وجد الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل الفرصة سانحة للاشتباك مع الجدل حول حرية الصحافة الذى دار على صفحات مجلة روزاليوسف، بين السيدة فاطمة اليوسف صاحبة المجلة، وجمال عبدالناصر نائب رئيس الوزراء وقائد تنظيم الضباط الأحرار الذى قام بثورة 23 يوليو 1952 «راجع - ذات يوم 11 و12 و13 مايو 2019».
كان يوم 14 مايو «مثل هذا اليوم - عام 1953»، هو يوم الترقب لردود الفعل حول ما كتبه هيكل فى اليوم السابق - 13 مايو 1953، على صفحات مجلة آخر ساعة وكان رئيس تحريرها.. قال هيكل فى مقاله حسب النص الذى أورده رشاد كامل فى كتابه «ذكريات لا مذكرات» الصحافة والثورة»:» كان مفروضا أن أضع على فمى مائة قفل،وكان مفروضا أن أربط قلمى بمائة سلسلة، وكان مفروضا أن لا أعود إلى الحديث الصريح عن صحافة مصر، وكانت النقابة قد طلبت وقف الحملة مادام الأمر كله بين يدى مجلس التأديب، وكان مجلس التأديب قد أقرها على ماطلبت، وكنت قد نزلت على هذا القرار ثم حدث شىء عجيب، رأيت بعده أن أرفع يدى «فى أدب، وأن أطلب من مجلس التأديب أن يسمح لى بأن أرفع الأقفال، وأنزع السلاسل.. لقد طلعت السيدة الكبيرة والصحفية الجليلة «فاطمة اليوسف»، بخطاب مفتوح وجهته إلى البكباشى «جمال عبد الناصر»، وكان موضوع الخطاب المفتوح هو حرية الصحافة، والمطالبة برفع جميع القيود عليها، ورد البكباشى «جمال عبدالناصر» على الخطاب المفتوح الموجه إليه بالحرف الواحد:
«أنا أكره بطبعى كل قيد على الحرية، وأمقت بإحساسى كل حد على الفكر على أن تكون الحرية للبناء وليست للهدم، وعلى أن يكون الفكر خالصا لله وللوطن ودعينى ألجأ إلى تجربتك كى تبقى الحرية للبناء، ويبقى الفكر لله وللوطن لا تخرج بهما شهوات وأغراض ومطامع عن هذه المثل إلى انفلات مدمر يصيب مصالح الوطن المقدسة بأبلغ الأضرار، لقد قلت أنت بنفسك أنك تعلمين أننى أخشى على موقف البلاد الصلب من إطلاق الحريات خشية أن يدنس بين أمواجها دعاة الهزيمة والتفكك، لقد عبرت بهذا عن جزء مما أشعر به، واسمحى لى أن أضيف عليه شيئا آخر.. هو أننى لا أخشى من إطلاق الحريات، وإنما أخشى أن تصبح هذه الحريات كما كانت قبل 23 يوليو سلعا تباع وتشترى، ومع ذلك فأين هى الحرية التى قيدناها؟. أنت تعلمين أن النقد مباح، وأننا نطلب التوجيه والإرشاد ونلح فى الطلب، بل إننا نرحب بالهجوم حتى علينا إذا كان يقصد منه إلى صالح الوطن وإلى بناء مستقبله وليس إلى الهدم والتخريب ومجرد الإثارة، ذلك لأننى أعتقد أنه ليس بيننا من هو فوق مستوى النقد أو من هو منزه عن الخطأ، وبعد ذلك فإننى أملك أن أضع رأسى على كفى، ولكننى لا أملك أن أضع مصالح الوطن ومقدساته هذا الوضع».
بعد أن ينتهى هيكل من اقتباس هذا النص مما قاله عبد الناصر فى رده على «فاطمة اليوسف» يواصل فى مقاله متسائلا: «ألم يكن هذا هو ماقلته بالضبط، وقدمت من أجله إلى مجلس تأديب؟.. ألم يكن هذا ما قلته حين كتبت: «إن أحد المسؤولين قال لى إنه دهش حينما اطلع على كشف المصروفات السرية، فوجده يضم أسماء عدد كبير من الصحفيين، ألم يكن هذا ما قلته حين تساءلت: هل تسطيع نقابة الصحفيين أن تذهب وتزأر كما تزأر الأسود دفاعا عن حرية الصحافة، بينما مجلس نقابتها، يسكت على هذا الوضع.. أى حرية للصحافة يمكن أن تثور من أجلها فتقاوم طغيان حاكم، أوتحمل مشعلا أمام ظلام.. ألم يكن هذا ما قلته حين ناديت: «إننى كنت أتمنى لو أن نقابة الصحفيين واجهت أزمتها بكرامة وعزة، وقالت الحق على نفسها لتستطيع أن ترفع رأسها وتقذفه فى وجوه الآخرين، وقدمت بيدها الدليل على استحقاقها للحرية قبل أن تثور عليه، إن أحدا لا يستطيع أن يعطينا الحرية، إن الحرية لا تعطى كما تعطى المصروفات السرية، والحرية لاتطلب استجداء وتسولا،إن الحرية كامنة فى قلوب الأحرار رابضة على أسنة أقلامهم، ألم يكن هذا ماقلته حين رويت: «لقد قيل لأحد المسؤولين يوما أن نقابة الصحفيين سوف تنظم حملة للمطالبة بحرية الصحافة فهل أعددتم ردا على هذه الحملة، وقال المسؤول: نعم أعددنا كشف المصروفات السرية منذ سنة 1930 حتى اليوم، لقد كان هذا هو مقتل الحرية وعليه ينبغى أن تكون الثورة، وضده تكون انتفاضة العزة والإباء، ألم يكن هذا هو ما قلته؟ لقد قاله جمال عبد الناصر أيضا، وبعد هل سأجد «جمال عبدالناصر»، مقدما مثلى إلى مجلس التأديب فى جلسته المقبلة».