قال الكاتب اللبنانى الكبير إلياس خورى، إن مهمة الأدب اليوم، هى استنطاق الألم، والمغتصبات فى سجون داعش، وكل ما نعيشه من معاناة، لأن من يشعر بالألم لا يمكنه البوح بما تعرض له.
جاء ذلك خلال كلمة الكاتب اللبنانى الكبير إلياس خورى، عقب تكريمه باعتباره ضيف شرف ملتقى تونس للرواية العربية، فى دورته الثانية، والذى يعقد تحت شعار "قضايا البشرة السوداء فى الرواية"، وجاءت كلمة إلياس خورى تحت عنوان "معنى الكتابة الروائية فى زمن الألم العربى".
وفى بداية حفل التكريم، ألقى الكاتب التونسى كمال الرياحى، مدير بيت الرواية، فى تونس، والجهة المنظمة لملتقى تونس للرواية العربية، كلمة ترحيبية بالكاتب إلياس خورى، والذى يعد أحد رموز الرواية العربية واللبنانية، كما وجه الشكر إلى الجمهور الكبير الذى حرص على حضور فعاليات الملتقى منذ انطلاقه.
وعقب ذلك، ألقى الكاتب والناقد السورى نبيل سليمان، كلمة فى محبة وتكريم الكاتب إلياس خورى، وقال نبيل سليمان: للمبدع الذى يكرمنا برواية، أو مما يكون علامة فارقة فى الإبداع، عليه حق أن نكرمه، فكيف إذا كان هذا المبدع هو إلياس خورى، فهو من يكفيه أنه كرمنا برواية "باب الشمس"، بل برواية "الجبل الصغير"، بل برواية "كأنها نائمة"، بل بالكثير، فلقد أضاف إلى حياتنا برواياته الكثير والكثير، وبشر إبداعه ووعد فلسطين بالمستقبل والإنسانية.
وأشار نبيل سليمان إلى ما قاله إلياس خورى من قبل: "لم يكن لدى مثال، كتبت كرجل أعمى"، مضيفا: فهو من حثنا على الكتابة على غير مثال، مؤكدا على أن خير ما نكرم به المبدع أو المبدعة، هو أن نقرأ أعماله، وكما دعا هو دوما أن نقرأ بالعين الناقدة.
وعقب إلقاء الكاتب والناقد نبيل سليمان لكلمته التكريمية، قام الكاتب الفلسطينى توفيق فياض بتقديم درع تكريم ملتقى تونس للرواية العربية، فى دورته الثانية، إلى الكاتب اللبنانى الكبير إلياس خورى.
وقبل أن يلقى إلياس خورى، كلمته المعنونة بـ"معنى الكتابة الروائية فى زمن الألم العربى"، أشار إلى أن لديه ملاحظات منذ قدومه إلى تونس للمشاركة فى ملتقى تونس للرواية العربية، الأولى هى "أننى أكثر من سعيد، ومندهش بهذا الملتقى المتفرد، والذى يعالج قضية مسكوت عنه فى القضايا العربية، وشعرت هنا فى بيت الرواية، أنه إذا كان للربيع العربى معنى، فهو يجب أن يتجسد فى الثقافة، التى تكسر المحرمات، وتعالج القضايا، فمن دون أن نحدث تغييرا فى الثقافة، فلا معنى لما نفعله، ولقد أحسست وأنا هنا فى مهد الربيع العربي، تونس، أنه بدأ يؤتى ثماره.
أما الملاحظة الثانية، فقال إلياس خورى: إننا نعيش اليوم العبودية، فربما كنا جميعا عبيدا للاستبداد، وأن صيحتنا من أجل الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية، هى صرخة مهما سال فى سبيلها الدماء والأرواح، فهى شعلة مازلت لم تنطفئ.
أما الملاحظة الثالثة، فأوضح إلياس خورى، أنها تتعلق بما سمعه فى ملتقى تونس للرواية العربية منذ بدايته، مضيفا: "جعلنى أشعر بأن هناك أمل فى أن نكسر هذا الجدار الجاثم فوق صدورنا".
وحول كلمته المعنونة بـ"معنى الكتابة الروائية فى زمن الألم العربى"، والتى حظيت بإعجاب وتقدير جمهور الملتقى، فركز إلياس خورى خلالها على عدة نقاط، منها أنه أوضح أن طموح المؤلف هو أن ينمحى، وأن يتألق أبطال رواياته، ويتذكرها الناس فيما بعد.
وقال صاحب "باب الشمس": فى عملى الروائى كانت مسألة كيف وأين تبدأ الحكاية، هى السؤال، ففى ألف ليلة وليلة، لا تنتهى الحكاية، فهى تتولد دوما، وهذا ما علمنا إياه "بورخيس" وهو يقرأ هذا الكتاب، فبداية الحكاية هى المسألة، وإن الحكايات لا نهايات لها، وهذا يعنى أيضا أنه لا بداية لها، لذا يصبح السؤال عن البداية، فالسؤال عن البداية لا معنى له، إلا بصفته سؤالا عن إطار الحكاية.
ورأى إلياس خورى أن السؤال الذى يفترض أن يشغل كتاب الأدب والرواية تحديدا الآن، هو كيف نبدأ حين تتفكك الأطر الثقافية والأيديولوجية والاجتماعية من حولنا، موضحا أنه فى ظل ضعف الدراسات الاجتماعية فى واقعنا الحاضر، فإن الرواية تقدم لنا ما ينقصنا.
وأشار إلياس خورى إلى أنه حينما يكتب، فهو يكتب كالعاشق، موضحا أنه بعدما تقدم به العمر، صار يعى جيدا أن العشق هو التجربة الكبرى التى تغذى أرواحنا، وهو ما يجعله متورطا على المستوى العاطفى مع شخصياته الروائية، وأن كل تجربة يخوضها تترك فيه أثرًا عميقا.
وردا على سؤال وجهه إليه الجمهور، إذا ما شعر يوما بأنه بعد تجربته الطويلة، وجد أنه كان يقرأ العالم من الزاوية أو المكان الخطأ، قال إلياس خورى: إذا شئتم، فلقد ولدت فى المكان الخطأ، وبالتالى فأنا جزء من المكان الخطأ، وقد بدأ التاريخ البشرى كما تعلمنا الكتب بالخطـأ أيضًا، فالخطأ هو سمة عامة فينا جميعا، ولقد حاولت أن أقرأ من المكان الذى ولدت وعشت فيه، وهو مكان لبنانى وفلسطينى وسورى، وهذه بلادى، وهذه تجربتى، وحاولت أن اكتشف بلادى، فوجدت أننى لا أعرفها، وحاولت أن أتعلم كيف نحب الناس، وكذلك نحب أخطائهم.
وأشار إلياس خورى، إلى أنه يحب جميع شخصيات رواياته، بما فيهم شخصية المغتصب، المنحل أخلاقيا، لافتا إلى أنه حينما بدأ الكتابة فى رواية "يالو" كان يكره هذه الشخصية جدا، ومع تطور أحداث الرواية، تغيرت علاقته به، ثم صارا صديقين حتى اليوم، موضحا أن الخطأ فى شخصية "يالو" هو خطأ المجتمع والتاريخ، والجريمة، التى تحيط ببلادنا منذ زمن طويل.
وأكد إلياس خورى، على رفضه الشديد لما يوصف به، بأنه يكتب عن الحرب اللبنانية الأهلية، لافتا إلى أنه لم يقصد الكتابة عن الحرب على الإطلاق، بقدر ما يكتب عن الحياة فى الحرب، وبحر الدم الذى يحيط بنا، مشددا على أنه يفضل كتابة القصص السخيفة بدل الكتابة عن الحرب.
وحول الأدب الفلسطينى والإسرائيلى، أشار إلياس خورى، إلى أنه اكتشف أن الأدب الفلسطينى يتفوق أخلاقيا على الأدب الإسرائيلى، ففى الأدب الإسرائيلى، لا يوجد أى ذكر للمواطن الفلسطينى، فهو إما أخرس، أو بدوى، أو مجنون، أو طفل لا يفقه شيئا، وهو أمر طبيعى؛ لأن الأدب الإسرائيلى فى اللحظة التى يعترف فيها بوجود الفلسطينى يفقد ما يعتقد بشرعية وجوده، فى حين أننا نعتقد على العكس، ونرى أن مأساتنا تتسع للعالم، مشددا على أنه يجب الحفاظ على أن يظل الأدب الفلسطينى متفوقا على الإسرائيلى على هذا النحو، لأن معركتنا ليست فقط سياسية، بل أخلاقية أيضا.
وبسؤاله عمن تأثره بهم مثل "ساراماجو"، أكد إلياس خورى على أنه تأثر بجميع من قرأ لهم منذ صغره، مضيفا "لم أترك أحدا إلا وتأثرت به وكلما كنت أقرأ رواية كنت أشعر أننى كاتبها حتى صرت كاتبا لكل كتب العالم، حتى الكتب الرديئة للمنفلوطى وإحسان عبد القدوس تأثرت بهم وكنت ألتهم كتبهم، ومن هنا فالتعلم من الكتاب ضرورة".
ورأى إلياس خورى، أنه على الكاتب أن يستنطق الصمت، والضحايا، والألم العظيم، لأنه الألم ينتج اختناقا فى الكلام، فكيف نجعل الألم يحكى، وبرأيى أن الثقافة العربية اليوم تعيش هذا الألم، وعلينا أن نعى كيف نذهب إلى البحث، ليس لكى نكتب عن الضحايا، بل لكى نكتب معهم، وبالتماهى مهم، ولكى نصير جزًا منهم.
وأوضح إلياس خورى، أن من عاش تجربة الألم العظيم، لا يمكنه البوح أو الحكى عما تعرض له، مثل المغتصبات فى سجون داعش، متسائلا عن كيفية استنطاق هؤلاء، وكيف نستنطق من لقوا حتفهم فى البحر الأبيض المتوسط، مضيفا: أعتقد أن هذا هو الطريق الذى يمكنا من اكتشاف المعنى، فالأدب يقدم معرفة، والذى لا يقدم معرفة فلا معنى له، وهذا هو واجب كل من يكتب أشكال الأدب، خاصة وأن العلوم الإنسانية لا تقوم بدورها.
ورأى إلياس خورى، أن هناك نوعا من الكتاب والأدباء يعتقدون أن العظمة تكمن فى كثرة مبيعات رواياتهم، وكثرة ترجماتها إلى لغات عديدة، مشددًا على أن كل هذا باطل.
وأشار إلياس خورى، إلى أنه حينما كتب رواية "الجبل الصغير" كتب العديد من النقاد أنها تعد شكلا جديدا من أشكال الكتابة الروائية الجديدة، لافتا إلى أنه لم يكن مشغولا بكتابة شىء جديد، وأنه حينما كتب إدوارد سعيد عنها وقال "هذا أدب ما بعد حداثى"، مضيفا: "حينما رأيته بعدها قلت له دخيلك يعنى شو أدب ما بعد حداثى".