"أنابيب واللى عايز أنبوبة".. نداء طفلة 14 عاما بقرى الرحمانية وشرف الدين والنعايرة بمحافظة الشرقية، تخلت عن طفولتها، وولدت لأسرة فقيرة الأب عامل باليومية مريض، والأم ربة منزل، وليس لديها أشقاء ذكور، فتحملت المسئولية منذ كانت طفلة 9 سنوات، تسوق جرارا صغيرا محملا بعدد من أسطوانات الغاز، لبيعها بالقرى المجاورة لقريتها الرحمانية.
على بعد كيلو مترات من مدينة أبو كبير بالشرقية، تعيش الطفلة "منى ياسر مصطفى النعمان" 14 سنة طالبة بالصف الثالث الإعدادى بقرية الرحمانية، داخل منزل بسيط مبنى من الطوب اللبن، عبارة عن غرفة واحدة وصالة بوسطها جزء عبارة عن حمام صغير، وجدت الطفلة نفسها الابنة الصغرى لأسرة لا تنجب ذكورا، فعزمت على الخروج كل يوم مع والدها الذى يعمل باليومية فى بيع الأنابيب قبل أن تتولى المهمة بأكملها بعد مرضه ودخوله المستشفى.
"عايزة أساعد أبويا ونفسى يكون مستور".. بهذه الكلمات روت الصغيرة قصتها لـ"اليوم السابع" قائلة: "عندما كان عمرى 9 سنوات كنت أذهب مع أبى كل يوم لبيع أسطوانات الغاز بقرية الرحمانية وأجوارها، حيث كان أبى يستأجر عربة كارو، لتحميل أسطوانات الغاز عليها لبيعها، وبعد فترة ربنا أعاننا لشراء جرار صغير بالقسط نعمل عليه لتسهيل نقل الأنابيب وبيعها، وتعلمت من أبى سواقة الجرار، ولكنه كان يخشى علىّ فى البداية، منذ عام أصيب أبى بصديد شديد على الرئة، ومكث على أثره بالمستشفى شهرا كاملا، وخرج ولازم الفراش لتلقى العلاج، فقررت أن أسوق الجرار بمفردى لكى أساعد والدى ويكون مستورا أمام الأهالى".
وتابعت منى، أن يومها يبدأ فى تمام الساعة الخامسة صباحا، تستيقظ وتتناول وجبة الإفطار وتتوجه بجرارها الصغير الذى تلاحقه مقطورة صغيرة، تملأها بعدد 50 أسطوانة غاز، من المستودع وتعود للمنزل وتترك الجرار أمامه، ثم تتجه إلى مدرستها بذات القرية وبعدها إلى دروسها، ومع أذان العصر تبدأ رحلتها فى توزيع أسطوانات الغاز على الأهالى بالقرية والقرى المجاورة، كما تقوم بتوصيل الأسطوانات للسيدات فى الأدوار العليا بالمنازل مقابل جنيه على الأبنوبة زيادة عن بيعها على الأرض.
وعن أمنيتها قالت الطفلة منى: "نفسى أبنى البيت لأبويا خوفا من سقوطه علينا، وأشترى له عربية ينقل عليها الأنانبيب تكون أمان عن الجرار"، وعن أحلامها فى المستقبل أكدت أنها تتمنى أن تلتحق بكلية الهندسة لتصبح مهندسة، مشيرة إلى أنها تحافظ على مواعيد دروسها وتذهب إلى مدرستها يوميا، وستظل تعمل فى توزيع الأنابيب، حتى يتحقق حلمها فى بناء منزل أبيها المبنى من الطين والمهدد بالسقوط عليهم فى أى وقت، وشراء سيارة له تكون أمان عن الجرار الذى دائما ما يغرس منها فى الطين ويعرقل رحلتها فى توزيع الأنابيب.
"منى تستاهل كل خير".. كلمات قالتها ابتسام غريب، جارة الطفلة منى، مضيفة أن الطفلة الصغيرة تستيقظ فى عز الشتاء والبرد، فى الوقت الذى كنا فيه نائمين تحت البطاطين، وكثيرا ما كان الجرار يغرس فى الطين بسبب مياه الأمطار، وكنا نخرج نساعدها فى تدوير الجرار، ووالدها مكث فى المستشفى العام لمدة شهر لم يسأل عنها أحد، واعتمدت على نفسها، بالرغم من إصابتها بإعاقة فى قدمها منذ صغرها وأجريت عملية فيها وما زالت تعانى من صعوبة فى الحركة فى القدمين، ومع ذلك تحملت كل الصعاب من أجل أسرتها، وتخلت عن طفولتها بالرغم من كونه ما زالت طفلة من حقها اللهو والعب مثل باقى أقارنها بالقرية.