خلال شهر مارس الحالى، احتفلت العديد من المؤسسات الثقافية والصحفية والسياسية أيضا بمئوية ثورة 1919، التى انطلقت شرارتها الأولى فى 9 مارس 1919، بعد يوم واحد من نفى سعد زغلول ورفاقه من أعضاء الوفد المصرى إلى جزيرة مالطا، لينفجر الشعب المصرى ثائرا فى وجه الاحتلال البريطانى.
وقبل نهاية شهر الثورة، الذى شهد الأحداث الجسام المهمة فى تاريخ الثورة المصرية المباركة، نحاول أن نبحث فى مدى نجاح الثورة، ومدى قيام الثورة فى تحقيق أهدافها، ومدى الحالة التى توصلت إليه البلاد بعدها، وهل تقدمت أم تأخرت، وهل كان للثورة علاقة بهذا التقدم أو التأخر.
وبحسب كتاب "ثورة 1919" للمؤرخ عبد الرحمن الرافعى، فإنه من الناحية السياسية فإن ثورة 1919 نجحت ضد الحماية البريطانية، والتى قامت الثورة ضدها من الأساس، إذ اعترفت الحكومة البريطانية فى فبراير 1921 أن علاقة الحماية غير مرضية، ثم أعلنت إلغاءها فى تصريح 28 فبراير 1922، كما اعترفت بمصر دولة مستقلة ذات سيادة أيضا، لم يبقى الاحتلال هو الأمر الذى لم تنجح الثورة فى إجلائه.
أما من ناحية الحكم فيرى "الرافعى" أن الثورة قد نجحت فعلا فى وأد مشروع وضع سلطة التشريع فى مصر فى يد الأجانب مثلها مثل المستعمرات البريطانية، وجعلت الدستور نظاما للحكم، بعد إعلانه عام 1923م، وهذا الدستور فضلا عن تقريره سلطة الشعب وحقه الشرعى فى حكم نفسه بنفسه، فإنه قرر حقوق المصريين وحرياتهم السياسية والشخصية، كما أن الثورة تعتبر حدا فاصلا بين عهد وعهد، بين نظام قديم قوامه إلغاء سلطة الأمة حكما وفعلا، وإلزام الحكومة الأهلية باتباع النصائح البريطانية، وبين دستور يقرر سلطة الأمة ويحد من سلطة الفرد ومن التدخل الأجنبى.
كما عدد المؤرخ الراحل نجاح ثورة 1919 من الناحية المعنوية، ذلك أنه قد تألفت من الثورة صفحة مجيدة من البطولة والتضحية، جديرة بأن تحيى فى النفوس روح الإخلاص للوطن، هذه الروح التى هى عدتنا فى النضال والكفاح، فهولاء الشهداء المجهولون الذين جادوا بحياتهم سنة 1919 وما تلاها، غير ناظرين إلى مكافأة ينالونها، خليقون بأن يبعقوا فى نفوس مواطنيهم على تعاقب الأجيال روح الجهاد الخالص لله وللوطن.
أما على المستوى الأخلاقى، فيرى الرافعى، أن الثورة لم يكن لها أثر جوهرى فى أخلاق الأمة، لأن الأخلاق ترجع فى صلاحها أو فسادها إلى عوامل أخرى، لا دخل للثورة فيها، وأهمها الوراثة، والتربية المنزلية والمدرسية، ثم البيئة الاجتماعية، على أن الأخلاق عامة قد تراجعت بعد الثورة، فالصدق والإخلاص، والوفاء والمروءة، قد نقص مستواها عما كانت عليه من قبل، وطغت على النفوس موجة من النفعية، ورغم ان هذه العوارض كانت موجودة قبل الثورة، إلا أنها زادت بعدها بسبب ارتقاء مستوى المدارك والأفكار.
من ناحية الثورة الاقتصادية، فرغم أن زعامة الثورة أهملت الناحية الاقتصادية إهمالا واسعا، إلا أن منطق الثورة السليم قد سار على خلاف توجه الزعامة السياسية، فاتجه من تلقاء نفسه إلى تعظيم النهضة الاقتصادية، وإلى متابعة البعث الاقتصادى الذى بدأ قبل الثورة، ففى أعقاب الثورة ظهرت دعوة الزعيم الاقتصادى طلعت حرب لتأسيس بنك مصر، وهو ما حدث بالفعل عام 1920.
على المستوى الاجتماعى، يذكر المؤرخ عبد الرحمن الرافعى، أن الثورة كان لها أثرها فى تطور النهضة الاجتماعية، وسلك المجتمع مراحل العمل والنهوض، فبدأ الشباب يؤلفون الجماعات والنوادى الرياضية، وتألفت فرق الكشافة المصرية فى المدن والأقاليم، وتأسست فى أبريل 1920 جمعية الكشافة، كما كان للثورة أثرها فى النهضة النسائية، فاعتياد النساء من وقتها تأليف المظاهرات، وإلقاءهن الخطب فى المجتمعات، وتأليفهن الجميعات، ونشر أرائهن وأبحاثهن فى الصحف والمجالات، ومساهمتهن فى تطور الحوادث العامة، كما كان للثورة أثر فعال فى النهضة التعاونية والنهضة العمالية، وتألفت أولى النقابات العمالية بعد الثورة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة