قال الكاتب الإرترى حجى جابر إن إسرائيل مارست أبشع أنواع العنصرية ضد يهود الفلاشا.
جاء ذلك خلال كلمة الكاتب الإرترى حجى جابر، ضمن مشاركته فى جلسات ملتقى تونس للرواية العربية، الذى يعقد تحت شعار "قضايا البشرة السوداء"، فى مدينة الثقافة، فى العامصة التونسية.
وأضاف حجى جابر لقد اهتم السرد ولا يزال بالإضاءة على العنصرية التى يتعرض لها أصحاب البشرة السوداء، وهو اهتمام يمكن فهمه ضمن سياقات عدة أبرزها ولا شك حالة مقاومة المستعمر، لكن يمكن فهمها أيضًا فى سياق صعود الموجة المناهضة للعنصرية الفجة لصالح أخرى مقنعة، وتجريم الرق لصالح طرق استعباد أخرى مقننة، فالأوروبى الأبيض لم يعد بحاجة لإرسال سفنه واستعمار أراضى السود وأسرهم عبيدًا ونهب خيراتهم، ومع هذا ظل محافظا ومكرسا لتفوقه بطرق تبدو أنيقة لا تخدش صورته أمام العالم، لذا فقد أصبحت تلك الحقبة محط لعنات الجميع، بعد أن أصبحت من الماضى، وباتت الحاجة كبيرة للتبرؤ وأخذ مسافة عنها.
ورأى حجى جابر أن تناول هذه الأفكار أصبح سمة لأدب الجنوب طوال عقود، بل وزاحمه فى ذلك الأدب المكتوب لدى المستعمر نفسه فيما يشبه التطهر ومحو الصورة القديمة، حتى فاض الكأس وبات من العسير الإتيان بجديد فى نقد ذلك الاستعلاء المبنى على اختلاف اللون والعرق.
وأشار حجى جابر إلى أن مشاركته فى ملتقى تونس للرواية العربية، الذى يعقد تحت شعار "قضايا البشرة السوداء" تأتى للحديث حول تجربة عنصرية الأسود ضد الأسود انطلاقا من تجربة يهود الفلاشا فى إثيوبيا وانتقالهم إلى فلسطين. وهى التجربة التى وثقها فى روايته "رغوة سوداء".
ورأى حجى جابر أن نقد العنصرية ضد الأسود لم يكن بالضرورة مبدئيا بقدر ما كان ردة فعل مفهومة ومبررة ضد الظلم والسلب الواقع علينا، لكنه حين يصيب الآخرين قد يكون وقعه دون ذلك الاستنفار. بهذه الطريقة ربما يمكن فهم الممارسات التى يتعرض لها الأسود من أسود مثله، بما فيها إطلاق تلك الأوصاف التى كان يتلذذ بها الأبيض من قبيل: عبد، وزنجى.
وأشار حجى جابر إلى أن يهود الفلاشا فى منطقة غوندار شمال إثيوبيا نموذجا، على الرغم من لون بشرتهم، ودياناتهم، إلى أن هذا لم ينقذهم من التمييز، بل جعلهم أقل من العاديين، ففى غوندار أطلق الأهالى لقب فلاشا على بيتا إسرائيل، وهو لفظ يعنى الأغراب، ويمكن تخيل هذه الحالة المبدئية والحادة من نبذ هذه المجموعة وهى تشارك الأهالى المكان والهواء والملامح واللغة والدين، واقتراب هؤلاء من المجموعة التى تحيط بهم قدر استطاعتهم لكنهم فشلوا فى تجاوز عنصرية تحيط بهم من كل جانب بدءًا من الأوصاف التى تطلق عليهم وليس انتهاء عند التمييز فى المعاملة.
وأوضح حجى جابر، أنه لهذا السبب جاءت فكرة الهجرة إلى إسرائيل كمنذ بطريقة أو بأخرى من الفقر والتمييز على السواء، فى المقابل كانت تريد إسرائيل التى يمثلها فى الرجل الأبيض، أن تطهر صورتها لتبدو وطنا يحفل بالتنوع، غير أنها لم تسطع دفع كلفة ذلك، فانقلبت على القادمين الجدد، ومارست بحقهم صنوفهم أبشع من التمييز.
وقال صاحب رواية "رغوة سوداء"، أنه فى أرض الميعاد لم يسلم بيتا إسرائيل من العنصرية، فكل ما فعلوه هو الانتقال فى المكان دون أن تتغير أوضاعهم كثيرا، فمنذ القدوم إلى المطار كانت مجموعات يهودية بيضاء تتظاهر رفضا للقادمين بالأمراض والقمل، ثم انتقل الأمر إلى ما هو أسوأ حيث كانت المشافى تحقن نساء إثيوبيات كى لا يستطعن الإنجاب، وهو أمر موثق وأثار ضجة حال الكشف عنه، إلى غير ذلك من السلوكيات العنصرية التى لم تترك مكانا إلا وظهرت فيه ابتداء من البرلمان وانتهاء بالشارع الذى شهد اعتداءات بالضرب على أفراد من بيتا إسرائيل حتى وهو يرتدون الزى العسكرى فى مشهد تناقلته الكاميرات حول العالم.
وأشار حجى جابر إلى أن يهود الفلاشا ورغم تاريخهم الممتد فى المعاناة، مارس بعضهم العنصرية نفسها متى كان ذلك متاحا، بدءًا بالفلسطينى، وليس انتهاء باللاجئ الإفريقى الهارب من القمع فى بلاده، حتى لو كانت هذه البلاد هى إثيوبيا التى قد منها بيتا إسرائيل.
وأوضح حجى جاير أن نقاط التفتيش التى تقع فى مواقع التماس بين إسرائيل وفلسطين هى الأكثر خطورة وبالتالى استنفارا أمنيا، من الملفت هنا أن سلطات الاحتلال تضع أفراد الأمن المنحدرين من بيتا إسرائيل فى تلك المواقع، لذا فهم أكثر من يتعامل مع الفلسطينين.
وقال حجى جابر إنه وفقا للشهادات التى استمعت لها هنا، فإن معاملتهم تتميز بالقسوة أكثر من غيرهم، وهذا يثير مفارقة، فالأبيض الإسرائيلى يضع الأسود الإسرائيلى فى أكثر المناطق خطورة، والأخير بدوره لا يتورع عن معاملة الفلسطينى المحتل بتعال وفظاظة، هى دائرة من الصراع فى قاع العنصرية، كل فرد يتعالى على من هو دونه، ويطاطئ الرأس أمام من يعلوه.
وأضاف صاحب رواية "رغوة سوداء": ولا تتوقف المفارقة عند هذا الحد، فالجند الإسرائيلى الأسود قد يتعامل بقسوة مع مظاهرات اللاجئين الأفارقة فى إسرائيل، ولا يتعلق الأمر هنا بتنفيذ الأوامر العسكرية، بل يتعداها إلى التفانى فى قمع وإذلال تلك الجموع، هو فى هذه الحالة يتعامل مع السوادنى والإرترى والإثيوبى، والأخير هو ابن الذى قدم منها، ويشترك معه فى اللغة و"السحنة"، هو هنا كمن يطلق النار على قدميه، حتى لو اعتقج خلاف ذلك.
ورأى حجى جابر أن اللون والعرق لم يكونا إلا واجهة كى يمارس الإنسان نزوعه نحو الظلم والاستعلاء، فعل الأوروبى الأبيض ذلك، ثم تبعه الجار والشريك فى الوطن دون أن يعجزه إيجاد مبررات لذلك.