تنتشر تربية الأغنام بأعداد كبيرة فى صحراء محافظة مطروح، وهى تحتاج لعناية خاصة، من بينها جز صوف الأغنام أو "الجلامة" باللهجة البدوية، كل عام قبل بداية الصيف، لتخفيف الحرارة ومساعدتها لكى تسمن.
وتكتسب هذه العملية طابعا خاصا ومميزا يتوارثه بدو مطروح، ويعتبرونه من أيام الفرح والاحتفال، الذى يحرص عليه كبار وصغار المربين، رغم عدم استفادتهم ماديًا من كميات الصوف المنتجة، حيث تباع بأسعار بخسة للتجار لصعوبة تسويقه، فى الوقت الذى يقوم البعض باستغلال الصوف منزليا فى تصنع الكليم والأغطية يدويا، بعد تحويل الصوف لخيوط مصنع الصوف بمركز التنمية المستدامة، مقابل رسوم رمزية.
ويبدأ موسم جز صوف الأغنام بمطروح، نهاية شهر إبريل من كل عام ويستمر حتى بداية فصل الصيف، وهى عملية ضرورية حيث يخفِّـف عنها حرارة شمس الصيف، كما يساعدها لتسمن، ويطلق عليها البدو "الجلامة"، وتصاحبها طقوس تراثية خاصة تتوارثها الأجيال عن الأجداد.
ويحرص البدو على ممارسة الطقوس التراثية خلال "الجلامة"، رغم الحداثة والمتغيرات والتطورات التى أتت على كثير من الموروثات، ويحول بعض كبار مربى الأغنام هذه المناسبة لاحتفالية كبيرة ينصبون خلالها "بيوت العرب" أو الخيام الكبيرة، لاستقبال الضيوف الذين يتوافدون من المناطق المختلفة ليشهدوا الحدث، وتنحر لهم الذبائح.
وأكد صالح العشيبى، رئيس وحدة الإعلام بمركز التنمية المستدامة لموارد مطروح، أن مصنع الصوف التابع للمركز، يقدم الخدمات للمواطنين والمربين، الراغبين فى تحويل الصوف إلى خيوط، مقابل رسوم رمزية، ليتمكنوا من استخدامها منزليا فى صناعة السجاد والكليم والأغطية للاستخدامات الخاصة بهم.
وأضاف "العشيبى"، أن المصنع يشترى كميات محدودة من الصوف، لاستخدامها فى أعمال تدريب الفتيات الغزل وصناعة السجاد داخل المصنع.
وأوضح "العشيبى" أن مربى الأغنام يبيع كميات الصوف المنتجة من الأغنام، بأسعار قليلة لا تمثل عائدا مجزيا، بسبب صعوبة التسويق، حيث يقوم التجار بالتجول فى المناطق المختلفة وشراء الصوف من المربين، بمقابل متوسط 250 جنيها للقنطار، أى ما يعادل 6 جنيهات للكيلو جرام من الصوف.
وأشار رئيس وحدة الإعلام بمركز التنمية المستدامة لموارد مطروح، إلى أنه تم مؤخراً، تأسيس جمعية لمربى الأغنام، برعاية اللواء مجدى الغرابلى محافظ مطروح وبالتعاون والتنسيق مع مركز التنمية المستدامة ومديرية الزراعة، لدعم المربين والحفاظ على الثروة الحيوانية، وتحقيق عائد أكبر من منتجاتها ومن بينها الأصواف.
وأضاف: يعمل مركز بحوث الصحراء على مساعدة المربين، من خلال مشروع تنمية وتطوير نظم تربية وإنتاج الإبل والمجترات الصغيرة فى الساحل الشمالى الغربي، قبل بدء موسم جز صوف الغنم، حيث نظم دورة تدريبية بمقر مركز التنمية المستدامة لموارد مطروح، بحضور الدكتور خالد البحراوى الباحث الرئيسى المناوب للمشروع، نائبا عن الدكتور حسن الشاعر رئيس الفريق البحثى للمشروع والمهندس محمود الأمير مدير مركز التنمية المستدامة لموارد مطروح المهندس حسين السنينى مدير عام الزراعة، عبد الله عبد اللطيف رئيس مجلس إدارة جمعية مربى الأغنام بمحافظة مطروح وعدد كبير من المربين.
وأكد الدكتور خالد البحراوى الباحث الرئيسى للمشروع، أن المشروع يستهدف القطاع الأهم فى المحافظة وهو قطاع الثروة الحيوانية من خلال تنمية وتطوير القدرات الإنتاجية لحائزى الثروة الحيوانية بمناطق ابوتمر وسيدى حنيش وباجوش بقرية رأس الحكمة وعزبة الشواعر وابونجوى بمركز النجيلة، وتقديم الخدمات التنموية المجتمعية لتعظيم القيمة الاقتصادية للمنتجات الحيوانية من خلال الجز الميكانيكى للصوف، وتنمية الصناعات الصغيرة القائمة عليه، بالإضافة إلى الإجراءات البيطرية بعد عملية الجزء والقوافل البيطرية والخدمات الإرشادية وتنمية مهارات المربين فى استخدام الموارد البيئية المتاحة لتكوين علائق حيوانية متزنة، كما يقوم البرنامج التدريبي، على إنتاج عدد من المشروعات الإنتاجية التكميلية، لخلق فرص عمل جديدة وتنمية وتطوير المراعى الطبيعية بالمناطق التى يستهدفها البرنامج.
وقال الدكتور أيمن جاد الله عضو الفريق البحثى للمشروع بقسم إنتاج وتكنولوجيا الصوف، يعتبر الجز من العمليات الموسمية التى تحتاج إلى خبرة ومران طويلين وعند الجزء يجب مراعاة اختيار المكان المناسب للجز، بحيث تتجنب الأماكن المتربة والقش واختيار الوقت المناسب بعيدا عن أجواء الأمطار أو الرياح.
وأشار جاد الله، إلى أن الجز الآلى أسرع من الجز العادى ويحتاج العامل المدرب لخمس دقائق على الأكثر لجز الرأس الواحدة ويمكنه جز عدد يصل إلى 200 رأس فى اليوم، كما يعتبر الجز الآلى أكثر أمانا مقارنة بالمقصات اليدوية وهو يعطى صوف ذو مواصفات أفضل بالإضافة إلى خفض التكاليف المادية.
وقال حمد خالد شعيب الباحث فى التراث البدوي، إنه يجرى الإعداد ليوم "الجلامة" أو جز صوف الغنم قبله بأيام، بإعداد العدة والتجهيزات اللازمة، وتبدأ الطقوس بـ"الكِرامة" وهى ذبح الخراف فى الصباح الباكر، لإطعام المشاركين فى عملية جز الصوف والمعاونون لهم من الرعاة وأصحاب الغنم والجيران والأقارب الذين يساعدون فى هذه العملية متطوعين بدون مقابل مادي، إضافة إلى الضيوف الذين يتوافدون من المناطق المختلفة، وهناك أهازيج يطلق عليها البدو "قذاذير" وهى أغان بدوية يتم ترديدها طوال اليوم ومنها أهازيج بدء العمل وأخرى أثناء العمل طوال اليوم وهناك "قذاذير" نهاية العمل.
ويبدأ العمل عقب تقديم وجبة الإفطار فى الصباح الباكر، ثم يتوقف المشاركون لتناول وجبة "الضحوية" وتكون وقت الضحى بين وجبتى الإفطار والغداء، مع تناول الشاى بشكل متكرر على مدار الساعة.
وأضاف الباحث فى التراث البدوى، أن يوم جز صوف الأغنام هو من الأيام المميزة لدى البدو لإحيائه الطقوس التراثية الأصيلة، ويكون موسمه فى فصل الربيع، وعادةً ما يكون بعد يوم 18 إبريل من كل عام ويسمى هذا الوقت من العام باللهجة البدوية "وقت اللوايا" وهو وقت تمنع فيه المياه عن الأغنام، ويتم صباح يوم المجلم إدخال الأغنام إلى خيمة كبيرة "بيت العرب" من المقدمــة حيث تتم عملية جز الصوف وتخرج بعد الانتهاء من مؤخرة البيت.
وأوضح أن البعض يحترفون هذه المهنة ويحصلون على المقابل المادى والأغلبية لا تحصل على مقابل مادي، ويكونون من الجيران والأقارب وأهل المناطق القريبة، وهم يساعدون فى هذا ويطلق على هذا (فَزْعة الجلامة) وهى عملية تحدث خلال الحصاد وحفر الآبار وغيرها من الأعمال التى تتطلّب العمل الجماعي.
وتأتى فى نهاية العمل وجبة الغداء وهى "الرز المرجع" وهو الأرز بلبن والسمن مع لحم الضأن، والتى تقد فى وليمة كبيرة، تضم كل المشاركين والضيوف الذين يتوافدون من مناطق المحافظة المختلفة لحضور هذا الحدث، الذى يشبه الفرح.