لو كان العقاد حيًا بيننا ورأى مثل هذه المهازل الفكرية التى تغتال عقول الشباب لصور الناس بأبشع الصور، ولكتب من السخرية ما لا يحتمله الناس ولا تستوعبه المجلدات، فقد كان العقاد معتادًا على أن يقيم حديقة حيوان خيالية فى مجلسه لوصف أصحابه وتلاميذه على سبيل الفكاهة أو التقييم، وعلى أساس ما يراه من الصفات فهو يعطى كل شخص لقبًا يناسبه لحيوان يشبهه فى هذه الصفات، فهذا قرد لكثرة تنقله بين الكتب وهذا كالزرافة لعلو غايته وهذا.. وهذا.. إلخ، ومن هذه الألقاب ما كان لاذعًا إذا كان الشخص غبيًا يسىء الفهم، فماذا لو كان حيًا بيننا ورأى كيف يستخدم " الأدب " كستار لكل فعل ردىء أو قول سفيه .
لو كان هنا لجلد هؤلاء المدعون بسياط لسانه الذى لا يرحم، فما عدت أعرف كيف تخلف بنا الفكر إلى هذه الدرجة من السطحية وهذا الحد من التفاهة بعدما كنا روادًا للأدب وصناعًا للفن! شعراء اليوم ما عادوا يكتبون شعرًا وإنما يقذفون علينا من ركاكة الألفاظ وسطحية الخيال ما يفقد الإنسان متعة الاستماع للشعر، هذا بالإضافة إلى السرقات الشعرية، فلا أكاد أسمع بيتًا إلا وأجده مكررًا لشاعر آخر مع اختلاف بعض الكلمات.
والكارثة أنهم يكتبون هذا اللا شىء تحت مسمى "الأدب" ثم نمر معًا بكتاب الروايات والقصص، ولا أعمم فهناك الكثير من البارعين الذين يرقون بفكر القارئ وينقلونه من عالمه الخاص إلى عالم أسمى وفكر أرقى، أما هؤلاء الآلاف من الفارغين الذين يصدرون روايات وقصص مكررة أو مبتذلة لكسب بعض المال وتحقيق الشهرة، فهم لا يعرفون أن ما يفعلونه إضرارًا لعقول الناس واستخفافًا بأذواقهم، هل من المعقول أنه كلما حدث لأحدهم موقفًا سارع لكتابة قصة أو عمل رواية وهو لا يمتلك من العلم شيئًا ولا من الموهبة حظًا ليصدر لنا هذا اللاشىء تحت مسمى " الأدب ".
ولا أخفى عليكم أننى صادفت أحد الشباب يضع صورةً شبه عارية على صفحته فى موقع التواصل دون مراعاة للعرف أو لتقاليد مجتمعنا المحافظ، فحاولت مسرعًا أن أخبره بأن هذه الصورة لا داعى لها، فرد على بقوله الساذج: " أن هذا الفعل من أدب السخرية "، ولا علاقة لهذه الصورة بأدب السخرية من قريب ولا من بعيد، لكنه سوء الفهم وإساءة الاستخدام، ولذلك قصدت تسمية المقال بـ"أدب اللاشىء".
واعتبارًا لهذا الفهم المغلوط الذى انتشر بين الناس، أتمنى أن نضع مزيدًا من الرقابة على دور النشر لنختار ما يصلح للقراءة ونستبعد ما ينشر بغرض تجارى قد يضر بثقافة الأجيال وعقول الأطفال .