بالدار".
ويحكى "هانى" لليوم السابع: "مرت السنين بالفعل واستطعت أن أنجوا بنفسى لحياة أقرب إلى الاستقرار، فتزوجت ولدى ابنه، وكل ما اتمناه هو العثور على أهلى ليكون لها ظهر وسند فى الحياة، مضيفا "نفسي أعرف لو حد فقد ابنه بنفس التاريخ والسن، نفسى بنتى متبقاش مقطوعة ويبقى ليها عيلة".
ومن جانب آخر، أرسلت "هبة" برسالة إلى أمها للبحث عنها وقالت: "أمى أنا محتاجه أنى أوصلك، ممكن يكون اللقاء بنا صعب بس انا عندي أمل فى ربنا أوصلك بعد كل التعب اللى تعبته فى حياتى، أنا تعبت كتير أوى يا أمى من غيرك وفعلا محدش بيعرف يكون بديل للأم أبدا الأم بتفضل أم مهما حصل ومهما كانت الحنيه فى قلوب الناس برضو مش بيعوضوا الأم، أنا نفسي أشوفك ولو من بعيد لبعيد، نفسي عينيا تلمحك وأعرفك، أنا مش عاوزه منك أي حاجة فى الدنيا ولا عاوزه اسبب لك مشاكل من اي نوع بس انتي سبتيني 25 سنة لحد دلوقتي، يا عالم بتدوري عليا إنتى كمان ومش عرفاني زي ما أنا بدور عليكي ولا لاء، انا بقي عندي اولاد يا أمى وبيكبروا وليهم أهل لأبوهم بس معرفش ليه ملهمش اهل لامهم ولا لما بيسألوني مش بعرف ارد اقولهم ايه، نفسهم يشوفوا جدتهم لأمهم ويحسوا بحنانها، عاوزاكى تعرفي كمان ان من بعد ظلم الدنيا ليا وليكي انا اتظلمت كتير ومحدش رحمني أبدا وكل ده علشان مليش حد، أنا اتبهدلت واتمرمطت عشان بس اوصل فى النهاية لحضنك اللي الظروف حرمتني منه وعمري كله ومحدش عوضني مكانك ولا حد شغل تفكيري غيرك ارجوكي نفسي أشوفك عشان إنتي أمي وأنا بنتك حتي لو كنتي مش عوزاني أنا عوزاكي ومسمحاكي".
وتابعت هبه "أتوسل إليكي ياأمى، كل ما أريده أن أصل لكى، أنا أموت يوميا بالبطئ ، يقتلنى احساس العجز بسبب عدم وجودك فى حياتى ويقينى بالله أننى سوف أراكى، ولو ربنا لسه مطول فى عمرى متمناش غير إنى اعيشه تحت رجليكي، ومش عاوزاكى تخافى من أى حاجة، السنين اتغيرت والدنيا اتغيرت وممكن اللي حصل زمان ربنا يصلحو دلوقتى، أنا قلبى مقسوم يا أمى ووحشانى رغم إن عمرى ما شوفتك وكل إللى بتمناه لحظات أقولك فيها أنا ازاى اتعذبت من غيرك وإزاى بحبك، أنا كل سنة وقت عيد الأم أقول ربنا هيهدينى أحلى هدية وهو إنى اشوفك السنة دى، وحتى لو ربنا مكتبلناش اللقا السنة دى هقولك كل سنة وإنتى طيبة وبخير، وفى النهاية أنا بنتك وإنتى أمى مهما كانت الظروف التى إنتى وأنا عشناها".
وأضافت هبة لليوم السابع أنها ليست المرة الوحيدة التى تبحث عن امها فقد بحثت بكل الطرق، وأنها بعد أن كبرت وعرفت حكاية دخولها لدار الأيتام بحثت عن العاملة التى أدخلتها دار الأيتام لأنها تركت العمل فى الدار، قالوا إنها توفيت ولم تجد لها أقارب وأيقنت وقتها أن البحث سيكون أمرا صعبا، بعدها ذهبت إلى القسم والمحكمة للحصول على ورقة إثبات للمحضر الذى تم تسجيلى دخولى الدار به من 25 سنة وبحثت فى كل المحاكم والأقسام وقالوا: "إنهم يقومون بإعدام الملفات كل 10سنوات".
واستكملت: "أنا الحمد لله خرجت من دار الأيتام وتزوجت وأنجبت، بس أملى فى ربنا كبير إنى أوصل لأمى أو أوصل للمحضر اللي اتسجلت بيه أكيد به بيانات ومعلومات عن من وجدنى وسلمنى للدار".
أما "تغريد أحمد" فكسرت جميع حدود اليتم، فلديها طاقة إيجابية تكفى العالم حيث قررت تحدى المجتمع لتظل فتاة ضد التصنيف والتهميش فى مجتمع يعانى من التنمر، قبل 25 عاما من الآن بدأت رحلة تغريد فى دار أيتام الرحمة بنات بالإسماعيلية، كانت لا تزال رضيعة فى ذلك الوقت، وبعد سنوات قليلة بدأت تعى للحياة، وتقرر أنها لن تزرع فى نفسها سوى النجاح والأمل وهو عكس ما يراه البعض من حولها، ووقفت بشجاعة أمام كاميرا هاتفها المحمول لترفع شعار "مايهمنيش" وتؤكد بقوة أنها لا تهتم بنظرة المجتمع أنى أكون يتيمة، ودعت كل الأيتام إلى أن يلتقطوا صورًا وينشروها وهم يحملون لوحة عليها "ميهمنيش".
تعشق تغريد الفن وتمتلك موهبة فى الرسم والتلوين جعلتها تشارك فى بعض المعارض وتبيع لوحاتها وهى تحلم بالالتحاق بكلية الفنون الجميلة، تأثرت "تغريد" بحرمانها من الأم وهو ما عبرت عنه من خلال رسوماتها، فرسمت بمشاعرها عدة صور للأم التى تحتضن طفلها الرضيع متخيله فى كل لوحة صورة والدتها التى تبحث عنها.
"فاقد الشىء يعطيه بكرم".. هذه هى نظرية وفكرة تغريد عن الحياة، وتؤكد أن كل شيء هى حرمت منه تعطيه وتساعد غيرها فيه، فهى حرمت من الحب لكنها تمنحه لمن حولها بأمانة وإخلاص، فمثلاً تعبر عن احتياجها لأحد الأشخاص لتعليم أحد أساليب الرسم ورفض، فتعلمته فى النهاية وخصصت جزءًا من وقتها لتعليمه لمن لا يعرف.