صدر سجل وثائقى مصور لأبرز أحداث ثورة 1919 ونتائجها، من أعداد الكاتب الصحفى شريف عارف الذى يعد أبرز جامعى وثائق وصور هذه الثورة، حفل السجل بنشر مجموعة جديدة من الصور والوثائق التى تتاح لأول مرة، استعان شريف عارف ببعض ما نشر من المشاركين فى الثورة أو الذين عاصروا أبطالها أو كانوا على صلة بها، ومن ذلك شهادة سعد فخرى عبد النور عن سعد زغلول والتى جاءت على النحو التالي:
لا يسع المرء إلا أن يقف مبهوراً أمام هذا الدور الكبير للزعيم، وأن يسجل جوانب العظمة التى تجلت فى سعد حينما تقدم للزعامة، إلى أن لفظ النفس الأخير فى 23 أغسطس 1927، فإن صلته بما جرى لمصر من أحداث فى هذه الفترة أشبه ما تكون بصلة "البطل" بالوقائع فى الملاحم الإغريقية لا يمكنك أن تقص طرفاً فيها، أو تتغنى بنشيد من أناشيدها "إلا ويجئ ذكره على لسانك، بل إن الرواية فى "الملحمة" لا تروى فى غياب "البطل"، وشخصيته هى حلقة الاتصال بين فصولها، وهو صاحب الدور الفعال فى إثارة الأحداث وتحريكها، إلى آخر ما تبتغيه الرواية.
حاول شريف عارف بقدر الإمكان إحاطة المطلع على السجل بأجواء الثورة، فنجده يركز على بيت الأمة فيذكر عنه أن سعد باشا كان يقيم فى حى الظاهر حتى عام 1901 عندما قرر الانتقال إلى حى الإنشاء، الذى يقع فيه بيت الأمة، وكان معلوماً أنه حى الارستقراطية التركية. يقدم الزعيم الوطنى فى مذكراته ما يفيد بأنه قد بدأ فى بناء هذا البيت فى منتصف عام 1901، واستكمله فى أوائل العام التالي، حيث انتقل إليه يوم الخميس 24 أبريل عام 1902، وتبين تفاصيل الحسابات التى حرض على إثباتها فى تلك المذكرات أنه قد تم توصيل المياه النقية مع إنشاء البيت، الأمر الذى كلفه تسعة جنيهات وسبعمائة وخمسين مليماً!، وجهزه بالرخام الذى بلغت تكاليفه خمسة وسبعين جنيهاً، وأمده بالغاز والكهرباء وكان إجمالى ما أنفقه عليه أربعة آلاف ومائتين وستة وتسعين جنيهاً وأربعمائة وستين مليماً، وإذا علمنا أن سعر الفدان من الأراضى الزراعية الجيدة كان يصل إلى مائتى جنيه، فإن ذلك يعنى أن تكاليف بيت الأمة قد زادت عن ثمن عشرين فداناً.
من هذه المذكرات نتبين _أيضاً_ عدد الخدم فى البيت عند إنشائه، عربجي، سايس، طباخ، جنايني،صبى حريم، كمريرة، هذا فضلاً عن أحمد وأبو عامر الوحيدين اللذين ذكرهما سعد بالاسم، وكانا فى خدمته الشخصية، وإذا كان هذا العدد ينم عن شيءفإنه يكشف عن انتماء سعد للطبقة الارستقراطية، وهو الأمر الذى كان قد تأكد قبل خمس سنوات عندما تزوج صفية هانم ابنة رئيس الوزراء مصطفى فهمى باشا.
ومن كواليس الثورة نجده يتوقف بنا أمام التنظيم السرى للثورة والذى ربما يتوقف التاريخ أمام واحد من أبرز صناع الثورة والمقاومة .. إنه عبد الرحمن فهمى بك القائد الفعلى للتنظيم السرى لثورة 1919، ولد فى القاهرة فى 30 مارس 1870م وتخرج فى المدرسة الحربية عام 1888م، شارك فى حملة الجيش المصرى إلى السودان عام 1898م. عمل "فهمي" ياوراً لوزير الحربية مصطفى فهمى باشا، وتعرف خلال هذه الفترة على زوج ابنته "سعد زغلول"، ثم نقل إلى خدمة البوليس عام 1901م، وعمل مديراً لمديرية الجيزة عام 1911م.
ونظراً لأعماله الوطنية المبكرة أبعدته السلطات الانجليزية المحتلة عن مديرية الجيزة إلى وكالة الأوقاف المصرية فى أواخر عام 1911م. ثم اصطدم مع رغبة الخديو عباس فى الاستيلاء على قطعة أرض تابعة للأوقاف المصرية. فأصدر الخديو قراراً بإحالته إلى المعاش عام 1913م.
خلال أحداث الثورة عمل على تأسيس وقيادة أخطر جهاز سرى شكله الزعيم سعد زغلول بنفسه، وساعده فى وضع هيكل هذا الجهاز وتنظيمه ابن أخيه الدكتور أحمد ماهر رئيس وزراء مصر فيما بعد.
فى يوليو 1920م ألقى القبض على عبد الرحمن فهمى بيك الذى كان يشغل منصب السكرتير العام للجنة حزب الوفد المركزية مع 26 شاباً وطنياً من شباب مصر، وحوكموا بتهمة إنشاء جمعية سرية باسم "الانتقام" تهدف إلى خلع السلطان أحمد فؤاد.
صدر الحكم بإعدام عبد الرحمن فهمى وستة من رفاقه الأبطال ثم جرى تخفيف الحكم إلى 15 سنة وسجن الباقين مدداً مختلفة. وأطلق سراحه وزملائه الأبطال بعد تشكيل الزعيم سعد باشا زغلول لحكومته الوفدية الشعبية فى يناير 1924. انتخب "فهمي" عضواً بمجلس النواب المصرى عن دائرة "كرداسة"، ورغم عمله السياسى العلني، فلم يكن أحد يتوقع أنه هو القائد الفعلى للتنظيم.
وفى هذا الفصل نستعرض عدداً من المنشورات السرية التى قامت بصياغتها قيادة التنظيم، وتمت طباعة غالبيتها فى القبو السفلى لمنزل عبد الرحمن بك فهمى بشارع القصر العيني.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة