المشهد الأول
العسل وصل.. يعلن المنادى فى أزقة وساحات القرية.. وتهرع جدتى وأنا أمسك بيدها وأسير إلى جوارها نحو الترعة، حيث رست مركب العسل القادمة إلى (كفر زرقان) المجاورة لنا.
المشهد الثانى
جئت إلى القاهرة فى سنة 1925 فى أعقاب مقتل السردار الإنجليزى سيرلى ستاك قائد الجيش المصرى فى سنة 1924، فقد كان من أهم العقوبات التى وقعتها إنجلترا على مصر أن يعود الجيش المصرى إلى السودان، فعاد وعاد معه والدى.
المشهد الثالث
أستطيع أن أقول إنه إلى أن تركت المدرسة الثانوية كان قد تأصل فى نفسى شعور دفين بالكره للمعتدين وبالحب والإعجاب لكل من يحاول تحرير بلده.
المشهد الرابع
كانت أحداث حياتى تسير جنبا إلى جنب مع أحداث التاريخ كما سبق أن قلت. فقد انتهيت من إتمام دراستى الثانوية سنة 1936 وفى نفس السنة كان النحاس باشا قد أبرم مع بريطانيا معادة 1936 وبمقتضى هذه المعاهدة سمح للجيش المصرى بأن يتسع، وهكذا أصبح فى الإمكان أن ألتحق بالكلية الحربية، قبل ذلك التاريخ كان الجيش المصرى ضئيل الفاعلية وكان دخول الكلية الحربية قاصرا على أبناء الطبق العليا.
المشهد الخامس
تخرجت فى الكلية الحربية فى فبراير سنة 1938 ومع خروجى إلى الحياة بدأت الطاقة المختزلة فى عقلى الباطن منذ سنين فى الانطلاق.المشهد السادس
فى منقباد بأسيوط.. أذكر أننى رأيت جمال عبد الناصر لأول مرة، فقد لحق بنا هو الآخر مع كتيبته فى منقباد، وكان انطباعى عن أنه شاب جاد لا يميل إلى المزاح مثل غيره من الزملاء ولا يقبل أن يضاحك أى إنسان لأنه كان يرى هذا مساسا بكرامته، ما جعل أغلب الزملاء يبتعدون عنه بل ويتحاشون الكلام معه حتى لا يسىء فهمهم، كان ينصت إلى مناقشاتنا باهتمام لكنه لا يتكلم إلا فى القليل النادر وقد توسمت فيه الجدية لأول وهلة، وكنت تواقا إلى مزيد للتعرف عليه، لكن كان من الواضح أنه يقيم بينه وبين غيره من الناس حاجزا صعب اجتيازه، فقد كان منطويا على نفسه بشكل يلفت النظر ولذلك فكل ما قام بيننا - فى تلك المرحلة – لم يخرج عن نطاق الاحترام المتبادل ولكن عن بعد.
المشهد السابع
فى أواخر عام 1941 التقيت بعزيز المصرى فى جروبى بناء على طلبه كان بحاجة إلى مساعدة تنظم الضباط الأحرار لتمكينه من السفر إلى العراق، فقد وصلته رسالة من الألمان يطلبون فيها سفر لمعاون رشيد عالى الكيلانى فى ثورته التى قام بها فى العراق ضد الإنجليز.
المشهد الثامن
ولما كانوا على معرفة باتصالاتى بعزيز المصرى قبضوا على فورا ونزلوا بى إلى القاهرة وأنا تحت الحراسة.المشهد التاسع
كانت فترة الهروب مليئة بالأحداث، فقد كان لابد أن أعمل لكى أجد لقمة العيش لى ولأولادى فلم يكن والدى فى وضع يسمح له بمساعدتى بأى شىء على الإطلاق، ولذلك كان على أن أخرج للحياة فأطلقت ذقنى لأختفى وسميت نفسى الحاج محمد.
المشهد العاشر
بانتهاء الحرب (الحرب العالمية الثانية) سقطت الأحكام العرفية، وكان ذلك فى سبتمبر سنة 1945 فخرجت إلى الحياة.
المشهد الحادى عشر
ما تعلمت فى الزنزانة 54 أن العاقل هو من يحرص على النجاح الداخلى لأنه سيظل متوازنا داخل ذاته صادقا مع نفسه والصدق مع النفس يعنى الصدق مع الناس.
المشهد الثانى عشر
كان من الطبيعى بعد أن قضيت 31 شهرا متواصلا فى السجن أن أشعر كأنى ولدت لتوى فى عالم جديد لا أعرفه.المشهد الثالث عشر
كنت فى حلوان وذهبت مع صديقى حسن عزت إلى القاهرة، حيث اشترينا قمصانا وفصلت بدلتين وكانت هذه أول مرة أرى الجوارب السوكيت التى يبدو أنها ظهرت وانتشرت فى الأسواق وأنا فى السجن، فأعجبتنى واشترى لى حسن عزت ثلاثة أزواج أو أربعة منها، وبعدها ركبت معه سيارة وذهبنا إلى السويس.
المشهد الرابع عشر
صدرت النشرة العسكرية بعودتى إلى القوات المسلحة اعتبارا من 15 يناير 1950 برتبة يوزباشى، وهى الرتبة التى خرجت بها، وكان زملائى فى الجيش قد سبقونى فى ذلك الوقت برتبتين.
المشهد الخامس عشر
فى الساعة الثالثة صباحا أتت جميع التمامات من جميع الوحدات فأبلغنا عبد الناصر والزملاء أعضاء مجلس قيادة الثورة، وفى الحال اتصل عبد الناصر تليفونيا باللواء محمد نجيب فى بيته بحلمية الزيتون وأرسل عربة مدرعة أتت به إلينا فى الفجر.المشهد السادس عشر
بعد موت عبد الناصر مباشرة لم تكن بى رغبة فى أن أنتخب رئيسا للجمهورية ولما كان عبد الناصر فى خطاب العودة يوم 10 يونيو سنة 1967 قد أعلن نه سوف تجرى انتخابات للرئاسة بعد إزالة آثار العدوان.المشهد السابع عشر
لم أذب إلى الإسكندرية كما كانت عادتى فى كل صيف منذ هزيمة يونيو 1967، لكننى بعد أن اتخذت قرار إخراج الخبراء السوفيت أحسست بشىء من الراحة فقلت أذهب إلى الإسكندرية للاستجام.
المشهد الثامن عشر
فى الساعة الواحدة والنصف ظهر السبت 6 أكتوبر 1973 حضر المشير أحمد إسماعيل إلى حسب ما اتفقنا معه وركبنا الجيب الخاصة بالجيش ارتدى الزى العسكرى وتوجهنا إلى غرفة العمليات.المشهد التاسع عشر
فوجئت أمريكا بحرب أكتوبر 1973 وفوجئ كيسنجر وحزن حزنا شديدا على مصيرى كما قال لى فيما بعد، إذا كان الإسرائيليون فى الأيام الثلاثة الأولى للحرب يؤكدون للعالم كله لأنهم يطحنون عظام المصريين والسوريين، وأن المسألة كما أعلنت إسرائيل ليست إلا ساعات أو يوم أو يومين ويقضى على المصريين ويدفنون فى القناة.المشهد العشرين
وصلت إسرائيل فى أقل من أربعين دقيقة استغرقتها رحلة الطائرة.. بعد الظهر اتجهت إلى الكنيست وألقيت خطابى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة