تواصل إدارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، سياساتها المعادية للقضية الفلسطينية. فبعد تحركها الأكثر إثارة للجدل فى تاريخ السياسة الأمريكية تجاه القضية حيث نقل السفارة الامريكية من تل أبيب إلى القدس معترفة بالأخيرة كعاصمة لإسرائيل، اتخذت إدارة ترامب مزيد من الخطوات المحبطة للشعب الفلسطينى.
وتنفيذا لقرار أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكى، مايك بومبيو، فى أكتوبر 2018، تم إغلاق القنصلية الأمريكية فى القدس أو كما تصفه إدارة ترامب دمج القنصلية مع السفارة الأمريكية فى القدس، مما يعنى خفض التمثيل الدبلوماسى الأمريكى فى فلسطين.
وقالت وكالة الاسوشيتدبرس، الأمريكية، أن التواصل الآن مع الفلسطينيين سيتم عبر السفارة الأمريكية التى تم نقلها العام الماضى، إلى القدس بإعتبارها عاصمة لإسرائيل. ذلك فى حين أن القنصلية التى أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، غلقها، عملت لسنوات كمركز رئيسى للعلاقات الأمريكية - الفلسطينية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية روبرت بالادينو للاسوشيتدبرس: "لقد كان هذا القرار مدفوعًا بجهودنا العالمية لزيادة كفاءة وفعالية شراكتنا الدبلوماسية وعملياتنا". مضيفا"لا يشير ذلك إلى تغيير فى سياسة الولايات المتحدة بشأن القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة".
لكن هذا لم يكن رأى الأسوشيتدبرس وحدها، فمنذ الإعلان عن القرار حذر مسئولون أمريكيون سابقون من الخطوة، بإعتبارها خاطئة وتشير إلى أن الرئيس ترامب يدفع الصراع الإسرائيلى الفلسطينى نحو حل الدولة الواحدة وليس حل الدولتين المدعوم دوليا.
وأعتبر هادى عمر وإيلان جولدينبيرج، المسئولان السابقان فى إدارة الرئيس باراك أوباما، فى تعليقات لمجلة فورين بوليسى، القرار بأنه ضربة كبيرة جديدة لعملية السلام، إذ أن القنصلية التى تم افتتاحها عام 1844 عملت كمنصة اتصالات رئيسية مع الشعب والقادة الفلسطينيين. وقالا إن ما هو مؤكد هو أن سعى ترامب إلى "اتفاق نهائى" فى هذه المرحلة هو "مناف للعقل".
وبينما يبدو أمر الدمج ذو فاعلية من الجانب الإدارى، إلا أنه يلحق ضررا كبيرا بقدرة الولايات المتحدة على العمل كوسيط فى الصراع، ويشكل ضربة قوية لآفاق السلام من خلال حل الدولتين. وأوضح عمر وإيلان، اللذان عملا كمساعدين للمبعوث الأمريكى الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، أن التحرك يعنى أن واشنطن تتعامل مع جميع المعنيين، العرب واليهود والإسرائيليين والفلسطينيين، ككيانًا سياسيًا واحدًا بين النهر والبحر.
فبعد أن اسندت واشنطن لسفيرها لإسرائيل دور المحاور الأساسى مع الفلسطينيين، فإنها تبعت رسالة واضحة: بأن الولايات المتحدة لم تعد تسعى حقاً إلى حل الدولتين وستتعامل مع الإسرائيليين والفلسطينيين ككيان سياسى واحد بدلاً من ذلك. كما أن هناك سؤالا حاسما يتعلق بالسفير الامريكى نفسه وهو هل سيقدم ديفيد فريدمان، الذى لديه تاريخ طويل من دعم اليمين المتشدد، وجهات نظر متوازنة لواشنطن بشأن الجانبين؟.
وسيؤدى هذا التغيير إلى إلحاق ضرر أكبر بقدرة الولايات المتحدة على التأثير فى الأحداث على الأرض وسيضر بالعلاقات الأمريكية مع الفلسطينيين، يقول عمر وإيلان. وقد أظهر استطلاع حديث أجراه المركز الفلسطينى لأبحاث السياسات والمسوحات أن 90٪ من الفلسطينيين يعتقدون أن ترامب متحيز ضدهم، كما أن السلطة الفلسطينية رفضت مقابلة مسؤولين أمريكيين منذ قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ومع ذلك يشير المسئولون السابقون إلى أن تأكيد الخارجية الأمريكية بأن الدمج "لا يشير إلى تغيير فى سياسة الولايات المتحدة بشأن القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة... وأن الحدود المحددة للسيادة الإسرائيلية فى القدس تخضع لمفاوضات الوضع النهائى بين الطرفين " بإعتباره أمرا جيدا.
لكن الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات، فلقد اتخذ الرئيس الأمريكى الكثير من القرارات التى تمثل ضربة لعلاقته بالفلسطينيين، ففضلا عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل قام خلال العام الماضى إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن وإلغاء تمويل الاجئين الفلسطينيين وإلغاء المساعدات للضفة الغربية وغزة، مما يجعل المستحيل الآن على الولايات المتحدة أن تلعب دورًا محوريًا فى السعى إلى التوصل إلى اتفاق سلام.