فوجئ عندما رفع سماعة تليفونه بِصَوْت صَاحَبَه ممزوجا بنبرة أَسَى وحُرْقَة "غَلّي كشفك يا ابنى" كانت المتصلة حينئذ والدته التى واصلت مكالمتها "الناس يا ضنايا بتقول إنك دكتور أى كلام، وبصريح العبارة "نُص كم" علشان كشفك رخيص".
حاول الابن أن يهدئ من أمه التى قد "اسْتشَاطَت" من عبارات الاستهجان من ابنها الطبيب – دكتور الجامعة – من الشخص العليل الذي رشحت له ابنها لعلاجه – دون أن تفصح أنها والدته- إلا أن محاولات الابن لكبح جماح أمه الثائرة من وصف ابنها بأنه "نص كم" لم تهدأ إلا بعدما أخبرها ابنها بأنه سيستبشر ويفتح المصحف ليتأكد من رسائل ربنا له.
وكانت الآية التى وقعت عليها عينه بمجرد فتح المصحف قوله تعالى "وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ".. ومن يومها وسعر كشفه ثابت لم يغيره حتى الآن "40 جنيها".
القصة جعلتني من حين لآخر أبحث عنه عبر جوجل أو يوتيوب لأغوص فى حمام سباحته الزاهدة القانعة، فأستجم من عناء انتكاسة خلل هرمونات التكافل والتكاتف والتضامن الاجتماعى فى لحظات الانفلات والانقلاب على مساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف وحماية للضعيف.
فانتصاره لفكرة الاشتراكية وما تحتويه من سلام اجتماعي والتى أصبحت لقيطا يبحث عن أب، تشهد بأنه قام بواجبه، فعلى مدار 38 سنة يُدَرّسْ طب الباطنة مجانا للطلبة فى قصر العينى، واضعا فى اعتباره الطلاب الغلابة، وهو مابدا بعد ذلك فى تحديد كشفه لسنوات طويلة بما لايتجاوز 40 جنيها.
كل ما سبق دفتر أحوال- د. حسام موافى أستاذ الباطنة والحالات الحرجة – الذى سدد خاناته كتاب وصحفيين من قبلي- وإن إختلفت فى التناول- لكن ما استوقفنى! ملف خدمته فى الدعوة الدينية السلسة لٌاقتلاع جذور التشدد واقتحام قلاع المغالاة فى الدين.
ففى فيديو انجذب لمشاهدته مئات الألوف انتشر مؤخرا على اليوتيوب، وفيه اعتلي "موافي" المنبر بناء علي رغبة المصلين قائلا: كنت فى معرض الكتاب، فشدني مرجع من ألف صفحة عنوانه "الماء" وثمنه 500 دولار، ورغم ثمنه الباهظ غلبتنى شهوة العلم فاشتريته، وجدت فيه 16طريقة لا يحتفظ فيها الجسم بالماء، فالجسم السليم لا يحتفظ بأى قطرة ماء، فمرضى التليف الكبدى يصير عنده استسقاء، والمصاب بالفشل تتورم ساقاه، وبعد قراءة الكتاب ذهبت للصلاة ففوجئت بخطيب الجمعة يلخص مضمون الكتاب كله فى 9 كلمات «فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ»
ثم ينتزع آهات السامعين بعظمة الدين الإسلامي ومعجزاته بموقف آخر، فأثناء حضوره مؤتمر بألمانيا عن توقيتات المرض الخاصة بغيبوبة السكر والجلطة، أكدت الأبحاث أن السكتة الدماغية تحدث فى الثامنة صباحا، والسبب أنه أثناء النوم يقل الضغط فتنكمش الشرايين تلقائيا، وفى الثامنة صباحا تحديدا يصل الإنكماش لدرجة الالتصاق، مما يسهل الإصابة بالجلطة مالم يستيقظ المريض ولو مرة واحدة خلال ساعات الليل، وهو ما لخصه الأذان "الصلاة خير من النوم" فى صلاة الفجر.
ما جعلني أوقن أنه ربما طبيبا أو مهندسا أو معلما أو .... ! يمثل "وردة" في طريق الخطاب الديني –الفرض عين تجديده- بينما خُطَبَاء دارسين يمثلون "أشواك" فى سبيل الدعوة بتجهمهم وبعدهم عن لغة العصر وعدم ربط معجزات القران والدين بالواقع، وهو ما يفتقده الكثيرون من الوعاظ .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة