قليلة هى الكتب التى تؤرخ لمدن وقرى مصر، لذا فإن هذه الكتب على قلتها تقدم لنا معلومات تكمل مشهد التاريخ الوطني، ويأتى كتاب "عرفت هؤلاء" وهو من تأليف خميس سلمونة، ليقدم لنا بعضا من أعلام مدينة أدكو بمحافظة البحيرة، أدرك المؤلف ذلك بحسه، لذا نراه يحدثنا فى كتابه عن محاولات التأريخ لمدينة أدكو فيذكر أن لأدكو سحر خاص لدى الأبناء منها ومن نشأوا على أديمها محبة ومعزة ووفاء وعرفانا، فحاول بعضهم أن يسد دينا عليه ولو قليلا نحو بلده بأن وضعها فى الصورة تحت مظلة الإعلام ومنحها من اهتماماته العلمية والثقافية وسلط الضوء عليها بنية أن تضع تحت أبصار المسئولين على اختلاف توجهاتهم ومسئولياتهم الحكومية بهدف جلب الخدمات لها وأسوق نماذج خمسا من هذه المحاولات فى تاريخنا الحديث والمعاصر:
1-المحاولة الأولى: كتاب – إدكو ماضيها، وحاضرها، ومستقبلها- 1936 للمرحوم / محمد محمود زيتون وفيه تناول الكاتب تاريخ إدكو مسحا شاملا للأنشطة والاجتماعيات والاقتصادية وحصر الأسر والعائلات فى إطلالة بانورامية وهى محاولات ابتدائية مضى عليها حتى الآن 81 عاما.
2- المحاولة الثانية: يعد قيام ثورة يوليو فى العام 1952 بدأت حكومة الثورة فى منظومة الاهتمام بالصناعة وأنشأت مجلس الخدمات للتخطيط الصناعى فى مصر وكان فى الخطة إنشاء مصنع للورق، فتقم نائب إدكو الراحل/ محمد على قاسم بدراسة شاملة عن إدكو وإمكانية صلاحيتها لإقامة مشروع شركة راكتا للورق على أرضها وسعى فى ذلك إلا أنه لم يصل إلى ما يبتغى لتغيير الظروف والأحوال.
3- المحاولة الثالثة: فى العام 1992 ومن مجلس مدينة إدكو صدر كتاب – إدكو مدينة النجوم- وهو عمل إعلامى شامل لكل مجالات الأنشطة فى المدينة صناعية وزراعية وسكانية، وكانت إدارة العلاقاا العامة بالمجلس هى المشرفة على إصداره وكان لى شرف الاشتراك مع الصديق الدكتور راشد الرجال فى إعداده وتبويبه وتنسيقه.
4- المحاولة الرابعة: كتاب إدكو فى ظلال النخيل للزميل والصديق/ محمد أحمد برمو وهو إحاطة شاملة لتاريخ إدكو وتقصى لكل الأنشطة على أرضها شاملا النشاط الزراعى والصناعي، وتم إضافة واستكمال بعض العناصر التى بدأها الراحل زيتون فى العام 1936 فى بانوراما شاملة لما حدث من مستجدات على أرض الواقع وصدر الكتاب فى 2009 ولاقى رواجا من التشكيلات الثقافية والسياسية والاجتماعية.
5- المحاولة الخامسة: دراسية أكاديمية علمية حصل عليها الباحث الجغرافى فى الأستاذ سلامة عروس على درجة الماجستير من جامعة دمنهور بعنوان (مركز إدكو ودراسة فى جغرافية السكان) وفيها إحاطة شاملة لمركز إدكو من تطور حجم السكان خلال الفترة من عام 1897 حتى 2006 والزيادة غير الطبيعية وتوزيع وتركيب السكان والخصائص المكتسبة فى الحالة التعليمية والزواجية والاقتصادية والرؤية المستقبلية ورؤية مستقبلية حتى عام 2023، وانتهت الدراسة الأكاديمية بخاتمة متضمنة ما تم التوصل إليه من نتائج ما توصى به الدراسة لحل المشكلات التى تمثل عائق أمام سكان المركز وتنميتهم، وأشكر للأجيال جهدهم ولمن رحلوا الغفران جنات الرحمن.
من أعلام ادكو الذين أرخ لهم المؤلف الدكتور على الرجال من أبناء ادكو ومن شخصياتها العامة، ومن طليعة الرواد فى العمل السياسى والصحفى والقانونى ونجم ساطع من البواكير وظل لامع الضوء، وهو يتعاطى السياسة والصحافة وظل متوهجا كذلك يوم أن تفرغ للعمل فى القانون مدافعا عن حصنه، يذود عنه بحرفية عالية وتجارب فياضة، فاز فى انتخابات 1945 نائبا عن دائرة رشيد وهو أول إدكاوى يمثل دائرة رشيد أمام مجلس النواب على تاريخها الطويل، وكان من أعضاء الحزب السعدى ومن قياداته، وهو الحزب الذى أسسه أحمد ماهر باشا ومحمود النقراشى باشا بعد انشقاقهما عن حزب الوفد فى عامى 37، 1938 وكان نائبا مبرزا فى المناقشات يمتلك ناصية الحديث فضلا عن ثقافته الخطابية ونبرة صوته المميزة بلثغته الجميلة والرائعة فى نطق حرف (الراء) على الطريقة الفرنسية.
كان طويل القامة عريض المنكبين يملأ عين من يقف معه أو يناقشه ومحاورا ومثقفا لا يشق له غبار وبحكم كونه من قيادات الحزب السعدى ورئيس تحرير صحيفته الرسمية الناطقة باسمه وهى جريدة (الأساس) والتى كانت تصدر يوميا، وكان الدكتور الرجال رئيس تحريرها المسئول، وكانت على منافسة شديدة مع صحيفة (المصري) لسان حال الحزب الوفدي، وبعد قيام ثورة 1952 وحل مجلس النواب الوفدى وحل الأحزاب السياسية فى 1953 ومصادرة صحيفة الأساس، فاعتزل الدكتور على الرجال العمل السياسى وتفرغ كاملا لإدارة مكتبه الشهير للشئون القانونية والمحاماة، وكان من الأسماء اللامعة فى هذا المجال والمشهود لهم بالتميز والقدرة على الدفاع عن ذوى الحقوق وصولا إلى الإنصاف وترسيخ مبادئ العدالة والذود عنها.
وعندما بدأت انفراجة التعبير عن الرأى بعد نكسة 1967 والسماح بسماع صوت الآخر فكر الدكتور الرجال الذى يراوده دائما الحس الصحفى الكائن فى أعماقه فأصدر صحيفة أسبوعية بعنوان (الحرية) وصدر عددها الأول وكان فى هذه الفترة مدافعا عن المتهمين من أعضاء السفارة الفرنسية بالقاهرة فى قضية تجسس ومترافعا فيها، وكانت العلاقات بين مصر وفرنسا متوترة منذ العدوان الثلاثى على مصر فى العام 1956.
واستشهد الدكتور الرجال فى الجلسة الأولى بالآية القرآنية الكريمة: ولا يجرمنكم شنان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى.. وعند حلول الجلسة الثانية للقضية صدر القرار الرئاسى بإلغاء نظر القضية برمتها والإفراج عن المتهمين، وبعد أيام قليلة صدر قرار بإيقاف صدور (صحيفة الحرية).
وتمضى الأيام وتجرى مياه كثيرة تحت الأنفاق وتدخل حرب أكتوبر مجال الأحداث وتستعد إدكو للمشاركة فى الاحتفال بانتصارات أكتوبر والتى قدمت فيها 16 ستة عشر شهيدًا من أبنائها فضلا عن السيدة الشهيدة التى طالتها شظية طائشة حالة نومها على أثر غارة سريعة من ناحية ساحل البحر الأبيض فأردتها شهيدة، ولم يكن لإدكو فى هذه المرحلة نائبا من أبنائها إذ كانت تتبع دائرة رشيد ولم تمثل إدكو شعبيا منذ العام 1961 حتى 1976 لمدة خمسة عشر عاما فاقترح أبناء ادكو استضافة الدكتور الرجال لحضور الاحتفالية بصفته الشخصية واعتباره ضيف شرف ولبى الدعوة مشكورا، حيث كان يقضى مصيفه السنوى بقرية المعدية.
وكان لى شرف تقديم فقرات الاحتفال والبرنامج وضيوفه، وألقى الدكتور الرجال كلمة الترحيب بالضيوف نيابة عن أهالى إدكو كلمة جامعة مانعة فى أسلوب خطابى مميز أبهر الحضور بلاغة وفصاحة وساعده على ذلك قامته الفارهة وهامته العالية، ولا تنسى إدكو دفاعه عن حوالى 200 من المتهمين فى أحداث إدكو فى العام 1992، وتم تبرئتهم جميعا من التهم التى التصقت بهم بفضل دفوعه وإثبات براءتهم فى جلسة واحدة، والدكتور الرجال أول إدكاوى يحوز درجة الدكتوراه فى القانون عن رسالته (حقوق الدائنين فى التركة) من جامعة فؤاد (القاهرة) وهو من مواليد 1911 وانتقل إلى رحمة الله فى العام 2000.
المؤلف أدرك فى كتابه ارتباط ادكو الوثيق بمدينة رشيد التى تقع شرق ادكو، فنراه عبر صفحات الكتاب يطوف بنا برشيد أعلاما وأحداثا، وكذلك يتجه غربا إلى الإسكندرية ليطوف بنا بين أعلامها وأحداثها التى ارتبطت بادكو أيضا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة