أمر السلطان العثمانى محمود الثانى، بعقد المجلس الشرعى لمواجهة محمد على باشا، والى مصر، وابنه وقائد جيوشه إبراهيم باشا، فانعقد المجلس يوم 23 إبريل - مثل هذا اليوم - 1832، حسبما يؤكد، داود بركات، رئيس تحرير الأهرام 1899 إلى 1933، فى كتابه «البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام 1832».
كان «إبراهيم باشا» يواصل انتصاراته العسكرية فى سوريا وإخضاعها إلى حكم محمد على، واحتل غزة ويافا وحيفا وبدأ فى حصار عكا من نوفمبر 1831، حسبما يؤكد عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على». يذكر بركات أن الفتن كانت قائمة وقتئذ فى الأناضول وألبانيا والبلقان، واتهم الباب العالى محمد على بأنه يقف وراءها، يضيف: «لما كان يوم 23 إبريل 1832 أمر السلطان محمود بعقد المجلس الشرعى، لأنه لم يبق أمامه سوى السلاح الدينى»، وعلق محمد على فى جمع من قناصل الدول: «هل يسمح السلطان لنفسه أن يحاربنى باسم الدين، وأنا أحق منه بمهبط الدين والوحى، لأننى أنقذت الحرمين الشريفين وأعدت للدين سلطانه، وأنا الآن أحكم مكة المكرمة والمدينة المنورة».
كان محمد على يقصد بكلامه أمام قناصل الدول تذكيرهم بانتصاراته فى الجزيرة العربية على الوهابيين بعد استغاثة من السلطان العثمانى محمود الثانى، وحسب «جيلبرت سينويه» فى كتابه «الفرعون الأخير - محمد على»، ترجمة «عبدالسلام المودنى»: «فى بداية شهر أكتوبر 1811 ركب البحر ثمانية آلاف رجل، مقسمين بين ستة آلاف من الألبان المشاة وألفى فارس، جعلوا تحت إمرة طوسون «ابن محمد على» البالغ من العمر آنذاك ثمانى عشرة سنة..وفى يناير 1813 يدخل مكة ومن بعدها الطائف، وفى أواخر الشهر نفسه يصل إلى القاهرة خبر الاستيلاء على الأماكن المقدسة، فيهرع إسماعيل الابن الثالث لمحمد على إلى إستانبول لتقديم مفاتيح المدينة ومكة إلى السلطان، فتتكدس الهدايا أمام أقدام إسماعيل من سيوف وخناجر قيمة، وقنابر ورياش طعمت بالماس، وأهديت لمحمد على فروة وشالات من الكشمير».
تعجب محمد على من محاربته بسلاح الدين وهو الذى حقق تلك الانتصارات، غير أن المجلس الشرعى انعقد، حسبما يذكر داود بركات، مشيرا إلى أن هذا المجلس كان يتكون من «ثلاثة مفتيين، وأربعة عشر من قضاة العسكر، وأثنى عشر قاضيا من قضاة المحاكم، وتسعة من أئمة السراى السلطانية ومن إمامى جامع أيا صوفيا، وجامع السلطان أحمد».
يؤكد «بركات» أن هؤلاء لما اجتمعوا تم توجيه أسئلة إليهم للإجابة عليها وهى: «ما الذى جاء به الشرع من الأمر بطاعة أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين؟.. الإجابة: «قد فرضت له الطاعة والوقوف عند حد أوامره جهد الاستطاعة»، سؤال: «ما الذى جاء به الشرع الشريف فى عقاب العامل المارق عن طاعة خليفته وسلطانه الذى أحسن إليه، وأتم نعمته عليه، فطغى وتجبر ودس الدسائس وأقام الأحقاد وأيقظ الفتنة الراقدة وعمل على تمزيق ملك سلطانه، فركب متن الجور والعسف وأراق الدماء هدرا وخرب ديار المسلمين، ولم يرض بالطاعة للدين ولاعمل بسنة سيد المرسلين».. الإجابة: «يجرد من سائر رتبه ووظائفه، ولا يعهد إليه بأمر من أمور المسلمين، ثم يحل به القصاص ويلقى لوحوش البرية أو إلى طيور الفلا، وهذا جزاؤه فى الدنيا، وفى الآخرة الخزى والنار الآكلة».. كان السؤال الثالث والأخير هو: «هل يكون الخليفة مسؤولا، أم ذلك المارق أمام الله والناس؟.. الإجابة: «لاجناح على الخليفة ولا تثريب، فإنه قام بما فرضه الشرع الشريف وجاءت به أحكام الدين الحنيف».
بعد تقديم الإجابة عن تلك الأسئلة أصدر أولئك المشايخ حكمهم، وكان نصه، وفقا لبركات: «حيث ثبت خروج محمد على وولده إبراهيم عن طاعة سلطانهما محمود الثانى، فحق العقاب عليهما كما حق على سائر من حذا حذوهما بشق عصا طاعة أمير المؤمنين، وخليفة رسول رب العالمين، وبذلك قضى الشرع الشريف.. أولا: تجريد محمد على وولده إبراهيم من جميع الرتب والمناصب الديوانية، وألقاب الشرف الممنوحة لهما من لدن أمير المؤمنين، ثم بقصاصهما مع سائر من شاركهما فى هذا العصيان والخروج عن طاعة السلطان».
حمل قومندان إحدى السفن الإنجليزية فتوى المشايخ وحكم السلطان إلى محمد على، يذكر بركات: «لم يعبأ به، وأخذ مشايخ العلم فى مصر وسواها يهزؤون بالفتوى والحكم، وكان جماعة من كبار الأجانب مجتمعين عند محمد على يوم شاع أن القيصر نقولا الأول «قيصر روسيا من 1825 إلى 1855»، قد جن على ماروت الجرائد، فقال أحد الكبراء من الأجانب: لقد سمعنا أن القيصر نقولا قد جن، فأجاب محمد على أن ذلك ليس غريبا، ومهما بلغ جنونه فإن جنون متبوعى السلطان الأكبر، فهو الآن يدعو محمد على إلى المثول بين يديه بحجة التعاقد معه على مافيه المصلحة، ونسى كل ما فعله»، يضيف بركات: «قهقه محمد على حتى استلقى على ظهره من الضحك»، رغم فرمان السلطان بتولية حسين باشا، خلفا لمحمد على لم يتم التنفيذ.