"حرية التعبير" شعار جديد تبناه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى تصريحات أدلى بها مؤخرا، دافع خلالها عن ضرورة حماية حق الشباب الجامعى والدارسين فى التعبير عن أرائهم السياسية، وذلك فى إطار تعليقه على تعرض أحد النشطاء المحافظين، ويدعى هايدن جيمس، للكم فى جامعة كاليفورنيا الشهر الماضى، بسبب محاولته استقطاب الطلاب لجماعة محافظة تحمل برنامجا مؤيدا للإدارة الحالية، مؤكدا أنه سوف يستصدر أمرا تنفيذيا لحماية "حرية التعبير" فى الجامعات، وإلا يتم حرمانها من التمويلات البحثية التى تقدمها الحكومة، والتى تقدر بملايين الدولارات.
موقف ترامب من "حرية التعبير" فى الجامعات يبدو متعارضا مع مواقف سابقة، تبنى فيها نهجا متشددا تجاه عددا من الشخصيات التى أعربت عن أراء معارضة له، حيث دعا صراحة إلى استبعاد لاعبو كرة القدم الأمريكيين، الذين أعربوا عن امتعاضهم جراء سياسات إدارته، عبر رفع أيديهم أو الجلوس أثناء عزف النشيد الوطنى الأمريكى خلال مباريات فى العام الماضى، ليس فقط من سجلات اللعبة، ولكن أيضا من الأراضى الأمريكية، معتبرا أنه ينبغى عليها الوقوف احتراما وتبجيلا أثناء عزف النشيد الوطنى للبلاد، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول الهدف وراء دعوته الجديدة، والتى تتناقض مع النهج الذى تتبناه الإدارة الحالية، والتى تبدو متشددة تجاه العديد من المبادئ الليبرالية.
ليست مصادفة.. الجامعات تحظى بزخم سياسى فى الشارع الأمريكى
ولعل تخصيص الجامعات، فى الدعوة الرئاسية الأمريكية، لحرية التعبير، لا تبدو مصادفة غير مقصودة، فى ظل ما تحظى به الجامعات الأمريكية من زخم سياسى، يمكنه التأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية، وهو الأمر الذى يبدو واضحا فى استهداف طلبة الجامعات من قبل الساسة فى مختلف المناسبات الانتخابية، سواء عبر البرامج الانتخابية، أو حتى استخدام الأساتذة والأكاديميين، فى الترويج لأجندات حزبية بعينها، وكذلك تقديم تمويلات لمرشحى الأحزاب، وغالبا ما يكونوا من المنتمين للحزب الديمقراطى.
ترامب والناشط هايدن جيمس
فلو نظرنا إلى المرشح السابق للرئاسة الأمريكية بيرنى ساندرز، نجد أنه سعى إلى مغازلة طلبة الجامعات الأمريكية فى البرنامج الذى قدمه إبان الانتخابات التمهيدية للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطى فى عام 2016، عبر تبنى مشروع يقوم على "مجانية التعليم الجامعى"، وهو المشروع الذى تبنته بعد ذلك منافسته هيلارى كلينتون، فى برنامجها أمام المرشح الجمهورى آنذاك دونالد ترامب، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لأهمية المجتمع الجامعى وثقله الكبير فى شتى المناسبات الانتخابية بالولايات المتحدة.
ولم تتوقف أهمية الجامعات فى الساحة السياسية الأمريكية على مجرد الأصوات التى يحصل عليها المرشحون، وإنما تمتد كذلك إلى التمويلات الضخمة التى تحصل عليها الحملات الانتخابية من قبل بعض الجامعات التى تحمل أجندات سياسية. فبحسب تقرير سابق لصحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية، نشر العام الماضى، فإن جامعات "رابطة اللبلاب" قدمت دعما لا يقل عن 190 ألف دولار لعدد من الحملات لمرشحين ديمقراطيين، نافسوا خلال انتخابات التجديد النصفى الأخيرة، والتى عقدت فى نوفمبر الماضى، والتى تمكن فيها الحزب الديمقراطى من استعادة أغلبية مقاعد مجلس النواب.
أرض جديدة للمعركة.. سلاح المال وسيلة ترامب لاستقطاب الطلاب
وهنا تصبح الجامعات فى الولايات المتحدة بمثابة أرض جديدة للمعركة التى يخوضها الرئيس ترامب، ضد خصومه الديمقراطيين، قبل انتخابات الرئاسة القادمة فى 2020، عبر نشطاء يحملون أجندات تتواءم مع رؤيته السياسية، يمكن استخدامهم لاستقطاب المزيد من الطلاب فى المرحلة المقبلة، وبالتالى إنهاء السيطرة الديمقراطية على الجامعات الأمريكية، والتى دامت لعقود طويلة من الزمن، وهو الأمر الذى يفسر الحماسة التى أبداها الرئيس الأمريكى فى الدفاع عن "حرية التعبير" فى تصريحاته الأخيرة.
جانب من الطلاب الأمريكيين المحافظين فى نادى كاليفورنيا كوليدج
ويمثل حديث ترامب عن الجامعات فى الولايات المتحدة امتدادا لجهود بدأها فى الأشهر الماضية، كانت تستهدف استغلال حالة الاستياء لدى الطلاب، قامت فى الأساس على استقطاب طلبة الجامعة، بطرق عدة، منها سلاح المال، حيث ظهرت مؤخرا مؤسسات محافظة تقدم إعانات للطلاب فى صورة قروض، بينما تستغل حالة الاستياء لدى الطلاب جراء بعض القضايا من أجل إضفاء انطباع عام لديهم بأنهم يشاطرونهم نفس المشاعر والرغبات فى تحقيق ما يرونه إصلاحا سواء للنظام التعليمى فى الجامعات أو سلوكيات بعض الأكاديميين التى تثير استيائهم.
ففى مايو الماضى، رصدت مؤسسات بحثية زيادة كبيرة فى أعداد الطلاب الذين يحرصون على حضور اجتماعات نادى "كليفورنيا كوليدج"، والمعروف بميوله المحافظة – رغم انفصاله الرسمى – عن الحزب الجمهورى – وذلك فى أعقاب حالة عامة من الاستياء لدى طلبة جامعة كاليفورنيا إثر اعتداء أحد الأساتذة الليبراليين، فى فبراير 2018، على طالب بسبب ميوله المحافظة، بينما لم تتخذ السلطات الأمريكية أية إجراءات بصدده.
الدعم المحايد.. ترامب يسعى لاستقطاب التأييد عبر "المتعاطفين"
ويبدو ملفتا للانتباه أن الرئيس الأمريكى بات يعتمد على من يمكننا تسميتهم بـ"المتعاطفين" مع سياساته، سواء من النشطاء أو المؤسسات الذين يعملون للترويج لصالح الإدارة الحالية دون أن يكونوا محسوبين رسميا على الحزب الجمهورى، مما يضفى عليها قدرا أكبر من المصداقية فى مواجهة الطلاب، حيث أن ابتعادها عن المظلة الحزبية رسميا يبرئها تماما من لعبة "المصالح السياسية" التى تتبناها الأحزاب، حيث تقدم أجنداتهم ما يمكننا تسميته بـ"الدعم" المحايد لسياسات الإدارة الحالية، وذلك على عكس حملات الديمقراطيين، والذين يعتمدون دائما على نشطاء وأكاديميين معروفين بميولهم الحزبية الصريحة.
ترامب يحشد الجامعات فى صراعه مع الديمقراطيين
ويأتى اعتماد ترامب على كيانات مستقلة حزبيا فى استقطاب الطلاب فى إطار سعيه إلى توسيع الدعم الذى يحظى به ليتخطى المظلة التى يقدمها له الحزب الجمهورى، وهو الأمر الذى يبدو واضحا فى العديد من الخطابات والتصريحات، التى سعى خلالها الرئيس الأمريكى لوضع نفسه "فوق الأحزاب"، عبر تبنى سياسات عدة ربما لاقت معارضة جمهورية تضاهى معارضة الخصوم الديمقراطيين، وعلى رأسها قرار الانسحاب من سوريا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة