مر بناء مطار دبى بالعديد من المحطات التى سردها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبى، من خلال كتابه "قصتى"، منذ الموافقة على بنائه حتى وصوله إلى أكبر مطارات العالم فى العام الحالى.
نشر موقع الإمارات اليوم، بالصوت والصورة مقتطفات من كتاب سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبى "قصتى"، والتى سرد من خلالها قصة بناء مطار دبى.
قال محمد بن راشد فى كتابه "قصتى":"شكلت رحلتى الأولى إلى لندن فى صيف 1959 مع والدى، محطة فارقة فى طفولتى أحببت لندن قبل الوصول إليها، وصفتها لى والدتى عندما أخبرتى عن الخضرة الممتدة على مد البصر، والأشجار التى تملا الشوارع، أخبرتنى أننا سننام فى مبنى شاهق لأن الجو هناك يناسبه النوم فى الداخل وليس كما نفعل فى دبى ننام على السطح".
وأضاف:"اخبرتنى والدتى عن الأعداد الكبيرة من البشر التى تعج بهم لندن، وملابسهم التى تشبه ملابس الضباط الإنجليز، أخبرتنى عن سباقات الخيول فى تلك البلاد، كانت والدتى تحمسنى عن الرحلة المرتقبة وابتاعت لى كندورتى جديدتين، وسترة جميلة".
وتابع:"أما والدى فكانت له نظره آخرى، قضى والدى الأيام القليلة قبل الرحلة فى صمت، كان يفكر كيف سيطرح الكثير من المواضيع، وكيف يستطع العودة من لندن بأكثر عدد من المكاسب، كانت علاقتنا مع البريطانيين باردة وتتميز بالمجاملة ظاهريا ولكن فى قرارة أنفسنا، كنا ننتظر اليوم الذى يرحلون فيه عن بلادنا، حكمتنا معهم معاهدات واتفاقيات نتولى من خلالها شئوننا الداخلية ويتولون هم الشئون الخارجية والدفاع، لم يكن يقطع صمت والدى إلا أسئلتى الكثيرة من سنقابل، سنقابل رئيس الوزراء يا محمد، ومن هو رئيس الوزراء هو مثل الشيخ عندنا، ولكن ما هو دور الملكة، هى شيخه أيضا ولكن رئيس الوزراء هو الأهم، وماذا سنناقش، أريدك يا محمد أن تركز فى كافة النقاشات وتنتبه إلى ما يقوله المترجم، سنناقش العديد من الأمور المهمة نريد مطارا فى دبى، ونناقش قضايا آخرى ونعم يا أبى نريد مطارا فى دبى".
واستطرد:"كانت الطائرات القادمة إلى دبى تنزل فى مياه الخور، ولم يكن يمكن استقبال الطائرات التجارية الكبيرة فى خلال الخور، كنا نستخدم مطار الشارقة، وكان والدى يريد بناء مهبط للطائرات مكان المطار الحالى، وكان البريطانيون يرفضون إنشاء مطار فى دبى بحجة كفاية مطار الشارقة، حيث توجد قاعدتهم العسكرية، كانت نظرتهم أمنية وكانت نظرتنا تنموية، وكانت رحلة لندن محورية لحسم ذلك الملف".
وأكمل:"كان السفر إلى الخارج أمر محفوفا بالمشاق إذا كان يستغرق لعده أيام، والعديد من رحلات الربط والتوقف الاجبارى فى عدة مطارات، وصلت إلى لندن وقف وراء والدى اترقب بابا الطائرة وهو يفتح، وقبل أن أراها من أمام قامة والدى الطويلة رحبت بى انجلترا بطريقتها الخاصة، بنفحة من الهواء البارد الجاف، كان المطار كأن مستعمرة نمل يكتظ بالأعداد الهائلة من الناس يمشون بسرعة للحاق برحلاتهم، وكان يقفون فى صفوف طويلة للخروج من لندن أو الخروج منها، وكان مظهر المطار مذهلا ومهيبا يعبر عن قوة لندن وضخامة حركاتها الاقتصادية، كان يكفى أن ترى المطار لتحترم هذه الدولة".
وأشار:"لا أدرى لماذا ارتبطت حركة المطار فى ذهنى فى ذلك الحين بقوة الدولة أو المدينة التى يمثلها، المطار يمثل الواجهة والقوة والتجارة، ورغبة الملايين فى زيارة هذه المدينة نحن اليوم هنا لنحاول بناء مطارنا فى دبى، وهل سيكون مطارنا فى يوم من الأيام مثل مطار لندن، ولكنى كنت أعرف شيئا واحدا لسنا أقل من الآخرين".
وأوضح:"صافحنا عدد من الأشخاص قبل أن نركب السيارات التى كانت فى انتظارنا، وطوال تلك الفترة كان الشيخ مكتوم الذى رافقنا يتوقف ليدفعنى للسير أمامه، وإن لم يفعل ذلك كنت سأظل واقفا فى مكانى لشدة الذهول، طول الطريق جلست وأنفسى ملتصقة بالنافذة كانت أمى على محقة كلها خضراء لا وصف كافى ليجعلنى أتخيل ذلك المكان خلال طريقنا إلى الفندق.
وأكد:"عندما وصلنا على غرفتنا جلس والدى على سريره، كان يبدو عليه الانشغال الذهنى والتفكير العميقـ استيقظت صباحا، ولكن بعد ليل صاخب لم يهدأ، كانت صفارات الأنذار والحريق تقلق نومى، فتحت عينى لأرى والدى يبتسم فى وجهى بعينيى، وقال لى محمد تعال أغتسل وصلى وارتدى ملا بسك يجب أن نقابل رئيس الوزراء، عندما وصلنا إلى مقر رئاسة الوزراء فى لندن، طلب منى الجلوس مقابل رئيس الوزراء أن ذاك هارون ماكملون، أو الشيخ ماكملون، كنت أتتبع حركاته هذا القائد وأدرسها باهتمام، شعرت بالاستفزاز عندما رأيته يرفع ساقه ويضعها فوق الآخرى، وكانت تلك إهانة كبيرة فى الجزيرة العربية، أن تضع ساقاً فوق الآخرى فى وجه الضيف، فقد كان ذلك السلوك ينبأ عن نظرة استعلاء تجاه الضيف، كنت مستعد أن أتعامل مع الرجل لتصحيح ذلك الخطأ الجسيم، قبل أن ألاحظ والدى والذى جلس على يمينه وليس مقابله، عندها تنفست الصعداء وشعرت براحه، كان صوت تنهيدى مسموعا لدرجة أن والدى قرأ أفكارى وابتسم فى وجهى ابتسامه صارمة ولكن مشجعه".
واستكمل:"تذكرت حينها بأن على أن أجلس باستقامة وأن استمع جيدا، انصت باهتمام إلى المترجم المهذب الذى كان يترجم نقاشهما حول موضوع مهبط الطائرات، كان والدى حازما خلال النقاش وحول قدرة دبى على تشغيل المطار واحتياجاتها المتزايدة لتكون مربوطة بخطوط طيران مباشرة مع كل بقية دول العالم.
واختتم:"وفى ختام نقاش طويل، حصلنا على الموافقة لبناء مهبط جديد، كنت من اكثر الناس حماسة لإنشاء مطار جديد فى دبى، وبعد سنوات من إنشاء المطار فى السبعينات كلفنى والدى بقيادة التطوير فى مطار دبى أضفت الكثير من المبانى، وأعلنت سياسة الأجواء المفتوحة وربطت ذلك مع تطوير السياحة عبر تطوير أول استراتيجية سياحية فى دبى، أنشأنا طيران الإمارات، وبذلنا جهودنا كبيرا لتطوير مطار دبى وجعله نقطة ربط عالمية، اليوم تستقبل مطاراتنا أكبر عدد من المسافرين الدوليين على مستوى مطارات العالم وتستقبل مدننا بأكثر من 20 مليون سائح عالميا، وتزدحم أجوائنا بأكثر من 110 شركة طيران تربطنا بدول العالم، المستحيل وجهة نظر والعالم يفتح الابواب لمن يعرف ماذا يريد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة