محاولات عدة تحاول الحكومة الإيرانية انتهاجها فى الآونة الأخيرة لابتزاز أوروبا فى المرحلة الراهنة، بعدما فشلت كافة محاولاتها السابقة فى مجابهة الولايات المتحدة، منذ صعود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فى عام 2017، والذى بدأ بالإنسحاب الأحادى الجانب من الأتفاق النووى الإيرانى، مرورًا بفرض العقوبات الصارمة حتى وصل الأمر فى النهاية إلى التلويح بورقة الحرب، مع زيادة الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة.
ولعل قيام السلطات الإيرانية مؤخرًا باعتقال سيدة إيرانية، تدعى أرس أميرى، كانت تعمل فى المركز الثقافى البريطانى فى طهران، يمثل جزءًا لا يتجزأ من المحاولات التى تتبناها الحكومة الإيرانية لابتزاز أوروبا واستقطابها فى معركتها المحتدمة مع الولايات المتحدة فى الوقت الراهن، على الصعيد الدبلوماسى، والتى ربما تمتد فى المستقبل القريب إلى ساحات القتال، وهو الأمر الذى يعيد إلى الأذهان المحاولات السابقة التى تبنتها طهران فى السنوات الماضية، للحصول على دعم أوروبا، عبر ما يمكننا تسميته بـ"دبلوماسية الابتزاز".
تهمة التجسس.. قضية السجناء تثير امتعاض الغرب من طهران
ويمثل استخدام تهمة التجسس تجاه مواطنى أوروبا، وخاصة من البريطانيين، ليس بالأمر الجديد تمامًا، حيث يبقى ملف السيدة البريطانية نازنين زاغري راتكليف، والتى تعمل كموظفة إغاثة، أحد الملفات الخلافية الكبيرة بين البلدين، فى ظل اعتقال السلطات الإيرانية لها منذ سنوات بتهمة التجسس، وهى الاتهامات التى وصفتها الحكومة البريطانية بـ"الملفقة"، حيث كانت تلك القضية على رأس أولويات وزير الخارجية البريطانى جيريمى هانت، خلال زيارته إلى طهران فى نوفمبر الماضى.
ففى خلال لقائه مع المسئولين الإيرانيين، اعتبر هانت أن الإفراج غير المشروط على المواطنة البريطانية، وغيرها من مواطنى بريطانيا المعتقلين فى سجون طهران سيئة السمعة، يبقى عاملا رئيسيا لتثبت طهران حسن نواياها فى المرحلة المقبلة، داعيا الحكومة الإيرانية للتوقف عن استخدام مواطنى بلاده كـ"رهائن دبلوماسيين"، من أجل تحقيق مصالحهم السياسية عبر الضغط على بلاده فى المرحلة الحالية، والتى تسعى خلالها طهران للحصول على دعم أوروبا.
دعوات هانت للإفراج عن المواطنة البريطانية لاقت استجابة مؤقتة من السلطات الإيرانية، والتى منحتها إفراجا مؤقتا قبل أيام من اعتقالها مجددا، بينما يبقى ملف السجناء الأمريكيين فى طهران كذلك هو أحد القضايا الخلافية مع إدارة ترامب، خاصة وأن الرئيس الأمريكى قد سبق له وأن وضع الإفراج عن السجناء الأمريكيين كشرط رئيسى قبل انطلاق المفاوضات مع كوريا الشمالية، وهو الأمر الذى كرره مع طهران بعد ذلك فى العام الماضى.
شره إيرانى.. طهران تواصل سياسة التعنت
ففى خطابه للإعلان عن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى الإيرانى، دعا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب السلطات فى طهران إلى الإفراج عن مواطنى بلاده القابعين خلف القضبان فى الأراضى الإيرانية، كأحد الشروط الرئيسية التى وضعها من أجل التواصل مجددا مع الحكومة الإيرانية، بالإضافة إلى صياغة اتفاق جديد يمكن من خلاله توسيع القيود المفروضة على إيران فيما يتعلق بتطوير أسلحتها بحيث لا يقتصر الأمر على الأسلحة النووية، لتمتد إلى أسحلة أخرى، وعلى رأسها الصواريخ الباليستية، إلا أن الحكومة الإيرانية لم تبدى مرونة كبيرة تجاه المطالب الأمريكية.
وهنا يثور التساؤل حلول الأهداف التى تكمن وراء الشره الإيرانى فى اعتقال المزيد من مواطنى الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، ورغبتها فى عدم الاستجابة لمطالب الإفراج عنهم، باعتبارهم صيد ثمين، وهو الأمر الذى يتعارض مع هدف طهران والذى يتمثل فى الحصول على قدر من التعاطف الدولى فى أزمتها مع واشنطن، وخاصة منذ الإنسحاب الأمريكى من الاتفاقية النووية، فى خطوة أحادية الجانب، لاقت رفضًا دوليًا ملموسًا، من قبل حلفاء واشنطن فى الأتحاد الأوروبى، وعلى رأسهم الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاقية، وهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
يبدو أن سياسة تلفيق الاتهامات التى تتبناها طهران، لاعتقال مواطنى أوروبا وأمريكا، تمثل حالة من اليأس لدى الحكومة الإيرانية فى الحصول على تنازلات سياسية كبيرة فيما يتعلق بالاتفاق النووى، خاصة بعد الفشل الذريع الذى يلاحق الغرب الأوروبى فى التأثير على القرار الأمريكى المتعلق بالانسحاب منه فى شهر مايو من العام الماضى، بالإضافة إلى عدم قدرتهم فى اتخاذ خطوات جادة للحد من تداعيات العقوبات الأمريكية المتواترة التى تستهدف الاقتصاد الإيرانى المترنح.
البحث عن صفقة.. طهران تضع نفسها "ندا" للغرب عبر تبادل السجناء
وهنا يمكننا القول أن النهج الإيرانى يحمل فى طياته أهدافا أخرى، تتجاوز القضايا السياسية الخلافية، بين طهران وخصومها التاريخيين، للوصول إلى صفقة أخرى من شأنها تبادل السجناء، عبر استخدام ورقة المعتقلين الغربيين فى طهران، لإجبار دول أوروبا والولايات المتحدة على الإفراج عن المواطنين الإيرانيين المحتجزين لديهم، وهو النهج الذى يضعهم فى صورة الند الذى يمكنه مقارعة القوى الدولية الكبرى، وفرض شروطه عليهم.
الحديث الإيرانى عن مسألة تبادل السجناء، تمت الإشارة إليها صراحة من قبل وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف فى شهر أبريل الماضى، حيث أشار فى تصريحات أبرزتها وكالات الأنباء الإيرانية إلى تعاطفه البالغ إزاء قضية السيدة راتكليف، موضحا أنه يسعى لمساعدتها من أجل استعادة حريتها، ليقدم فى سياق حديثه عرضا لإبرام صفقة تقوم على تبادل السجناء، حيث تقوم السلطات الإيرانية بالإفراج عن المواطنة البريطانية، مقابل الحصول على دعم لندن فى الضغط على واشنطن لإجبارها على الإفراج عن المواطنين الإيرانيين المحتجزين فى السجون الأمريكية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة