هناك الكثير من المهن القديمة التى بدأت فى التراجع والاندثار، مثل تصنيع الموازين القديمة، وحرص الجيل الثانى ممن تعلموها على أيدى آبائهم من رواد المهنة على توريث خبراتهم لأبنائهم الذين أضافوا إليها فكرًا جديدًا لمسايرة العصر من خلال إنتاج أنواع حديثة.
"اليوم السابع" التقى صاحب أقدم ورشة لتصنيع وبيع الموازين بمنطقة الميانى بمدينة بنى سويف، ليحكى مشواره مع الصنعة التى تعلمها من والده وكذلك نجله للحديث عما أدخله من جديد عليها.
وقال سيد العربى 72 سنة: "كان والدى متفردًا فى تصنيع جميع أنواع موازين الميكانيكا البلدى ومنها الكفة والطبلية، والقبانى، وكذلك ميزان الرخامة عبارة عن صندوق خشب وفوقه رخامة، والذى لا تعرفه الأجيال الحالية ولا يوجد منه الآن وتفرد والدى فى صنعه وبيعه، وأعجبت بالمهنة أثناء دراستى بالمرحلة الابتدائية، وطلبت من والدى السماح لى بالعمل معه إلا أنه رفض، مطالبًا باستمرارى فى التعليم وأمام إصرارى وافق والدى، وخرجت من الصف السادس الابتدائى عام 58، لأبدأ مشوارى مع الصنعة والاستفادة من خبرة أبى الذى منحنى أسرار المهنة على مدى سنوات طويلة.
وأضاف "سيد": اعتمدت الصنعة قديمًا على بذل الجهد والعمل لساعات مع تحديد المقاسات جيدًا، حتى تكون كفتا الميزان متساويتين دون زيادة أو نقصان يخل بوزن الأشياء ويظلم أى من الطرفين "التاجر والزبون"، والميزان البلدى يشمل جانبين من الألومنيوم، والقاعدة والعفشة الخارجية والداخلية وكفتين من النحاس، ولم يكن لدينا وقتها آلات تصنيع تعمل بالكهرباء بل اعتمدنا على العمل اليدوى بمقاسات دقيقة جدًا، واستخدمنا المبارد وحجر الجلخ والشنيور فى تقطيع وتسوية أجزاء الموازين علاوة على ما يجمعه السباك والحداد لنا من أجزاء أخرى، وما يصنع منها بالقاهرة ونشتريه جاهزًا وندمج كل هذه الأجزاء ببعضها لتخرج ميزانًا يشتريه المواطنون من محلنا، وبلغ ثمن الميزان البلدى وقتها 12 جنيهًا ثم ارتفع إلى 45، و150، أما سعر الميزان الجاهز حاليًا 240 جنيهًا.
وتابع "سيد": أنشأت الدولة مصلحة دمغ المصوغات والموازين فى السبعينيات وذلك بهدف منع الغش التجارى، وحصلت على رخصة صانع وبائع موازين فى أول يناير عام 77 من بين أول 25 صانعًا معتمدًا على مستوى مصر، ومرت سنوات تعاملت خلالها مع المئات من الزبائن وطلب منى قبانى "وزان" يعمل فى تسويق القطن ميزان ليسلمه إلى إحدى الشركات، بشرط وضع فارق ثلاث كيلو جرامات لتحقيق الربح وغش الفلاحين والموردين، ونظرًا لأننى لم أعتد على مخالفة ضميرى، أبديت موافقتى وخدعته وضبطت الميزان بالملى دون زيادة أو نقصان، وغادر المحل معتقدًا أننى استجبت لرغبته وأخبر أحد أصدقائه بأننى فعلت ما يريد فقام بدوره بالإبلاغ عن الواقعة بمقر المصلحة بالقاهرة وتم استدعائى وأحضروا الميزان محل الادعاء لاختباره بشكل عملى فوجدوا أنه منضبط تمامًا فقرروا سحب رخصة القبانى الذى اشتراه منى .
واستطرد سيد العربى: بمرور السنوات وظهور الموازين الحديثة "الكمبيوتر" توقفت عن تصنيع الأنواع القديمة التى تقلصت أعدادها ولم يتبق منها سوى ما يستخدمه الباعة فى الأسواق أو ما تحتفظ به بعض سيدات العائلات بمنازلهن لاستخدامه فى وزن ما يأخذونه من جبن وزبد من الفلاحات والبائعات المترددات عليهن، ويأتى هؤلاء إلى المحل حتى الآن لإصلاح وإعادة ضبط ميزان الكفة القديم، أو شراء الجديد الذى نحصل عليه من القاهرة جاهزًا للبيع، علاوة على وجود الأنواع الحديثة لمسايرة التطور وتلبية رغبات الزبائن .
ويلتقط أطراف الحديث ياسر العربى نجل صاحب المحل قائلاً: أتقنت مهنة تصنيع الموازين وتعلمت أسرارها من والدى وعندما توقفنا عن تصنيع القديم منها، قررت مسايرة التطور وتصنيع الأنواع الجديدة مثل الديجيتل والبسكول، إذ أحصل على خلية الوزن "الحساس" من القاهرة "استيراد" وأقوم بتصنيع باقى الأجزاء "شاسيه كامل"، بالإضافة إلى تفردى على مستوى المحافظة برخصة تصنيع ميزان البيسكول المستخدم فى وزن السيارات على الطرق، ومحطات التسويق، والمصانع، ومخازن بيع حديد التسليح والخردة .
وأردف ياسر العربى: انتشر ميزان الديجيتال فى بداية الألفية الثانية ومن بين أنواعه، الصغير وزن 40 كيلو "الذهب فى الصاغة، والمعامل ومحلات الدجاج والسوبر ماركت، والطبلية 100 كيلو" محلات الدجاج، المصانع، محلات العلف، الشوادر، الفاكهة، حديد التسليح"، لافتًا إلى أنه يصنع الموازين الحديثة بكفاءة وجودة فى الخامات تفوق الأنواع الصينى ذات الأجزاء الخفيفة، إلا أن سعر الصينى منخفض مقارنة بالمصرى، برغم أنه لو أتيحت لنا الخامات بأسعار رخيصة سوف ننتج موازين بثمن أقل من الصينى وبجودة عالية عنه.