هل يقترب الكاتب الأمريكى الشهير دان براون من اعتناق الإسلام؟.. قبل الإجابة على هذا السؤال، الذى يبدو مثيرا للنقد، وربما للسخرية لدى البعض، دعونا نقرأ هذه الكلمات.
فى السادس من نوفمبر لعام 2014، كشف الكاتب الأمريكى الشهير دان براون، عن جانب من طفولته، أمام حشد كبير من قراءه فى العالم العربى، خلال استضافته فى معرض الشارقة الدولى للكتاب.
دان براون يتحدث عن الأديان والإسلام فى معرض الشارقة الدولى للكتاب 2014
فى هذا اللقاء، قال دان براون، إنه منذ طفولته كانت والدته تصحبه باستمرار إلى الكنيسة، وتجذبه نحو التعلق بالدين، فيما كان والده، مدرس الرياضيات، يدفعه إلى الاهتمام بالأرقام وتفسير كل ما يدور حوله على أساس علمى.
وأضاف دان براون: "عندما كنت صغيرًا، كان لدينا جراج فى منزلنا وكانت هناك لوحتين فنيتين، واحدة لوالدتى والأخرى لوالدى، وكانت كل لوحة تحمل رمزًا لأحد أمرين "الدين أو العلم"، وكان هناك صراعا فى حياتى بين هذين المفهومين، وعندما أصبحت فى الثالثة عشر من عمرى، وجدت أن الدين والعلم هما أساس العالم اليوم، ومن دونهما لا يمكن أن تستقيم الحياة.. إن الدين يطلب منك أن تتقبل كثيراً من الأمور، وتقتنع بها، فى حين أن العلم يدفعك نحو البحث والتحليل".
فى ضوء هذا، نعود إلى السؤال الذى طرحناه آنفا قد يبدو مثيرا للضحك، وبخاصة لمن يعرف دان براون، ولكن إذا كنت ممن قرأ له رواياته المثيرة للجدل، والتى تناولت علاقة الصراع الأزلى بين العلم والدين، المتمثلة فى الكنسية، بما تحرمه، أو العلم الذى ينفى وجود خالق للكون، فلا شك أن السؤال جدير بالتأمل.
روايات دان براون
قدم دان بروان 7 روايات، هى: "الحصن الرقمى" 1998، "ملائكة وشياطين" 2000، "حقيقة الخديعة" 2001، "شيفرة دافنشى" 2003، "الرمز المفقود" 2009، "الجحيم" 2013، "الأصل" 2017، ووفقا لهذا السؤال، فإن ما يهمنا هو تلك الروايات التى ناقشت هذه الفكرة، والتى تجعلنا نفكر معا فى هذا السؤال، وحتى إن كان الجواب بالنفى.
وتعد رواية "ملائكة وشياطين" Angels & Demons، الصادرة فى عام 2000، أولى روايات دان براون المثيرة للجدل، والتى تتجلى فيها نظرية المؤامرة، والتى سبق وأن تناولها من منظور مختلف فى الروايات السابقة عليها.
رواية ملائكة وشياطين
فبداية من هذه الرواية "ملائكة وشياطين"، اتخذ دان بروان، مسلكا آخر، خلال تناوله لنظرية المؤامرة، والتى تناولها فى أعماله السابقة على هذه الرواية، ليضع القارئ، بل والمؤسسة الدينية أيضًا، أمام إحدى القضايا التى ما زالت تشغل عصرنا حتى اليوم، والتى تتمثل فى العداء بين العلم والدين، ممثلين فى مركز سرن للأبحاث والفاتيكان، وكيف يرى دان براون أو البروفيسور روبرت لانغدون، أستاذ علم الرموز الدينية فى جامعة هارفارد، البطل الرئيسى للرواية تآمر المؤسسة الدينية عبر التاريخ.
وفى هذه الرواية، تابعنا مغامرة البروفيسور روبرت لانغدون، فى متاهات وأقبية الفاتيكان، بحثاً عن حقيقة تنظيم سرى قديم، يعتقد أنه نشأ لمعاداة الكنيسة، ويُسمى المتنورون، ويعتقد أن مجموعة المستنيرين انبعثت لتنتقم من الكنيسة عبر تدمير الفاتيكان.
وبعد "ملائكة وشياطين"، سار دان بروان، فى نفس الطريق، من خلال رواية "شفيرة دافنشى" الصادرة فى عام 2003، والتى تدور أحداثها فى فرنسا وبريطانيا، بداية من متحف اللوفر عندما يتم استدعاء روبرت لانغدون، على أثر جريمة قتل فى المتحف وسط ظروف غامضة.
رواية شفيرة دافنشى
ويكتشف روبرت لانغدون خلال أحداث رواية "شفيرة دافنشى" ألغازًا تدل على وجود منظمة سرية مقدسة امتد عمرها إلى مئات السنين، وكان من أحد أعضائها البارزين مكتشف الجاذبية، العالم إسحاق نيوتن والعالم الرسام ليوناردو دا فينشى.
وخلال الأحداث المثيرة يجد القارئ نفسه أمام سلسلة من الألغاز الشيقة والمثيرة، والتى تستدعى مراجعة التاريخ لفك ألغازه، وسط مطاردة شرسة من أعضاء منظمة كاثوليكية تسعى للحصول على السر.
الفاتيكان وروايات دان براون
وعلى الرغم من أن "شفيرة دافشنى" رواية خيالية، إلا أن تأثيرها كان أكبر من ذلك، إذ تم منعها من الدخول إلى عدة دول منها الفاتيكان، والذى اعترض بشدة على ما جاء فى الرواية الخيالية، ذلك لأنها تناولت علاقة السيد المسيح بـ"مريم المجدلية" بطريقة منافية لما هو مذكور بالكتب المقدسة، وذلك لأن الفاتيكان كان يرى أن مريم المجدلية "عاهرة تائبة" كما اعتبرها البابا غريغورى فى عام 591، ولم يعترف بها الفاتيكان كقديسة، بقرار رسمى، ويرفعها إلى منزلة الحواريين، معتبرا إياها التابع الثالث عشر للسيد المسيح، وأول شاهد على بعثه، إلا فى عام 2016.
فيلم Mary Magdalene
وبناء على هذا الاعتراف، قدم السينما العالمية، فيلما بعنوان Mary Magdalene فى عام 2018، من إخراج الأسترالى غارث ديفيز، ومن بطولة الأمريكية رونى مارا، فى دور مريم المجدلية، وخواكين فينيكس فى دور السيد المسيح.
رواية الجحيم والكوميديا الإلهية لدانتى وأزمة الانفجار السكانى
وبعد رواية "شفيرة دافنشى"، قدم دان براون، رواية "الجحيم" فى عام 2013، وفيها اصطحب جمهور القراء إلى قلب إيطاليا، للتعرف على مشاهد مستوحاة من ملحمة الكوميديا الإلهية، للشاعر الإيطالى دانتى أليجييرى، والتى تعد واحدة من أهم الأعمال الأدبية الكلاسيكية وأكثرها ترويعاً فى التاريخ.
وفى رواية "الجحيم" عاد دان براون، مرة ثانية ليصطدم مع الكنسية، فى رأيها، أو تحريمها لتحديد النسل، كما رأينا عبر مسار أحداث الرواية، تناوله للوضع الذى سوف يصل إليه الإنسان بسبب الانفجار السكانى العصى على الضبط، بعدما عجزت أو رفضت منظمة الصحة العالمية الاعتماد على وسائل معينة للحد من هذه الظاهرة، شأنها كشأن الدول والمنظمات الأخرى.
رواية الأصل والصدام مع الإلحاد
وبعد رواية "الجحيم" قدم دان براون، رواية "الأصل"، والصادرة فى 2017، والتى ناقش فيها قصة الخلق ونشأة البشرية، والصراع الأزلى بين الدين والعلم، وفيها اصطدم روبرت لانغدون مع "إدموند كيرش" العالم المستقبلى والملحد الشهير، والذى يمثل فى هذه الرواية أولئك الذين لا يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون، وأن قوانين العلم وتطوره هى التى أدت إلى ما وصلنا إليه، وما سنصبح عليه، كاشفا عبر أحداث الرواية أكاذيب الإلحاد وما يتسند عليه من حجج علمية.
دان براون يقرأ من رواية الأصل
اللافت فى رواية "الأصل"، هو مرور دان بروان على بغداد، وتحديدًا فى القرن الثامن عشر، والتى كانت آنذاك أكبر مركز للتعلم على الأرض – كما يصفها – حيث استقبلت جميع الديانات والفلسفات والعلوم فى مدارسها ومكتباتها، وعلى مدى خمسمائة عام، تدفقت الابتكارات العلمية من المدينة على نحو لم يشهد له العالم مثيلاً، وما زال تأثيرها ملموسًا حتى اليوم فى ثقافة العالم، سواءً النجوم التى تحمل أسماءً عربية، والأرقام العربية التى يستخدمها العالم، ليدين فى الوقت نفسه ما تشهده الآن "فكر روبرت لانغدون كم أنه من المأساوى أن يتخيل الكثير من الأمريكيين مدينة بغداد كواحدة من مدن الشرق الأوسط المغبرة التى تمزقها الحروب، كما تظهر نشرات الأخبار، من دون أن يعرفوا أنها كانت فيما مضى مركز التقدم العلمى الإنسانى".
هذا التسلل، فى مسار روايات الكاتب الأمريكى الشهير، الذى يعد واحدًا من أغنى الكتاب فى العالم، بعدما حصل فى عام 2005 على 76.5 مليون دولار أمريكى من كتبه، ويقرأ أعماله الملايين، يجعلنا نتذكر أيضا ما قاله عن أصل الأديان، وبخاصة عن الإسلام، خلال تواجده فى معرض الشارقة الدولى للكتاب 2014.
وقال: "إذا كنا نتشابه فى المظاهر الروحية وفى إيماننا بالله، فلماذا نختلف على أدياننا؟.. أصل أدياننا واحد، ولكن مفرداتها ودلالاتها هى المختلفة، فكل الأديان بالعالم تحمل فى جوهرها نفس الحقائق الإنسانية: العطف أفضل من القسوة، والبناء أفضل من التدمير، والحب أفضل من الكراهية".
أما عن الإسلام، فقال دان براون أنه يبحث باستمرار عن أفكار لرواياته المقبلة، لكنه لا يفكر الآن فى رواية مستوحاة من الإسلام أو المنطقة، رغم أنه قضى وقتاً طويلاً فى القراءة والبحث عنهما، لكن المعلومات لم تكتمل عنده بما يكفى لكتابة عمل روائى.
بعد ما قدمه دان براون فى رواية "الأصل" والتى استعرضنا أحداثها آنفا، فمن الطبيعى أن نفكر فيما سيطرحه فى روايته القادمة، وإذا ما كان سينتقل لمناقشة قضايا تتعلق بالإسلام، وهل من الممكن أن يعتنق البروفيسور روبرت لانغدون الإسلام، بعدما رأينا هذا التحول فى شخصيته عبر مسار أحداث رواية "الأصل".