حكايات ألف ليلة وليلة .. حكاية مدينة النحاس "2"

الأحد، 12 مايو 2019 05:00 م
حكايات ألف ليلة وليلة .. حكاية مدينة النحاس "2" ألف ليلة وليلة
كتب احمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الليلة السابقة حكت شهرزاد عن مدينة النحاس التى لم يتعرف أحد على مدخلها، لكنهم قرأوا شعرا مكتوبا يوحى بالعظة.
وفى الليلة التاسعة والستين بعد الخمسمائة قالت: بلغنى أيها الملك السعيد، أن الأمير موسى دنا من اللوح الثالث فوجد فيه مكتوباً يا ابن آدم أنت بحب الدنيا لاه وعن أمر ربك ساه كل يوم من عمرك ماض وأنت قانع وراض فقدم الزاد ليوم الميعاد واستعد لرد الجواب بين يدى رب العباد وفى أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات:
      أين الذى عمر البلاد بأسرهـا    سنداً وهنداً واعتدى وتجبـرا
       والزنج والحبش استقاد لأمـره    والنوب لما أن طغى وتكبـرا
       لا تنتظر خيراً بما فى قبـره     هيهات أن تلقى بذلك مخبـرا
       فدعته من ريب المنون حوادث    لم ينجه من قصره ما عمـرا
فبكى الأمير موسى بكاء شديداً ثم دنا من اللوح الرابع فرأى مكتوباً عليه يا ابن آدم كم يملك مولاك وأنت خائض فى بحر لهواك كل يوم أوحى إليك أنك لا تموت، يا ابن آدم لا تغرنك أيامك ولياليك، وساعاتك الملهية وغفلاتها واعلم أن الموت لك مرصداً وعلى كتفك صاعداً ما من يوم يمضى إلا صبحك صباحا ومساك مساء فاحذر من هجمته واستعد له فكأنى بك وقد جعلت طول حياتك وضعت لذات أوقاتك، فاسمع مقالى وثق بمولى الموالى ليس للدنيا ثبوت، إنما الدنيا نسجة العنكبوت ورأى فى أسفل اللوح مكتوباً هذه الأبيات:
        أين من أسس الذرى وبنـاهـا   وتولى مشـيدهـا ثـم عـلا
        أين أهل الحصون من سكنوها   كلهم عن تلك الصياصى تولى
        أصبحوا فى القبور رهناً ليوم   فيه حقاً كل السرائر تبـلـى
        ليس يبقى سوى الإله تعالـى    وهو مازال للكـرامة أهـلا
فبكى الأمير موسى وكتب ذلك، ونزل من فوق الجبل وقد صور الدنيا بين عينيه، فلما وصل إلى العسكر وأقاموا يومهم يدبرون الحيلة فى دخول المدنية، فقال الأمير موسى لوزيره طالب بن سهل ولمن حوله من خواصه كيف تكون الحيلة فى دخول المدينة لننظر عجائبها لعلنا نجسد فيها ما نتقرب به إلى أمير المؤمنين.
فقال طالب بن سهل أدام الله نعمة الأمير نعمل سلماً ونصعد عليه لعلنا نصل إلى الباب من الداخل، فقال الأمير موسى هذا ما خطر ببالى وهو نعم الرأي، ثم إنه عاد بالنجارين والحدادين وأمرهم أن يسووا الأخشاب ويعملوا سلماً مصفحاً بصفائح الحديد، ففعلوه وأحكموه ومكثوا فى عمله شهراً كاملاً واجتمعت عليه الرجال فأقاموه وألصقوه بالسور، فجاء مساوياً له كأنه قد عمل له قبل ذلك اليوم.
فتعجب الأمير موسى منه وقال بارك الله فيكم كأنكم قستموه عليه من حسن صنعتكم ثم إن الأمير موسى قال للناس من يطلع منكم على هذا السلم ويصعد فوق السور ويمشى عليه ويتحايل فى نزوله إلى أسفل المدينة لينظر كيف الأمر ثم يخبرنا بكيفية فتح الباب، فقال أحدهم أنا أصعد عليه أيها الأمير وأنزل أفتحه فقال له الأمير موسى اصعد بارك الله فيك فصعد الرجل على السلم حتى صار فى أعلاه ثم قام على قدميه وشخص إلى المدينة وصفق بكفيه وصاح بأعلى صوته وقال أنت مليح، ورمى بنفسه من داخل المدينة فانهرس لحمه على عظمه.
فقال الأمير موسى هذا فعل العاقل فكيف يكون فعل المجنون، إن كنا نفعل هذا بجميع أصحابنا لم يبق منهم أحد فنعجز عن قضاء حاجتنا وحاجة أمير المؤمنين ارحلوا فلا حاجة لنا بهذه فقال بعضهم لعل غير هذا أثبت منه فصعد ثان وثالث ورابع وخامس فما زالوا يصعدون من ذلك السلم إلى السور واحداً بعد واحد إلى أن راح منهم اثنى عشر رجلاً وهم يفعلون كما فعل الأول.
فقال الشيخ عبد الصمد ما لهذا الأمر غيرى وليس المجرب كغير المجرب، فقال له الأمير موسى لا تفعل ذلك ولا أمكنك من الطلوع إلى هذا السور لأنك إذا مت كنت سبباً لموتنا كلنا ولا يبقى منا أحد لأنك أنت دليل القوم فقال له الشيخ عبد الصمد لعل ذلك يكون على يدى بمشيئة الله تعالى فاتفق القوم كلهم على صعوده.
 
ثم إن الشيخ عبد الصمد قام ونشط نفسه وقال بسم الله الرحمن الرحيم ثم إنه صعد على السلم وهو يذكر الله تعالى ويقرأ آيات النجاة، إلى أن بلغ أعلى السور ثم إنه صفق بيديه وشخص ببصره فصاح عليه القوم جميعاً وقالوا أيها الشيخ عبد الصمد لا تفعل ولا تلق نفسك وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون إن وقع الشيخ عبد الصمد هلكنا بأجمعنا، ثم إن الشيخ عبد الصمد ضحك ضحكاً زائداً وجلس ساعة طويلة يذكر الله تعالى ويتلو آيات النجاة، ثم إنه قام على حيله ونادى بأعلى صوته أيها الأمير لا بأس عليكم، فقد صرف الله عز وجل عنى كيد الشيطان ومكره ببركة بسم الله الرحمن الرحيم، فقال له الأمير ما رأيت أيها الشيخ قال لما وصلت أعلى السور رأيت عشر جوار كأنهن الأقمار وهن يناديني.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة