الكتابة تحرر النفس، وتفك قيود التخلف، ومحاولة لصناعة المجد والوعى للمجتمع، من خلالها يقدم المبدع أو الكاتب خلاصة فكره أو دراسته للإنسانية من أجل الوصول إلى أهداف سامية تخدم الجميع.
لكن يبدو أن أعمالاً ودراسات قدمها البعض كانت سببًا فى خذلان كبير لأصحابها، سواء كانت بمنعهم من الحصول على درجة علمية، أو منع حصولهم على جائزة رفيعة المستوى، أو كانت سببًا فى اتهامهم بالإلحاد والتكفير، وفتح عليهم باب من المشاكل لا ينتهى.
العديد من الكتاب والمفكرين المصريين واجهوا أزمات بسبب أعمالهم "المحرمة" من النقاش التى رفضت حين صدورها، وواجهت أزمات أثرت على أصحابها إلى ما بعد الرحيل.
"نقد الفكر الدينى" يحرم نصر حامد أبو زيد من لقب "أستاذ"
نقد الفكر الدينى
"نقد الخطاب الدينى" كان ذلك الاسم الذى عنون به المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد، رسالته لنيل درجة أستاذ فى قسم اللغة العربية، الذى تقدم بها للجنة العلمية فى جامعة القاهرة خلال العام الدراسى فى عام 1992، وذلك حسبما تدور الأعراف الأكاديمية بأن يحصل الباحث على ترقياته العلمية عبر خطوات معروفة ومحددة، حيث تقدم أبو زيد ببحثه إلى لجنة من كبار الأكاديميين لتعتمده ونشره كتابًا أكاديميًا يدرسه الطلبة كمقرر علمى.
تقدم "أبو زيد" بالفعل إلى لجنة الترقيات ببحثه الذى يحمل العنوان سالف الذكر، وكانت تضم فى عضويته كلاً من "عبد الصبور شاهين، ومحمد عونى عبد الرؤوف، ومحمود مكى".
وفى حين أشاد كل من مكى وعبد الرؤوف بالبحث، وقدما تقريرًا يشيد بمنهجية أبو زيد العلمية، كان موقف عبد الصبور شاهين، على النقيض تمامًا، بل إنه لم يتطرق لمنهجية البحث ومدى دقته البحثية والعلمية، لكنه لجأ إلى التفتيش فى عقيدة أبو زيد، متهمًا إياه بالتشكيك فى الغيبيات وتمجيد الماركسية.
دراسة نصر حامد أبو زيد، لم تقف عند حدود باب الجماعة فقط، بل وصلت إلى حد إصدار المحكمة حكما شرعيًا بتفريقه عن زوجته، إلا أن أبو زيد اتخذ قراره بترك مصر موليًا شطر هولندا التى عينته أستاذ كرسي فى جامعة ليدن.
بسبب "الله والإنسان" اتهام مصطفى محمود بالإلحاد
كتاب الله والإنسان
فى مارس عام 1957، بدأ المفكر الدكتور مصطفى محمود، بكورة مشروعه الفكرى بإصدار كتابه الأول "الله والإنسان"، ناقش فيه الراحل عددًا من المشاكل الفكرية النابعة من إمكانية وجود تعارض بين العلم المادى، الذى كان يدرسه بكلية الطب، وبين وجود الله.
الكتاب واجه هجومًا شديدًا، ووصل الأمر إلى حد إصدار الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، قرارًا بمحاكمته جراء إصداره ذلك الكتاب وذلك بعد طلب الأزهر الشريف واتهامه بالكفر، ولكن اكتفت المحكمة بمصادرة الكتاب فقط، كما انتقد المفتى، الإمام حسن المأمون، ما كتبه المفكر الكبير بكتابه عندما طعن فى الذًات الإلهية، جاء ذلك قبل أن يقوم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بإعادة إصدار الكتاب مرة أخرى وذلك بسبب إعجابه الشديد به وبفكره.
"الأحاديث الأربعة" سبب أزمة بين الشعراوى وتوفيق الحكيم
الأحاديث الأربعة
قبل نحو أكثر 40 عاما، اندلعت معركة فكرية كبيرة، بين الأديب الكبير توفيق الحكيم، يسانده فيها الأديب الراحل يوسف إدريس، من جانب، وعلى الجانب الآخر الشيخ محمد متولى الشعراوى، وذلك بعدما نشر الحكيم مقالات تحت عنوان "حديث إلى الله"، والتى نشرت فيما بعد فى كتاب بعنوان "الأحاديث الأربعة" كتبه توفيق الحكيم متخيلاً حديثًا دار بينه والله، متسائلاً أحيانًا ومجيبًا حينًا.
المقالات حين نشرها الحكيم، واجهت هجومًا شديدًا، واعتبارها البعض تحمل تطاولا على الذات الإلهية، وأن الحكيم أساء استخدام إبداعه بنقل كلمات على لسان الله.
ويوضح الكاتب الصحفى أنور عبد اللطيف، فى مقالة له سابقة، نشرتها جريدة الأهرام، بعنوان "إنها الحرب.. بين الشعراوى وتوفيق الحكيم"، إن رجال الدين اعتبروا أن هذا الحديث الذى بدأه الحكيم بـ"حديث مع الله" يمثل تطاولاً على الذات الإلهية، فهو يتخيل أن الله يرد عليه ويجيب على أسئلته مباشرة، وأصدر فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى بيانًا صحفيًا بجريدة اللواء الإسلامى "يطالب فيه بندوة للمناظرة يحضرها كل من توفيق الحكيم ويوسف إدريس وزكى نجيب محمود"، وكان طلب الشيخ الشعراوى لهذه المناظرة مع تلك الأسماء، بالحوار من اعتبرهم "متطاولين".
قصيدة "شرفة ليلى مراد" تتسبب فى سحب جائزة الدولة من حلمى سالم
نشر مقاطع من قصيدة "شرفة ليلى مراد" للشاعر الراحل حلمى سالم، بمجلة إبداع فى عددها الأول شتاء عام 2007، هو ما أدى إلى تقديم الداعية الإسلامى يوسف البدرى و18 محاميًا بلاغًا يتهم الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى مدير تحرير المجلة آنذاك، والشاعر الراحل حلمى سالم بنشر الكفر والإلحاد.
كما صدر حكم فى أبريل 2008 من محكمة القضاء الإدارى المصرية يطالب وزارة الثقافة بسحب منح جائزة التفوق للشاعر حلمى سالم بدعوى "إساءته للذات الإلهية"، وفى نوفمبر من نفس العام قام عدد من المحامين بتقديم دعوى أخرى تطالب بتطبيق سحب الجائزة من حلمى سالم ورد قيمتها نحو 8 آلاف دولار إلى خزينة الدولة، رغم تقديم المجلس الأعلى للثقافة بالطعن على الحكم، حيث رأوا أن الطعن فى الحكم لا يمنع تنفيذه.