حازم حسين يكتب: جسد هزيل وأصوات زاعقة.. هل تحلم المعارضة بالحياة على جثة الأغلبية؟.. الأحزاب والقوى السياسية تواجه مأزقا حقيقيا فى استيعاب توازن القوى وطبيعة لعبة الديمقراطية.. وتنجرف لممارسة ديكتاتورية الأقلية

الخميس، 25 أبريل 2019 04:46 م
حازم حسين يكتب: جسد هزيل وأصوات زاعقة.. هل تحلم المعارضة بالحياة على جثة الأغلبية؟.. الأحزاب والقوى السياسية تواجه مأزقا حقيقيا فى استيعاب توازن القوى وطبيعة لعبة الديمقراطية.. وتنجرف لممارسة ديكتاتورية الأقلية وليد شرابى وهيثم غنيم وأيمن خميس وقطب العربى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- تنجرف لممارسة ديكتاتورية الأقلية بدلا من السعى لحيازة الأكثرية وقيادة المشهد بشكل طبيعى

-

المعارضة فى كل دول العالم تخوض صراعات فكرية وسياسية حقيقية لإزاحة الأغلبية بالصندوق والشعب.. وفى مصر تسعى للحكم من مقاعد الأقلية بالضوضاء و"الشو"

-

جمهوريو الولايات المتحدة يتراجعون أمام الديمقراطيين فى الكونجرس.. و"ترامب" لا يتوقف عن مهاجمة خصومه المسيطرين على مجلس النواب

-

هل تدرك المعارضة السياسية أن إقرار منطق "ديكتاتورية الأقلية" سيحرمها من الحق فى إدارة المشهد إذا نجحت فى انتزاع الأغلبية مستقبلا؟

-

إدارة مشهد رفض التعديلات الدستورية غابت عنها الممارسة السياسية الناضجة.. ولم يسع المعارضون لتنظيم صفوفهم أو إنتاج خطاب مقنع للشعب

-

مواقف القوى والأحزاب المعترضة على تعديل دستور 2014 تورطت فى تسفيه الإرادة الشعبية ومحاولة مصادرة حق المواطنين فى القرار بموجب المادة 226

-

23  نائبا رافضا للتعديلات يمارسون ابتزازا سياسيا لـ531 موافقا.. والأحزاب الكرتونية تحاول فرض رؤيتها مقابل شطب 25 مليون مواطنا من المعادلة

-

حملات المعارضة وصلت إلى 4% من البرلمان و11% من الشعب فقط.. و50 حزبا مناوئا للنظام والأغلبية تعجز عن تحقيق أى حضور وازن فى الشارع

-

أقل من 3 ملايين استجابوا لدعوات الرفض مقابل 23 مليونا انحازوا للأغلبية.. فهل يمكن أن يكون التسفيه ممارسة عاقلة فى التعامل مع 88% من الشعب

-

ثروات التيار الدينى ورجال الأعمال تقود السياسة بين 2011 و2013.. والأحزاب تعوض غياب تلك الأموال بالارتماء فى أحضان "منظمات التمويل"

-

11  وجها بارزا من المنظمات الحقوقية وبزنس التمويلات يقودون العمل الحزبى.. والأحزاب تشارك باستطلاعات وأعمال رصد لصالح تقارير ممولة من الإخوان

-

9 منظمات تابعة للإخوان وأخرى يقودها إرهابى قطرى تجمعها صلات وثيقة بالمجتمع الحقوقى المسيطر على أغلب أحزاب المعارضة اليسارية والليبرالية

 27شهرا مضت منذ دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، سبقتها عشرة أسابيع تلت إعلان فوزه على منافسته هيلارى كلينتون فى الانتخابات التى جرت خلال نوفمبر 2016، وطوال تلك المدة لم يتوقف الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة عن مهاجمة الديمقراطيين، وتوجيه الانتقادات اللاذعة لنوابهم فى الكونجرس بغرفتيه. لا ينحصر الأمر فى مناوشات ومماحكات الأغلبية والأقلية داخل مجلسى النواب والشيوخ، ولا ملاحظات الإدارة الأمريكية وتعليقات المسؤولين السياسيين ومستشارى "ترامب" ومعاونيه، وإنما يدخل الرئيس نفسه على خط الصراع بين وقت وآخر، بصورة بالغة الوضوح والحدة، بل والإهانة فى كثير من الأحيان.

فى آخر تصريحاته المتلفزة والتغريدات الساخنة عبر حسابه على "تويتر"، قال الرئيس الأمريكى حاد اللهجة إن ممارسات الديمقراطيين المناوئة لتحركاته السياسية فيما يخص الحرب التجارية مع الصين، وجهود بناء جدار على الحدود الأمريكية المكسيكية، وتشديد إجراءات استقبال وعبور اللاجئين المتدفقين من الحديقة الجنوبية فى أمريكا اللاتينة، تمثل مساسا مباشرا بالمصالح العليا للولايات المتحدة، وتهديدا لحياة الأمريكيين ومعيشتهم. وعلى الجانب المقابل لا تدخر الأغلبية الديمقراطية فى مجلس النواب جهدا لحصار الأقلية الجمهورية والتضييق عليها، واتخاذ مواقف مناوئة لأجندتها التشريعية، وسياسات "ترامب" وإدارته للشؤون الداخلية والخارجية، والعكس تماما تفعله الأغلبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ. وبين التركيبة الثلاثية بالغة التعقيد للمشهد يسير قطار السياسة الأمريكية، وتسير كل القطارات السياسية على امتداد العالم، بأغلبية مُتحكّمة ونافذة الإرادة، وأقلية تجتهد دائما لتبادل المقاعد، سعيا إلى إنفاذ إرادتها واستبعاد خصومها من المشهد.

إدارة السياسة بالصوت العالى

رغم الالتهاب الشديد البادى على مكونات المشهد الأمريكى، إلا أنه يُدار على أرضية الصراعات السياسية والتشريعية العميقة، فباستثناء تعليقات "ترامب" العابرة، لا تتجاوز الأقلية الديمقراطية فى مجلس النواب حدود الحيّز الذى يتوفر لها وفق التمثيل العددى وتوازن القوى، وتشتبك مع إرادة الديمقراطيين بخطط وبرامج وأفكار ومناقشات جادة، والأمر نفسه يفعله نواب الحزب الديمقراطى فى صراعهم مع الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ. وبالتوسع واستعراض تركيبة الصراعات السياسية فى الديمقراطيات الغربية واللاتينية والأنظمة السياسية فى دول آسيا الكبرى، لن نجد المشهد مختلفا عن تلك التركيبة، الأغلبية المسيطرة والمعارضة الساعية باجتهاد لأن تكون بديلا واقعيا ومقنعا، ولن تجد انحرافا عن تلك المعادلة إلى فى دول العالم الثالث والمجتمعات ذات الطبيعة القبلية والانحيازات الأيديولوجية المغلقة.

فى مصر لا يبدو أن المعارضة السياسية تملك أفقا للعمل أو طموحا لحيازة مقاعد الأغلبية. ربما تتحرك عمليا بيقين راسخ وإحساس متضخم بالذات، وتمارس السياسة كما لو كانت أغلبية فعلية فى مقاعد الحكم، لكن الترجمة الفعلية لهذا اليقين غير متحققة على أرض الواقع، سواء فى الشارع السياسى أو فى أروقة القوى والأحزاب نفسها. وربما تحمل الأرقام والمؤشرات الخاصة بالتعديلات الدستورية الأخيرة وإقرارها داخل البرلمان وفى الاستفتاء الشعبى قراءة واضحة لحجم الحيز الذى تشغله فصائل المعارضة المختلفة على تنوعها، فبينما مرر مجلس النواب التعديلات بأغلبية 531 نائبا لم تظهر المعارضة إلا بأصوات 22 عضوا رفضوا المقترح ونائبة واحدة تحفظت عليه، بنسبة 4% من إجمالى النواب الحضور بالجلسة العامة، وعلى صعيد الاستفتاء الشعبى وافق أكثر من 88% من المقترعين على التعديلات، مقابل 11% تقريبا أبدوا رفضهم لها، من إجمالى مشاركة تجاوزت 27 مليون مواطن بنسبة تتجاوز 44% من قاعدة الناخبين، فى أعلى مشاركة فى استحقاق انتخابى ودستورى خلال السنوات التالية للثورة باستثناء انتخابات الرئاسة 2012 و2014.

تلك الأرقام الإيجابية بالضرورة بالنسبة للأغلبية البرلمانية التى تقدمت بمشروع التعديل ومررته فى مجلس النواب ودعت المواطنين لإقراره، يُفترض على الجانب الآخر أن تُثير حالة من الهلع فى أروقة المعارضة والقوى السياسية. إذ فى الوقت الذى تتشكل فيه الأغلبية من 400 نائب بحسب تصريحات لرئيس الائتلاف السابق النائب محمد السويدى منتصف العام الماضى، عبر 6 أحزاب متفاوتة الأحجام والتمثيل النيابى، وعشرات من النواب المستقلين، يضم المجلس قرابة 13 حزبا آخر وقرابة 200 نائب خارج كتلة الأغلبية، يمكن اجتذابهم أو التوافق معهم وتشكيل مساحة من الاشتباك والصراع السياسى الحميد بين المعارضة والموالاة، إضافة إلى الصورة الأكثر فداحة بالنظر إلى عدد الأحزاب المصرية البالغ 104 كيانات قائمة، وعدة أحزاب أخرى قيد التأسيس، بما يُعنى أن مساحة العمل الحزبى البعيدة عن دوائر الأغلبية تقترب من 100 حزب، نصفها على الأقل من القوى المعارضة للأغلبية القائمة والنظام السياسى، لكن رغم ضخامة الرقم فى ميزان العمل الحزبى، يبدو أنه لا يُشكل قوة أو حضورا على الصعيد العملى، وأن التوازن الواضح فى الثروة الحزبية لدى فريقى الموالاة والمعارضة، غير مترجمة فعليا فى صورة توازن فى الرصيد الشعبى أو حيز الانتشار فى الشارع أو القدرة على التأثير وحشد المواطنين، وسعيا إلى تعويض هذا الخلل الفادح فى الموازين تستعيض القوى السياسية الواقفة على يسار النظام والأحزاب الداعمة له بالمعارضة المتغطرسة وديكتاتورية الأقلية، وتوظيف فوائض الشعارات والخطابات الشعبوية؛ للاستحواذ على مساحة حضور افتراضية غير مُتحقِّقة واقعيا، وتركيب أصوات جهورية زاعقة على جسد هزيل لا يكاد يُرى بالعين المجردة!

تعليق الفشل على شمّاعات الآخرين

المتتبع لأداء القوى السياسية المصرية خلال السنوات الأخيرة، وحتى قبل ثورة 25 يناير 2011، لن يضع يده على أية ممارسة جادة من جانب تلك القوى بما يشى بسعيها لتجاوز أزمتها، أو حتى وعيها بتلك الأزمة على الأقل. فبينما لم يتجاوز عدد الأحزاب السياسية 30 حزبا حتى أواخر تسعينيات القرن الماضى، تضخم العدد فى العقدين التاليين مسجلا 84 حزبا قبل ثورة يناير، واستمر التنامى الغريب فى العدد وصولا إلى 104 أحزاب مؤخرا. وضمن تلك الخريطة انقسم اليسار على نفسه، وكذلك فعل الناصريون والقوميون، ودارت أمور الفصيل الليبرالى بالوتيرة نفسها. وبدلا من حزب ناصرى واحد أصبح التيار موزعا على 4 أحزاب، وخرجت طوابير من التجمع مؤسسة حزبين جديدين وثالثا تحت التأسيس، وتفرق دم الليبراليين بين أكثر من سبعة أحزاب!

نزيف القوى السياسية لم ينحصر فى حالة التكسير الدائمة فى الكتل الأيديولوجية والتجمعات السياسية القديمة، والمنافسة داخل التيار الواحد بمزيد من الأحزاب والمنابر الوليدة، وإنما امتدت تصاعد الصراعات داخل التجارب الوليدة نفسها، فشهد "المصريين الأحرار" صراعا بين قياداته فى مرحلة سابقة، واشتبكت الكُتل المشكلة لـ"المصرى الديمقراطى" داخليا فخرج من خرج وسيطر الباقون على الحزب، واشتعلت الحرائق داخل "الدستور" حتى جمّد آلاف من شبابه عضوياتهم أو توقفوا عن الانخراط فى أماناته ولجانه، وامتد نزيفه من هالة شكر الله إلى خالد داود وصولا لتجفيف قواعده تقريبا. ولم يكن التيار الناصرى أفضلا حالا، حتى بعد دمج وجهه البارز حمدين صباحى لـ"التيار الشعبى" مع حزب الكرامة تحت مسمى "تيار الكرامة". تعددت الصراعات والكيانات وظلت مساحة الحضور محدودة، تآكلت تحت أقدام البعض واتسعت تحت أقدام غيرهم، لكنها لم تزد عمّا كانت عليه ولم يتجاوز الاستحواذ حيز النهش المتبادل داخل التيار الواحد، مع تراجع العضويات عما كانت عليه قبل سنوات، حتى وصل المشهد إلى مرحلة مزرية فى كل الأحزاب تقريبا، وبدلا من البحث عن مكمن الأزمة وعلّة الفشل، تبحث كثير منها عن شمّاعات لتعليق مشكلاتها عليها، ربما لإراحة الضمير وغسل أيدى القيادات، خاصة أنهم يعلمون أن تلك الشمّاعات لن تكون فعالة فى استجلاب التعاطف والقبول الشعبى!

الأزمة الأكثر فداحة أن خريطة القوى السياسية على اتساعها لا يبدو أن لديها بدائل لتحفيز قواعدها وضبط آليات عملها، بل لا تتوفر لديها ثقة كافية للرهان على مدوناتها السياسية وهياكلها المؤسسية كأداة فعالة لتطوير وسائل العمل وخوض معركة جادة مع الأغلبية وأحزاب الموالاة، فتبحث عن مسارات بديلة للدعم والمساندة عبر الرهان على ماكينات الدعاية الإخوانية وخطابها المعادى للدولة، وهو ما يتجلّى بشكل واضح فى ترديد دعوات المصالحة والاصطفاف الوطنى مع الجماعة وحلفائها بالخارج على فترات متقاربة، وتمرير تلك الدعوات من خلال منصات التواصل الاجتماعى، وعبر وجوه محسوبة على مجتمع "سياسة التمويلات" ممن لم تنقطع خطوط اتصالهم مع الجماعة خلال السنوات الست الأخيرة، وتلك نقطة أخرى من نقاط الخلل الفادح فى بنية المعارضة السياسية.

 

سياسة المنظمات و"بزنس التمويل"

فى المرحلة التالية ثورة يناير التحقت عديد من الأحزاب السياسية بركب الإخوان، وتأسست أحزاب أخرى بدعم مباشر من الجماعة، وخاضت أحزاب وقوى أخرى الانتخابات على قوائمها وبأموالها المباشرة. كانت تلك الصيغة بمثابة الراعى والحاضنة المالية لتيارات عديدة من اليسار واليمين الليبرالى، لكن مع انسحاب الجماعة الإرهابية أو طردها من المشهد فى 30 يونيو وما تلاها، بدت الهياكل الحزبية القائمة وروافعها المالية فى مهب الريح، خاصة مع غياب عدد من رجال الأعمال وأثرياء الساحة السياسية، مثل ممدوح حمزة وحازم عبد العظيم والكادر الشيوعى "ه. ع" وغيرهم، عن تمويل القوى السياسية التى وظفت الخطاب الثورى بين 2011 و2013 فى استقطاب فوائض التدفقات المالية العابرة للجماعات الدينية ومنظمات المجتمع المدنى.

المسار الذى وجدت فيه الأحزاب والقوى السياسية بديلا كافيا لتعويض الفواقد المالية كان فريق المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدنى. وبالفعل كانت بعض الأحزاب قد خاضت التجربة واختبرت الأمر عمليا، من خلال "أ. ف" و"ف. ز" القياديين فى حزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، و"ه. ش" و"خ. د" القياديين فى حزب الدستور، و"خ. ع" و"م. ع" القياديين فى حزب العيش والحرية "تحت التأسيس"، إضافة إلى مساندة "ح. ب" و"ب. ح" و"ن. ب" و"ج. ع" و"م. ز" لعدد من الأحزاب والقوى السياسية. ومع اعتماد تلك الوجهة كنافذة بديلة لتدبير المطالب المالية للأحزاب وكوادرها شهدت الساحة حالة من الاندماج واسع المدى بين الكيانات السياسية والحقوقية، سواء على مستوى قيادة رموز بارزة بالمجتمع المدنى و"بزنس التمويلات" لعدد من الأحزاب، أو ممارسة تلك الأحزاب أعمالا ذات طبيعة حقوقية ضمن مشروعات ومبادرات تلك المنظمات، وتحصيل مقابل تلك الأعمال والخدمات كما لو كانت مكاتب استشارية وجهات للرصد والبحث. لكن الصادم فى تلك الصورة المشوهة لعلاقة الأحزاب السياسية ببوابات العبور المالى، أن أنشطة كثير من تلك المنظمات تُدار من خلال "ب. ح" مؤسس أحد أبرز المراكز الحقوقية، المقيم فى العاصمة الفرنسية باريس ودائم التردد على عدد من العواصم الغربية، أبرزها لندن وواشنطن، ومن خلال هذا الوجه المعروف بكونه أبرز مصادر التمويل وبوابات العبور المالى إلى جانب "ح. ب" الذى يملك موقعا إخباريا ممولا من منظمات أوروبية بما يتجاوز 30 ألف يورو شهريا، تُعد التقارير والدراسات المسحية وأعمال الرصد وتقييم حالة الإعلام والسياسة لصالح جهات وسيطة مرتبطة بالإخوان، أبرزها منظمة "الكرامة" التى تمولها حكومة قطر ويديرها عبد الرحمن النعيمى المصنف على لائحة الإرهابيين من الولايات المتحدة ومنظمات وحكومات عالمية عدة، وذلك إلى جانب النوافذ المملوكة للإخوان بشكل مباشر، وأبرزها مراكز "نجدة" و"الندوة" و"الحوار" و"الشهاب" و"عدالة" و"المنظمة العربية" و"المرصد العربى لحرية الإعلام" و"هيومان رايتس مونيتور" و"المنظمة السويسرية" التى يديرها وليد شرابى وعبد الموجود درديرى وياسمين يحيى ومحمود جابر وخلف بيومى ومصطفى عزب وعلاء عبد المنصف وهيثم غنيم وأيمن خميس وقطب العربى، وفى الوقت الذى تتولى فيه حلقات وسيطة من المجتمع المدنى المصرى إدارة تلك العلاقات وتنظيم تدفقاتها المالية، لا يمكن استبعاد كوادر الأحزاب البارزة المتورطين فى تلك المسارات من المسؤولية المباشرة عن إجهاض فرص الاستقلال والنضج داخل تلك الكيانات السياسية، وتحقيق مكاسب شخصية على حساب السعى الجاد لتعزيز الساحة الحزبية وشدّ عودها!

الحياة على جثة الأغلبية

بطبيعة الحال لا يمكن نفى أن أداء الأغلبية ربما يشهد قدرا من الارتباك فى بعض الأحيان، وأن خبرات بعض رموزها وكوادرها الحزبية والبرلمانية ربما لم تنضج وتترسخ بصورة كبيرة حتى الآن، وإزاء البحث عن صيغة أكثر نضجا وتماسكا للممارسة السياسية، لا يمكن الانحياز إلى أحدهما إلا بقدر الإجادة والاضطلاع بالأدوار والمهام المنوطة به. وبينما يُفترض أن تُشكل ممارسات الأغلبية وخطابها مادة أولية لإنتاج خطاب المعارضة وتخطيط البرامج العملية والمسارات البديلة، يتعين عليها فى الوقت نفسه أن تقدم أطروحات متماسكة لتوسيع مساحة حضورها على حساب الأغلبية، مع تقدير أن تلك الأطروحات قد تمثل مادة حافزة للأغلبية على تطوير خطابها وآليات عملها، لتكون الغلبة للفريق الأكثر قدرة على الاشتباك العميق، والأكثر سرعة فى صياغة الخطط وتصحيح المسارات.


 

الصورة السابقة افتراض ذهنى لما يجب أن تكون عليه الأمور، أو مقاربة لما يحدث فى كل الساحات السياسية على امتداد العالم، لكن المشهد الماثل فى الساحة السياسية المصرية لا يتسع لتلك الافتراضات أو المقاربات للأسف، ولا يبدو قابلا للتطور أو التنامى الإيجابى، فى ظل إدمان أحد طرفيه لقواعد مُخترعة تنحرف باللعبة السياسية عن مسارها الديمقراطى المُحتكم إلى الممارسة العملية ومرجعية الشارع وصناديق الاقتراع، إلى الاستعاضة عن الهزال وتآكل الجسد السياسى والقواعد الشعبية، باللجوء إلى نفخ الحناجر ورفع عقيرتها بالأصوات الزاعقة، مع استمراء العمل وفق الآليات والتحالفات القديمة، حتى لو تجاوزها الزمن وخرجت بعض أطرافها من الساحة ملتحقة بالضفة المناوئة للدولة بكل مكوناتها، وفى القلب منها المعارضة نفسها.

 

من غير المنطقى أن تكون جماعة الإخوان على سبيل المثال رافضة للمشهد السياسى المصرى، وهو عبارة عن لوحة واحدة تتألف من المعارضة والموالاة، بينما تنحاز عديد من فصائل المعارضة وقواها السياسية لدعوات المصالحة والاصطفاف مع الجماعة، ويتورط كثير من قياداتها ورموزها فى علاقات مشبوهة مع بعض المنظمات وبوابات العبور المالى المتصلة بكيانات حاضنة للإخوان أو تابعة لهم، إذ إن تلك المعادلة أقرب لمن يصوب مسدسه على رأسه ويضغط الزناد متخيلا أنه يقتل شبحا أو غريما يقف إلى جانبه. لا يتعلق الأمر بإنفاذ إرادة الأغلبية الحالية على خلاف هوى المعارضة، لأن الصورة مرشّحة للتبدل إذا أحسن فصائل المعارضة العمل وترتيب الصفوف والاتصال بالشارع والاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لكنه يتعلق بذهنية القوى السياسية ورؤيتها للمعادلة فى الأساس، وهى الرؤية التى تنحاز لإدارة الأمور بخطابات المزايدة والابتزاز السياسى شعبوية الطابع، حتى لو انفض الشعب من حولها أو تآكلت مساحة تأييدها فى الشارع، ويتعلق بالمحاولات غير المنطقية لإعادة تأسيس الساحة السياسية على غير ما تقتضيه طبيعة الأمور وموازين القوى، وهو ما لو تحقق لن يكون فى صالح المعارضة بالقدر نفسه، إذا تيسّر لها أن تتبادل المقاعد وتشكل الأغلبية فى يوم من أيام المستقبل، وقتها سنكون أقررنا قاعدة الحكم من مقاعد الأقلية، والتسليم بهيمنة الجسد الهزيل إذا امتلك صوتا زاعقا، والأهم أن الأمر ينطوى على إقرار غريب بالحياة على جثة الأغلبية، أى على جثة الشعب للأسف!


 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة