لم تكن زيارة الكاردينال ليوناردو ساندرى رئيس مجمع الكنائس الشرقية بالفاتيكان للقاهرة إلا حلقة جديدة فى سلسلة ممتدة من اللقاءات المشتركة والمتبادلة تؤرخ لعصر جديد بين دولة الفاتيكان والدولة المصرية.
الكاردينال الذى اختتم زيارته لمصر اليوم بلقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، كان قد قدم الأسبوع الماضى لحيى ذكرى أول حوار إسلامى مسيحى فى التاريخ الحديث، انطلق عام 1219 بين السلطان الملك الكامل حاكم مصر وقتها، وبين القديس فرنسيس الأسيزى مؤسس الرهبنة الكاثوليكية التابعة لكنيسة روما وذلك بمدينة دمياط حيث منحه السلطان تصريحاً كتابياً يخول له زيارة الأماكن المقدسة فى فلسطين التى كانت واقعة تحت حكم الكامل، ليؤسس "الأسيزى" بعدها الإقليم الشرقى الفرنسيسكاني.
لقاء السيسى وساندرى لبنة إضافية فى علاقات متينة
الكاردينال الفاتيكانى يرأس مجمع الكنائس الشرقية التابعة لدولة الفاتيكان، ومن بينها الكنيسة القبطية الكاثوليكية وكافة الكنائس الكاثوليكية فى مصر التى تتبع أقاليم وايبراشيات مختلفة، زار القصر الرئاسى بالاتحادية برفقة الأنبا إبراهيم اسحق بطريرك الكاثوليك وكذلك سفير الفاتيكان بالقاهرة، ليؤكد الرئيس المصرى على دعمه لوثيقة الإخوة الإنسانية التى وقعها بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر فى الإمارات الشهر الماضى ويؤكد عزم مصر على السير قدما فى ثقافة التسامح الدينى وقيم العيش المشترك مدللا على ذلك بافتتاحه مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية ميلاد المسيح فى يوم واحد.
البابا تواضروس والفاتيكان.. يوم للإخوة ووثيقة معمودية ولقاءات متبادلة
غير أن تلك الزيارة كانت المحطة الأخيرة فى أسبوع كامل قضاه ساندرى يتجول فى ربوع مصر، فقد بدأ زيارته بالقاهرة قادمًا من روما، والتقى البابا تواضروس بابا الإسكندرية ليحمل منه رسالة محبة جديدة لبابا الفاتيكان فى روما ويؤكد على عمق العلاقات بين البلدين ويجدد التأكيد على عزم الكنيسة القبطية استكمال مسيرتها الواضحة نحو التقارب المسيحى المسيحى، منذ بداية حبرية البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية حيث سجل البابا أول زيارة خارجية له عام 2013، ليكسر بها جفاف شهدته العلاقات القبطية الفاتيكانية التى تجمدت عند العام 1973 وتحديدا فى شهر مايو حين التقى البابا شنودة الثالث بابا الكنيسة الراحل، مع بابا الفاتيكان الراحل بولس السادس.
زيارة البابا تواضروس الأولى، كانت إشارة واضحة لبداية عصر جديد فى الكنيسة القبطية، عصر التقارب مع الكنائس الأخرى، كأعضاء فى جسد المسيح الواحد، إيمانا من البابا بالسعى نحو الوحدة المسيحية التى أكد عليها المسيح مؤسس الكنيسة الأولى ثم توالت الزيارات بين الفريقين حتى انتهت بزيارة بابا الفاتيكان لمصر عام 2017، والتى شهدت توقيع وثيقة المحبة الأخوية بين الكنيستين حيث نصت على سعى الكنيستين لقبول المعمودية بينهما، مما اعتبر تحول خطير فى تاريخ الكنيسة القبطية التى تتسم بالانغلاق والتقليدية.
كذلك فإن، البابا تواضروس والبابا فرنسيس أقرا يوم العاشر من مايو من كل عام يومًا للمحبة الأخوية بين الكنيستين، يتبادلان الوفود ويصليان معا صلاة مسيحية من أجل الوحدة الأولى فى دير الأنبا بيشوى حيث المقر الباباوى والثانية فى القصر الرسولى بروما فى دولة الفاتيكان، وهى الفكرة التى انطلقت إبان زيارة البابا تواضروس لروما حيث اتفقا على تخصيص يوم 10 مايو من كل عام يوم للمحبة والصداقة بين الكنيستين.
وعلى صعيد، العلاقات الإسلامية المسيحية، فقد تضمن جدول زيارة رئيس مجمع الكنائس الشرقية للقاهرة، زيارة للمؤسسة الأزهرية احتضنتها جمعية خريجى الأزهر لتصبح امتدادا لعودة الحوار بين الأزهر والفاتيكان بعد قطيعة دامت خمس سنوات تسبب فيها بابا الفاتيكان السابق، ثم أذاب الإمام الطيب فتور تلك الفترة بزيارته للفاتيكان عام 2016، ليصبح مجموع اللقاءات المتبادلة بين بابا الكنيسة الأكبر فى العالم، وإمام الجامع الأزهر خمسة لقاءات كان آخرها، توقيعهما معا وثيقة الإخوة الإنسانية بدولة الإمارات الشهر الماضى والتى نصت على نبذ العنف والتطرف والإرهاب باسم الدين الذى يروج له المتعصبون وجماعات العنف المسلح، وقد اعتبرت تلك الوثيقة امتدادا لوثيقة المجمع الفاتيكانى الثانى التى أطلقها الفاتيكان فى الستينات وغيرت العلاقة بين المسيحيين الكاثوليك وكافة المؤمنين من مسلمين ويهود.
مصر والفاتيكان علاقات ممتدة منذ 1947
تحتفظ مصر والفاتيكان بعلاقات ودية ومستقرة منذ بدء تبادل العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين فى 23 مايو 1947.
من جانبه، يرى الأنبا كيرلس وليم مطران أسيوط للأقباط الكاثوليك، إن وجود الرجال الثلاثة على رأس المؤسسات الدينية البابا فرنسيس فى الفاتيكان، والبابا تواضروس فى الكنيسة القبطية، والإمام الأكبر أحمد الطيب فى الجامع الأزهر، يجعل المناخ مهيئا لبدء حوارات محبة حقيقية بين أتباع الكنيسة القبطية والكنيسة الكاثوليكية من ناحية، وبين الأزهر والفاتيكان من ناحية أخرى خاصة فى ظل وجود الرئيس عبد الفتاح السيسى على رأس السلطة وهو الرجل الذى حقق طفرة حقيقية فى ملف التعايش السلمى بمصر على حد تعبير المطران.
فى السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ العام 2013، بدأت الدولة المصرية تلفتت للدور الدبلوماسى الذى تلعبه المؤسسات الدينية كقوى ناعمة، وأوكلت للشيخ والبابا الكثير من المهام التى تستهدف تصحيح صورة مصر للخارج بعد 30 يونيو، وصار الرجلين "الطيب" و"تواضروس" جناحين دبلوماسيين للتأكيد على توجهات الدولة الجديدة، وفى ظل وجود البابا فرنسيس على رأس القصر الرسولى، وهو البابا المعروف بتوجهاته الإصلاحية فى الفكر الدينى، فإن المستقبل القريب ينذر بتغييرات كبيرة فى ملف الحوار الدينى والتعايش السلمى، إذا ما تم استغلال تلك العلاقات بشكل جيد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة