حذر رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى، من خطورة الوضعين الاقتصادى والمالى فى لبنان، مشيرا إلى أن بلاده لم تصل إلى وضع الانهيار بعد، غير أنه إذا لم يتم اعتماد حزمة من الإصلاحات الواسعة والتقشف المالى "فبالتأكيد سنصل إلى وضع لا تحمد عاقبته".
وأكد الحريرى – فى مؤتمر صحفى عقده اليوم عقب انعقاد جلسة عامة لمجلس النواب – أن الإصلاحات الاقتصادية وخفض الإنفاق العام فى كافة القطاعات، أمر لا مفر منه، خاصة وأن الأوضاع الاقتصادية حرجة وشديدة الصعوبة، مشددا على أن ترشيد الإنفاق العام وضبطه لن يصيب الفقراء وذوى الدخل المحدود .
وأضاف أن التدهور فى الوضع الاقتصادى والمالى، متراكم منذ سنوات، وأن معدل النمو طيلة السنوات الثمانى الماضية لم يتجاوز الـ 1 % سنويا، فى الوقت الذى تضاعف فيه الإنفاق الحكومى بصورة كبيرة فى كافة قطاعات الدولة .
وأضاف: "علينا أن نكون جميعا صادقين..لا نريد المساس بذوى الدخل المحدود أو الفقراء، ولكن أما وقد تم إقرار سلسلة الرتب والرواتب (زيادة مالية لموظفى الدولة) فى السابق، فإن الأمر يتطلب الحفاظ عليها، وذلك عبر اعتماد إجراءات إصلاحية صعبة، قوامها التقشف وترشيد الإنفاق".
وشدد على أن الحكومة اللبنانية مطالبة فى الوقت الراهن بإقرار موازنة "هى الأكثر تقشفا من الناحية المالية فى تاريخ لبنان".. مؤكدا أن الوضع المالى للبلاد لا يسمح بمزيد من الإنفاق المالي.
وتابع قائلا: " يجب أن نتعلم من الدول التى تعرضت لأزمات ومشاكل مماثلة، والذين استمروا فى الإنفاق المتزايد ظنا منهم أن الأمور بالإمكان إصلاحها فى وقت لاحق عن طريق المزيد من القروض ومؤتمرات الدعم الدولية " .
وأشار إلى أن الدولة ستباشر إجراءات إصلاح اقتصادى حقيقية، وأن ترشيد الإنفاق سيبدأ من رأس الإدارات اللبنانية. قائلا: "ما الذى قد يفيدنى اليوم كرئيس للحكومة أن أقر موازنة ثم لا استطيع تدبير الموارد المالية لاحقا.. التقشف ليس هواية، ويجب أن يطال جميع القطاعات فى لبنان".
وأوضح أنه يجب اتخاذ إجراءات إصلاح وتقشف حقيقى بأسرع وقت ممكن "وإلا فماذا سنقول للمواطن اللبنانى بعد سنة من الآن إذا حدثت كارثة اقتصادية.. ماذا سنفعل حينها ؟ ".
ولفت إلى أن مسألة الموازنة الجديدة لاتزال محل نقاش جدى، وصولا إلى الأرقام الدقيقة التى من شأنها إنقاذ لبنان اقتصاديا، وأن كافة الأمور المتعلقة بالموازنة لا تزال فى دائرة النقاش، ولم تصل حتى إلى مجلس الوزراء والمجلس النيابى .
وأكد أن المصارف على استعداد للمساهمة فى الخطة الاقتصادية، غير أن هذا الأمر يقتضى البدء فى تنفيذ الإصلاح الحقيقى .
وقال: "إذا استمر السير بهذه الطريقة الحالية، سنصل حتما إلى كارثة اقتصادية.. وإذا أجرينا بعض الإصلاحات والتقشف خلال مدة تتراوح ما بين سنة إلى 3 سنوات، فسيمكن حينها إعادة الاستقرار للأوضاع على النحو السابق".. مشددا على أنه لا مفر من اعتماد الإصلاحات الاقتصادية والمالية وأن الجميع فى لبنان دون استثناء معنى بها.
ودعا رئيس الوزراء اللبنانى القوى والتيارات السياسية المختلفة إلى التكاتف والعمل سويا، فى ضوء أن هذه المرحلة من عمر لبنان حرجة بصورة كبيرة، وأن تنفيذ الإصلاحات سيضمن السير فى مقررات مؤتمر دعم الاقتصاد اللبنانى (سيدر) بما تتضمنه من منح وقروض، تدفع عجلة الاقتصاد فى قطاعات الاتصالات والكهرباء والطرق والمياه وكافة القطاعات الإنتاجية وفى مقدمتها الصناعة والزراعة.
وأكد أن وضع لبنان فى حاجة إلى توافق وحوار حقيقى بين كل اللبنانيين. مضيفا: "إنقاذ البلد يتطلب منا جميعا التضحية بقدر ما، ولمن نزلوا إلى الشارع بسبب تسريب الأخبار غير الصحيحة أو غير المكتملة والمجتزئة من سياقها، أقول لهم إننا لم ننته من التفاهم ولن نصيب الفقراء ومحدودى الدخل، وأننا نعمل على الموازنة وصولا إلى أكبر رزمة من التشقف فيها، وهذا الموضوع ليس سهلا".
وأشار إلى أنه لا يوجد حزب أو تيار سياسى فى لبنان يريد التقشف، غير أن الوضع الاقتصادى شديد الصعوبة على مستوى التوظيف وحركة السياحة والتصدير والزراعة والصناعة، مشددا على أن تحفيز الاقتصاد يكون بخفض الإنفاق العام، بالتوازى مع زيادة الإنفاق الاستثمارى الذى يتضمنه دعم مؤتمر سيدر وغيره.
ويشهد لبنان أزمة اقتصادية حادة، حيث يعانى من تباطؤ فى معدلات النمو الذى لم يتجاوز 1 %، كما تبلغ نسبة الدين العام اللبنانى إلى الناتج المحلى الإجمالى نحو 150 %، فضلا عن تراجع كبير فى كفاءة وقدرات البنى التحتية للبلاد والأداء الاقتصادي.
وسبق وتعهدت الحكومة اللبنانية أمام مجموعة الدول المانحة والداعمة للبنان، وفى بيانها الوزارى أمام المجلس النيابي، بخفض عجز الموازنة الذى وصل إلى خلال عام 2018 إلى ما يزيد عن 6 مليارات دولار، بنسبة 1 % سنويا على الأقل لمدة 5 سنوات، وسط مخاوف من تدهور مالى واقتصادى شديد حال عدم اتخاذ إجراءات تصحيحية سريعة.
ويؤكد المسئولون الدوليون والوفود الاقتصادية الدولية التى تزور لبنان، خاصة من الدول والمؤسسات المانحة فى مؤتمر (سيدر) أن إقرار موازنة العام الجديد مصحوبة بإجراءات تقشف وخفض الإنفاق، يمثل أحد أوجه الإصلاحات الجوهرية التى يطالب بها المجتمع الدولى حتى يمكن له مساعدة لبنان ودعمه.
ويعول الاقتصاديون على الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري، للبدء فى إجراء حزمة من الإصلاحات الحاسمة فى الاقتصاد والهيكل المالى والإدارى للدولة، حتى يتسنى للبنان الحصول على المقررات المالية التى تعهدت بها مجموعة الدول والمؤسسات العربية والدولية المانحة خلال مؤتمر سيدر.
واستضافت العاصمة الفرنسية باريس فى شهر أبريل 2018، مؤتمر سيدر الذى أسفر عن منح وقروض ميسرة بقيمة تقارب 12 مليار دولار لصالح لبنان لدعم اقتصاده والبنى التحتية به، شريطة إجراء إصلاحات اقتصادية وإدارية وهيكلية.