«الإخوان» تتلاعب بالتيار المدنى بدءًا من انتخابات 1984 و1987 و«كفاية» و«الوطنية للتغيير» وتختطف «25 يناير» بمعاونة الأحزاب و«ائتلاف شباب الثورة».. مازالت المعارضة مُصرّة على إدارة المشهد بـ«صفافير وحِلَل» معتز مطر ومحمد ناصر والتورط فى إعادة إنتاج خطاب الجماعة وتبنى وسائلها الاحتجاجية
- الفاشية الدينية فرضت رؤيتها على القوى المدنية وأخرجت المشهد السياسى طوال 30 شهرا من «ثُقب الإخوان الضيق»
- إدمان اليسار والليبراليين لأدوات الإخوان بدأ باعتماد المزايدة والابتزاز فى 2011 و2012 ووصل لدعوات «الشرق ومكملين» فى 2019
- لماذا تستعير المعارضة ملابس الإخوان السوداء ومؤتمرات الخُطب الحنجورية السطحية بدلا من الاستعداد لانتخابات 2020 و2024؟
اندلعت ثورة 25 يناير فى غفلة من القوى السياسية بمجموعها، سواء الحزب الوطنى ودوائر النظام، أو التيار المدنى وأحزاب المعارضة، كان المشهد بكامله مفاجئا وصادما إلى درجة العجز عن بلورة موقف واضح لدى النخب التى يُفترض أن تكون طليعة قيادية وتنظيمية للشارع، فتقدّم الشباب وقادوا الفعل الاحتجاجى خلال أيامه الأولى، وإذا تجاوزنا حالة الانفلات والممارسات الساخنة التى صنعتها ووجّهتها بعض الجماعات الدينية والشبابية، فقد سارت الأيام الأولى للثورة بإيقاع واضح، حتى لو كان ضبابيا وغير ناضج، لكنه بدأ فى الارتباك والاضطراب والانجراف إلى حيّز الفوضى والعشوائية مع دخول كوادر الأحزاب والقوى السياسية على الخط.
تخبّطت الثورة طوال الشهور التالية، بسبب الإدارة السيئة للمشهد من جانب النخب والكوادر السياسية، وبقدر ضئيل من الجهد والمناورة نجحت جماعة الإخوان فى تدجين الأحزاب والقوى السياسية المُنظّمة، وإدخال رموزها إلى حظيرة الرؤية الفاشية الدينية، طائعين ومُستسلمين تماما لهيمنتها واستحقاقها لتصدّر واجهة الصورة، وهو ما سهّل على التنظيم السرّى المُتشعِّب الخروج إلى المجال العام بكُتلته الكثيفة وجسده الضخم، وأطرافه المُوزّعة على تيارات وأحزاب وتجمُّعات مهنيّة أخرى، واختطاف المسار السياسى التالى للثورة، بدءا من الدفع برئيس وزراء مقبول من التنظيم، تحيط به دائرة من الوزراء والمسؤولين وقيادات الصفين الثانى والثالث المرتبطين بالجماعة ارتباطا عضويًّا مُباشرًا، وصولا إلى ترسيخ وشرعنة هذا الاختطاف بالسيطرة على البرلمان، ثم الدخول إلى مقر رئاسة الجمهورية على أعناق اليسار والليبراليين، وفى زفّة من هتافات الائتلافات الثورية والتجمّعات الاحتجاجية والاشتراكيين الثوريين وشباب 6 إبريل.
«الإخوان».. قيادة غير شرعية للمدنيين
لم يكن مشهد تقدّم «الإخوان» واحتلالها الواجهة جديدا، تكرر الأمر فى حقب سابقة نجحت خلالها الجماعة فى توظيف الكيانات السياسية الشرعية كغطاء لاستجلاب المشروعية، فعبرت إلى برلمانى 1984 و1987 من بوابة أحزاب الوفد والأحرار والعمل الاشتراكى، والأخير نفسه تحوّل لاحقا إلى حزب إسلامى مع نجاح الجماعة فى اختراقه، بينما كان «الأحرار» داعمها الإعلامى عبر منحها صحيفة «آفاق عربية» الصادرة بترخيص مملوك للحزب، واختيار الإخوانى بدر محمد بدر مديرا لتحريرها. وامتدّ التحالف طوال العقود الثلاثة السابقة على ثورة يناير، عبر تنظيم لقاءات وتجمعات وتظاهرات وإصدار بيانات مشتركة، وصولا إلى مجاورة الجماعة لليسار والتيار المدنى فى حركة «كفاية»، بل وقيادتها للجمعية الوطنية للتغيير، التى تأسّست تحت زعامة محمد البرادعى. وقتها تولى الإخوانيان عبدالرحمن القرضاوى ومصطفى النجار تدشين موقع إلكترونى باسم الجمعية، وفّرت الجماعة تمويله ودبّرت مقرّه واحتياجاته اللوجستية، ودفعت بأعضائها لجمع التوقيعات على بيان التغيير، وفى وقت لاحق قال قياداتها إنهم جمعوا أكثر من 700 ألف توقيع وحدهم، بما يتجاوز أضعاف ما جمعته كل القوى السياسية الأخرى مجتمعة.
ورغم حضور عصام العريان ومحمد البلتاجى اجتماع الجمعية الوطنية للتغيير قبل تظاهرات يناير بساعات، ممثلين عن الإخوان، وإعلانهما عدم مشاركة الجماعة ورفضها الهتاف ضد النظام أو المطالبة بإسقاط الرئيس السابق حسنى مبارك، سارع التنظيم بالالتحاق بالحركة الاحتجاجية مع تواتر المؤشرات على نجاحها بدءا من مساء الجمعة 28 يناير «جمعة الغضب»، وبادر بتشكيل تجمع شبابى باسم «ائتلاف شباب الثورة» دفع بعدد من أعضائه ضمن تشكيله، أبرزهم محمد القصاص وعبدالرحمن فارس وآخرون غيرهما، وفى الأسابيع التالية استقرت الأمور وفق رؤية الجماعة، بما سمح لها بتحديد مواعيد الاحتجاجات وطبيعتها ومساراتها، فاختارت الجمعة يوما رسميا للتظاهر، ومنحت ذلك اليوم أسماء ذات هوية إسلامية واضحة «الصمود- النصر- التطهير- الاستمرار» وصولا إلى «جمعة الشريعة».
فجأة وجد الشباب المستقلون وغير المنتمين لأى تيارات سياسية أنفسهم غنيمة للجماعة المتطرفة، لم يختاروا ذلك المسار ولم يُؤخذ رأيهم فيه، وإنما قرّر رموز اليسار والتيارات الليبرالية والحركات الاحتجاجية الشبابية، الذين وثق فيهم المتظاهرون رهانا على حُسن النوايا أو عجزا عن إيجاد البدائل، أن تكون «الإخوان» القائد العملى للثورة بكل فصائلها، ربما تحت ضغط ماكينة الجماعة التى روّجت كثيرا لاتساع حجم التنظيم وانتشاره وهيمنته على ربوع مصر، أو إيمانا من تلك التيارات نفسها بالعجز عن تخطيط برامج وصيغ عمل جادة ومُقنعة للشارع، والتسليم بأنهم أقل وأضعف من أن يكونوا بديلا للنظام، أو للجماعة!
النظر من «ثقب الجماعة»
فى الشهور التالية للثورة، كان المُتوقَّع أن تبدأ الأحزاب الشرعية والقوى السياسية الراسخة العمل على تنظيم صفوفها، وتدريب كوادرها، وتوسيع رقعة انتشارها فى الشارع، فى وقت لم تكن «الإخوان» قد كيّفت وجودها أو امتلكت أية مسارات شرعية للعمل بعد، لكن بدلا من ذلك تورّطت النُّخَب السياسية فى رؤية الجماعة، وطالعت المشهد من الثقب الصغير الذى اخترعته وروّجته وفرضته على الجميع. وبعدما كانت القوى الثورية تطالب بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل انتخابات البرلمان، مرّرت الجماعة اقتراحا معاكسا تماما.
المفاجأة أن الأحزاب لم تقبل بمقترح «الإخوان» فقط، وإنما ساعدت بإخلاص شديد فى إنجاز المسار بالطريقة التى ترضى الجماعة وتُحقّق تطلعاتها، فتحالف معها عدد من الأحزاب والتيارات الناصرية والقومية والليبرالية، وترشّح كثيرون منهم على قوائمها، وحينما وصلت المسيرة إلى محطة الاستحقاق الرئاسى كانت الجماعة تملك حزبا واسع الانتشار «الحرية والعدالة»، وعدة أحزاب أخرى تابعة من الباطن أو بالوكالة «مصر القوية - العدل – الوسط... وغيرها»، وبدأت خطة مُتقدّمة لإرباك الساحة وتفكيك تكتلاتها، عبر الدفع بأربعة مرشحين من التيار الإسلامى، فدفع المدنيون والدوائر المقربة من النظام السابق بتسعة مرشحين، أكل عبدالمنعم أبو الفتوح حمدين صباحى، وأكل الاثنان عمرو موسى، فوصل أحمد شفيق ومحمد مرسى إلى جولة الإعادة. وكما أرادت الجماعة وخطّطت بالضبط، انبرت كل القوى السياسية والثورية لدعم مرشحها، حتى وصل الأمر إلى حشد «الاشتراكيين الثوريين»، الأكثر تطرّفا ضمن نسيج اليسار، للتصويت لـ«مرسى»، وكذلك فعلت 6 إبريل وائتلاف شباب الثورة، والتأم الجميع حول مرشّح الجماعة فى مؤتمر ابتزاز سياسى بفندق «فيرمونت مصر الجديدة»، حاملين مرشح الفاشية الدينية على الأعناق وبالهتافات الثورية إلى موقع القيادة فى قصر الاتحادية.
خرج المشهد بصورة هزيلة وسائلة للغاية، وبينما رأى الجميع حجم سيطرة الإخوان على المشهد، وحدها الأحزاب والقوى السياسية والثورية لم ترَ أنها كانت مطيّة رخيصة للجماعة، وربما بسبب هذا التورُّط الطويل فى خطط «الإخوان» والمسارات التى رسمتها لتأطير الاحتجاجات الشعبية وتوجيه طاقتها وفوائضها السياسية إلى خزائنها، لم يعد ممكنا التحرّر من تلك الرؤية، أو العمل خارج الوصاية الإخوانية، ولم يكن مُتصوّرا أن تنجو مصر من الاختطاف الذى أحكمت الجماعة تخطيط ملامحه وترسيم الطريق إليه، ووظّفت خصومها ومُناوئيها لإنجازه بالصورة التى أرادتها تماما، إلا وقتما استفاقت قطاعات من الشباب مرة أخرى، فنظّمت صفوفها وعملت بشكل مُستقل ومُتحرِّر من ضغوط الأحزاب ورموز السياسة، سواء من خلال حركة «تمرّد» أو تكتلات المستقلين والشباب غير الحزبيين والنقابات المهنية والعمالية، ونجحت تلك المجموعات فى حشد الشارع وصولا إلى مشاركة أكثر من ربع الشعب فى تظاهرات 30 يونيو والإطاحة بالجماعة وممثلها فى الرئاسة.
كان المُنتظر بعد كل تلك التفاعلات والتحوّلات أن تتحرّر الساحة السياسية من سطوة الإخوان، وأن توجّه الأحزاب وكوادرها الأنظار للرؤية من مجال أعمق وأكثر اتساعا من ثُقب الجماعة المحدود، لكن للأسف لم يتحقق التحرّر، ربما ليس لأن القوى السياسية أدمنت السير فى ركاب الجماعة التى انجرفت بقوة إلى مسار العداء والعنف المنظم ضد الجميع، مؤسسات وجماعات وأفرادا، وإنما لعدم امتلاك تلك القوى أية رؤى أو خطط عمل، وبالتأكيد لتحلّل هياكلها، ومحدودية قواعدها الشعبية ومجال اتصالها وتأثيرها على الشارع.
اعتماد أدوات الإخوان
كان القاسم المشترك بين الإخوان وباقى القوى السياسية قبل 2011، الانخراط فى صفقات واتفاقات مع النظام السابق، من خلال عدد من كوادر الحزب الوطنى الذين تولوا مهمة التنسيق مع المعارضة. وطوال سنوات من العمل وفق تلك الاشتراطات، حازت الجماعة حصصا محسوبة فى برلمانات 1984، و1987، و1990، و1995، و2000، و2005، و2010، والأمر نفسه مع عدد من رموز المعارضة الحزبية والمستقلة، من كل الانتماءات السياسية، ومع تداعى المنظومة التى شهدت تلك التحالفات، احتاج الأمر إلى تطوير وسائل العمل وصولا إلى صيغة تليق بالنظام الآخذ فى التشكل، وكالعادة كانت «الإخوان» الأسرع فى المبادرة بتحديد أهدافها ومسارات الوصول إليها.
اعتمدت الجماعة آلية التفاوض والضغط والابتزاز السياسى، بدءا من لقاءاتها الأولى مع مؤسسات الدولة المكلفة بإدارة المرحلة الانتقالية التالية لثورة يناير، مرورا بتعاملها مع القوى الشريكة فى الثورة، وإمعانا فى ضرب كل الأطراف ببعضها، أوحت بحالة توافق مع السلطة الانتقالية للضغط على الشركاء، ووظّفت الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية فى استكمال الضغط وانتزاع المكاسب، بدءا من استفتاء مارس 2011، ثم انتخابات البرلمان 2011، وانتخابات الرئاسة واستفتاء الدستور 2012. وبدورها حاولت القوى السياسية اقتباس الأدوات نفسها، لكنها كانت أقل حضورا وتأثيرا وقدرة على المناورة والضغط، فانفرد الإخوان بالمشهد، لكن مع إزاحتهم فى ثورة 30 يونيو خلت الساحة من المنافس الأكثر إجادة لأدوات المزايدة والضغط والابتزاز السياسى، وأصبح متاحا للأحزاب والقوى القديمة والناشئة أن تعتمد تلك الأساليب فى العمل.
الفترة الانتقالية التالية للإطاحة بالإخوان حفلت بكثير من مشاهد توظيف القوى السياسية لأدوات عمل الجماعة، سواء فى تشكيل لجنة الخمسين المكلفة بإعداد مشروع الدستور، أو فى الاستفتاء على الوثيقة الدستورية التى أراد واضعوها أن تكون مُفخخة ومليئة بالثغرات، وأن يتفرّق دمها بين الأنظمة الرئاسية والبرلمانية والمختلطة بدون هيكل متماسك أو صيغة واضحة، مع إفراد مساحات واسعة لمنطق المحاصصة والمكاسب الفئوية، ولأن بعض تكوينات الساحة السياسية تصوّرت أن ضغوط ما بعد الإخوان حقّقت لها قدرا من المكاسب خلال وضع الدستور، اعتمدت المزايدة والابتزاز والضغوط الإعلامية أداة لإدارة التفاعلات السياسية الوليدة، مع إغفال كامل للظرف المغاير والاحتشاد الشعبى والقبول الواسع الذى تمتّعت به القيادة الجديدة!
المراهقة السياسية ومعارضة «الحِلَل»
تستند آليات المزايدة والابتزاز السياسى على الخطابات الشعبوية والمواقف الكلية المطلقة، بدون التعمق فى التفاصيل أو الذهاب إلى دقائق الأمور. هكذا أشاعت الإخوان انحياز الدولة لـ«شفيق» فى مواجهة مرشح الجماعة، وحشدت عناصرها فى ميدان التحرير مهددة بإحراق مصر حال عدم إعلان فوز «مرسى»، بتجاهل كامل لخرائط التصويت ومؤشرات الأرقام، وفعلت الأمر نفسه لتشويه احتجاجات الشباب على الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى فى نوفمبر 2012 متجاهلة تفاصيله وما يتضمنه من افتئات على الدستور والقانون وسلطات الدولة، واستكملت الأمر بتبرير الاعتداء على المتظاهرين فى محيط قصر الاتحادية، ديسمبر 2012 وفبراير 2013، وتصفية بعضهم جسديا، متجاهلة مشروعية الاحتجاج وحمل أعضائها للسلاح. وفى كل المواقف الشبيهة ركزت الجماعة على النقطة التى تحقق مصالحها وتجاهلت ما حولها من نقاط قد تُربك خطابها أو تُؤثر على موقفها، وكذلك فعلت القوى السياسية حينما اعتمدت الآليات ذاتها للعمل.
فى انتخابات الرئاسة 2014 انقسم التيار المدنى حول حمدين صباحى، ولم تعمل تيارات اليسار والليبراليين، وربما القوى الناصرية والقومية، للترويج لمرشحهم وحشد الشارع وراءه، فى وقت كان يتمتع فيه المرشح المنافس عبدالفتاح السيسى بمقبولية عريضة وشعبية كاسحة فى الشارع، ورغم تصويت أكثر من 47 % من مجموع الناخبين، فى مشاركة تعد الأعلى فى كل الاستحقاقات الانتخابية خلال العقود الأربعة الأخيرة على الأقل، نشطت بعض دوائر التيار المدنى للترويج لمقاطعتها والتسفيه من نزول قرابة 26 مليون ناخب إلى لجان الاقتراع، بغرض الضغط والابتزاز السياسى على الرئيس الجديد. وتكرر المشهد فى انتخابات 2018 التى شهدت مشاركة قرابة 24 مليون ناخب، سبقها إعلان خالد على انسحابه من السباق مشفوعا بخطاب ابتزاز شبيه بسوابقه، متجاهلا فشله فى جمع توكيلات التأييد الشعبية بواقع 30 ألفا من 15 محافظة، على ألا تقل المحافظة الواحدة عن 1000 مؤيد، ومحاولا توظيف الأمر فى الهروب من الفضائح الأخلاقية التى لاحقت حزبه «العيش والحرية- تحت التأسيس» الذى لم ينجح فى جمع توكيلات التأسيس طوال أكثر من 5 سنوات.
خطابات الابتزاز بدت أكثر وضوحا فى مشهد الاستفتاء على التعديلات الدستورية، إذ تجاهلت القوى السياسية ملاحظاتها السابقة على دستور 2014 وكونه كُتب فى ظرف استثنائى وليس أفضل ما يُمكن الوصول إليه، والحديث عن حاجته للتعديل، ثم رفض مبدأ التعديل الذى يسمح به الدستور نفسه وينظمه وفق نص المادة 226، واجتزاء المشهد واختزاله فى المادة 140 الخاصة بمدد الرئاسة، مع تجاهل كوتة المرأة والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة ونسب العمال والفلاحين ومواد القضاء ومجلس الشورى، وتوجيه خطاب الرفض فى مسارات شعبوية لا تتضمن نقاشا أو تفنيدا أو طرحا للبدائل، وصولا إلى تنظيم الحركة المدنية الديمقراطية مؤتمرا فى مقر حزب الكرامة للدعوة لرفض التعديلات، بدون تقديم مبررات سياسية أو وضع أجندة عمل للتواصل مع الشارع، بل انحصر الأمر فى مطالبة الناخبين بالتعبير عن حضورهم بارتداء ملابس سوداء.
المفارقة أن الحزب الذى استضاف المؤتمر كان أحد الضيوف على قوائم الإخوان فى انتخابات 2011، والأكثر إثارة للدهشة أن دعوة الملابس السوداء ليست ملمحا شبيها بأدوات الإخوان، وإنما كانت ضمن كتالوج الجماعة بالفعل، إذ وجه إعلاميوها معتز مطر ومحمد ناصر وسامى كمال الدين وحمزة زوبع وغيرهم دعوات بارتداء الأسود، إلى جانب دعوات بإطلاق الصافرات والطرق على الأوانى و«الحِلَل»، وهى الدعوات التى تلقفتها قطاعات واسعة من القوى السياسية بالامتداح والترحيب، ودعمت المشاركة فيها، واحتفت بالهاشتاج الذى أطلقه معتز مطر لها بعبارة «اطّمن انت مش لوحدك».
ربما لم يظهر أحد رموز التيار المدنى أو قيادات أكثر من 90 حزبا غائبة فعليا عن الساحة، فى ظل وجود 104 أحزاب لا تنشط منها أكثر من 15 حزبا، حاملا صافرة أو ضاربا الأوانى بالأطباق، لكن كثيرين منهم احتفوا بالأمر، وإلى جانب الاحتفاء يعملون بآليات الإخوان، وينادى عشرات منهم بالمصالحة والاصطفاف إلى جانب «الإخوان»، وهى ممارسات ودعوات، فضلا عما تنطوى عليه من تواطؤ واضح على ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فإنها تؤكد استغراق القوى السياسية فى حالة المراهقة والسيولة وسذاجة الأفكار والحلول، وإدمانها للعمل بتلك الآليات، وبدلا من الاستعداد لانتخابات مجلسى الشورى والنواب المتوقع أن تكون خلال العام المقبل، أو الانتخابات الرئاسية فى 2024 وفق ما أقرته التعديلات الدستورية، تصر فصائل المعارضة على أن تظل مطيّة تابعة للجماعة الإرهابية، حتى فى ظل غياب الجماعة عن المشهد ورفضها شعبيا، وإلى جانب تلبّس روح الجماعة وملامحها فإنها تستمرئ حالة المراهقة السياسية، وكأنها لا ترى بديلا لها، أو لا تقدر على فاتورة النضج ولا تتوفر لديها الرغبة الكافية فى الوصول إليه!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة