انتفضت إيران بعد أن أعلنت الولايات المتحدة إدراج "الحرس الثورى" المؤسسة العسكرية النافذة فى السياسة الإيرانية على قوائم الإرهاب، فلماذا اتخذت واشنطن الأن هذا القرار؟ وما تداعياته على المنطقة وطهران؟ وما هى هذه المؤسسة التى صارت حديث العالم؟.. ويقدم "اليوم السابع" الإجابة بصورة مبسطة للقارئ ومتابعى الشئون الإيرانية.
ما هو الحرس الثورى ومتى تم تأسيسه فى إيران وما دوره؟
الحرس الثورى الإيرانى أو "باسداران" أو "سپاه"، بحسب ما يطلق عليه فى الفارسية يعد جيشا عقائدى موازى للقوات المسلحة النظامية، أنشئ فى 1979 بأمر من مؤسس الجمهورية آية الله الخمينى، لحماية الثورة الإيرانية من التهديدات الداخلية والخارجية، ويتمتع بنفوذ سياسى ودعم قوى من المرشد الحالى آية الله على خامنئى، ونفوذ اقتصادى كبير حيث يسيطر على ثلث الاقتصاد، من خلال إدارة عدد من المؤسسات والصناديق الخيرية والشركات الفرعية، ويقدر عدد أفراده بنحو 125 ألف عنصر بشرى (بحسب إحصاءيات غير رسمية حيث لا تصدر أية إحصاءات رسمية من إيران بشأنه)، ولديه قوات برية، بالإضافة إلى وحدات بحرية وجوية، ويمتلك سلطة الإشراف على أسلحة إيران الاستراتيجية، ويسيطر أيضا على قوات تعبئة شبه النظامية (الباسيج)، وهى قوة من المتطوعين قوامها حوالى 90 ألف رجل وامرأة، ولديها القدرة على حشد حوالى مليون متطوع عند الضرورة.
المادة رقم 150 من الدستور الإيرانى تؤكد على أن قوات الحرس، تعمل على حراسة الثورة ومكاسبها، لكن عمليا لعبت قواته دورا خارج الحدود الإيرانية وأصبح ذراع طهران للهيمنة ومد النفوذ على المنطقة، يفرض نفوذا قويا عبر وكلائه فى سوريا والعراق واليمن ولبنان وتنشط فى عمليات في المنطقة ينفذها "فيلق القدس" الذراع المسلح للمؤسسة فى الخارج، ويمتلك كتيبة يرسل يعمل عناصرها فى سفارت طهران فى الخارج.
ما هو القانون الذى بموجبه تم إدراجه على لائحة العقوبات؟ ولماذا الآن؟
أدرجت الولايات المتحدة الحرس على قائمة العقوبات بموجب المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية الأمريكى، الذى بموجبه تكون الخارجية الأمريكية قادرة على اعتبار أى كيان أجنبى متورط فى "أنشطة إرهابية"، أو "لديه القدرة والرغبة بالانخراط في أنشطة إرهابية"، أو یهدد "أمن مواطنى الولايات المتحدة أو الأمن القومى الأمريكي"، "منظمة إرهابية أجنبية"، ومن يقدم أى دعم لهذا الكيان سواء داخل أو خارج أمريكا فيضع نفسه تحت طائلة القانون بالسجن 20 عاما والغرامة.
المبعوث الأمريكى بشأن إيران، براين هوك، قال إن الحرس الثورى مثل تهديدا للقوات الأمريكية منذ إنشائه، وأن القرار يمثل محاسبة للتنظيم الإرهابى الذى سيصعب عليه منذ اليوم تنفيذ مهامه التخريبية. ويرى مراقبون أن توقيت القرار كان هدية لإسرائيل التى تعتبره حكومة نتنياهو مكسب سياسى لها.
ما هى تداعيات القرار على الحرس الثورى داخل إيران؟
بحسب تقارير فأن القرار يضرب الدولة الإيرانية فى العمق، إذ يمثل الحرس الثورى عمود الخيمة فى هيكل السلطة الإيرانية، ويحمل لواء النظام، حيث يسيطر على ما يقرب من ثلث الاقتصاد الإيرانى، ويعنى القرار أن الولايات المتحدة دخلت فى مواجهة مباشرة مع الحرس، ويستهدف قرار الرئيس الأمريكى النقاط التالية:
- تضييق الخناق على طهران فى محاولاتها للإلتفاف على العقوبات المشددة المفروضة فى أغسطس ونوفمبر 2018.
- تجفيف مصادر الحرس الثورى ونشاطه الاقتصادى وتأزيم الاقتصاد الايرانى.
- سيسمح القرار للولايات المتحدة بفرض مزيد من العقوبات خاصة فيما يتعلق بمشاركة الحرس الثورى فى الاقتصاد الإيرانى.
- تضييق الخناق على من يرغب فى التعامل مع طهران وعلى رأسهم أوروبا.
- حرمان الشركات التابعة للحرس من مواصلة أعمالها التجارية بالخارج.
- قد يدفع طهران لعدم الانضمام لإتفاقية مجموعة العمل المالى FATF
- يمهد القرار فرض عقوبات على قادة وأفراد الحرس وملاحقتهم خارج إيران.
- تشديد الضغوط على الحرس وتقويض الدعم المالى واللوجيستى الذى يقدمه لوكلائه فى المنطقة (حزب الله- الحشد الشعبى بالعراق- الحوثيين باليمن والجماعات الشيعية الموالية له).
ماذا كان رد فعل الرسمى الإيرانى والتيارات السياسية؟
على المستوى الرسمى انتفضت إيران ورفضت القرار، وأصدرت الخارجية والجيش، وقرر مجلس الأمن القومى إدراج القوات الأمريكية العاملة فى المنطقة ضمن لائحة إيران للمنظمات الإرهابية، محذرا من عواقبه، وارتدى البرلمان البدلة العسكرية للحرس الثورى ورفع نوابه شعار "الموت لإسرائيل"، وأدان الرئيس روحانى الخطوة الأمريكية، بينما قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئى، إن الحرس الثورى الإيرانى واجه أعداءه فى الداخل والخارج. وأضاف: "كان (الحرس الثورى) فى خط مواجهة أعداء ثورتنا ودافعوا دائما عن البلاد، وفشلت أمريكا فى عرقلة تقدمنا". أما الحرس فقال، إنه سيتبع استراتيجية الرد بالمثل على أى اعتداء، فضلا عن تهديدات لمسئولين بضرب المصالح الأمريكية، والأمر امتد إلى تهديدات بقتل الجنود الأمريكيين.
لكن اللافت أن ردود أفعال التيار الإصلاحى الذى كان يوجه لمؤسسة الحرس الثورى انتقادات واسعة، ويمتلك تاريخ من الصراع معه بسبب محاولات الأخير لتهميش دوره فى الحياة السياسية، جائت متناغمة إلى حد كبير مع ردود أفعال المتشددين، مثال على ذلك هو تعليق رمضان زاده متحدث حكومة الرئيس الإصلاحى الأسبق خاتمى الذى قال "رغم الخلافات فأن وجهات النظر فى الداخل الإيرانى تدعم قواتها المسلحة أمام عدو غير المنطقى".
الحرس الثورى الايرانى
تداعيات القرار على الداخل الإيرانى؟
المشهد الإيرانى بدا مرتبكا من صدمة القرار، فمن شأنه أن يزيد من التردى الاقتصادى، وفى الساعات الأولى تأثر سوق العملة الإيرانية، وعاد الدولار الأمريكى الارتفاع مجددا وتخطى الدولار الواحد 14 ألف تومان، وقال الإعلام إن أهم سبب فى رفع قيمة الدولار والذهب، هو قرار الولايات المتحدة بتصنيف الحرس منظمة إرهابية.
ما هى تداعيات القرار على المنطقة؟
القرار سيصعد بالتأكيد من التوتر فى المنطقة، وقد يحول مناطق تقاطع النفوذ الأمريكى الإيرانى إلى مسارح لصراع عسكرى قد يكون بشكل مباشر، لكن يبدو أن طهران دائما فى حساباتها تلجأ لمواجهة غير مباشرة مع الولايات المتحدة لتهديد المصالح الأمريكية، قد تلجأ أيضا للاستفزاز الأمريكى مع كل محاولة لتشديد الضغوط عليها.
فى إيران ذهب المحلل السياسى فريدون مجلسى حول رد الحرس الثورى على القرار الأمريكى قال فى مقابلة مع صحيفة "آرمان" أنه عمليا سيتوتر المناخ فى منطقة الشرق الأوسط أكثر من الماضى، وكشف أن بلاده ستبذل قصارى جهودها لتعزيز علاقاتها مع بلدان المنطقة، وستنتهج توجهات إصلاحية فى السياسة الخارجية، لتسوق المناخ الدولى للترويج بأن طهران لا تسعى لإثارة التوتر والحرب مع أى بلد بل تريد علاقات طيبة مع بلدان العالم. ودعا المحلل الإيرانى بلاده لتعيد الصراع العربى الإسرائيلى بعد أن حوله ترامب إلى صراع إيرانى إسرائيلى على حد تعبيره.
وشدد أنه ينبغى على الحرس الثورى ألا يكون البادئ بالحرب، وقال إن ترامب منذ فترة وهو ينصب فخ لإيران فى الخليج كى يهيئ الظروف كى يكون الحرس هو البادئ بالحرب كى تضفى الولايات المتحدة على ردها المحتمل شرعية دولية وتظهر إيران دوليا بأنها البادئة بالحرب، اعتبر المحلل أن بلاده عملت بذكاء ولم تمنحه الفرصة.
بعد تضيق الخناق على شركاء طهران من الأوروبيين هل سيصمد الاتفاق النووى؟
أحد تداعيات القرار هو تضييق الخناق على من يرغب فى التعامل مع طهران وعلى رأسهم أوروبا، وبعد أن أثبتت الآلية الأوروبية اينستكس فى التعامل التجارى مع طهران فشلها، فمن المرجح فى نهاية الأمر أن تنظر طهران إلى المكاسب التى حققتها من الصفقة النووية المبرمة فى 2015 وانسحبت منها الولايات المتحدة، وقد تدفعها الضغوط الأمريكية إلى الانسحاب منها.
لكن هناك مسار أخر قد تنتهجه طهران هو الاعتياد ومقاومة الضغوط والانتظار حتى حلول عام 2020 فقد تغير الانتخابات الأمريكية وقتها الوضع ويصعد رئيس أمريكى جديد ينتمى للديمقراطيين الذين ينهجون سياسة المهادنة مع طهران.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة