كان الوقت مساء يوم 18 مايو عام 1971 حين اتصل الرئيس السادات بمنزل فتحى الديب، مسؤول الشؤون العربية فى رئاسة الجمهورية، يطلب لقاءه ظهر اليوم التالى بمبنى مجلس الوزراء، حسبما يؤكد«الديب» فى كتابه «عبد الناصر وثورة ليبيا»، مؤكدا أن السادات أبلغه بأنه سيكلفه بالسفرإلى ليبيا لمعاونة القادة الليبيين فى اتخاذ إجراءات وضع إعلان قيام اتحاد الجمهوريات العربية موضع التنفيذ، ويضم هذا الاتحاد مصر وليبيا وسوريا.
كان«الديب»هو من أسند إليه جمال عبدالناصر مسؤولية الشؤون العربية فى رئاسة الجمهورية، فأصبح همزة الوصل بين مصر وحركات التحرر العربية من المحيط إلى الخليج، وله دوره المشهود فى مساندة مصر للثورة الجزائرية منذ بدء كفاحها المسلح فى نوفمبر 1954 حتى استقلالها عام 1962، بالإضافة إلى أدواره فى اليمن ومنطقة الخليج أثناء احتلاله البريطانى، كما أسند إليه عبدالناصر ملف الثورة الليبية بقيادة معمر القذافى فور قيامها فى الأول من سبتمبر1969، وسافر إلى ليبيا للمساعدة فى بناء أجهزة الدولة، واستمر فى مهمته بعد رحيل عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1971، وتولى السادات حتى تم إسدال الستار عن هذا الدور يوم 19 مايو–مثل هذا اليوم–1971، وكان عمره 48عاما«مواليد 1923».
يتذكر«الديب» فى كتابه «عبدالناصر وثورة ليبيا»، أنه توجه للقاء السادات فوجده مشغولا، وكان ذلك بعد ثلاثة أيام من حسم السادات لصراعه مع مسؤولين ووزراء وقيادات فى الاتحاد الاشتراكى ممن عملوا بجوار عبدالناصر وتقديمهم للمحاكمة، يؤكد: «أرسل لى مدير مكتبه ليخبرنى بأنه سيتصل بى ليحدد موعدا جديدا مساء نفس اليوم للالتقاء به، وغادرت لأتوجه لمكتبى ثم إلى منزلى».
وقعت المفاجأة التى لم يتوقعها الديب، وكانت وفقا لروايته:«فى الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم التاسع عشر من مايو، فوجئت بحضور ضابط مباحث عامة سبق له التعاون معى لمنزلى، ليطلب منى اصطحابه إلى مبنى مستشفى كلية الشرطة، وحينما استفسرت منه عن السبب أخبرنى والدموع فى عينه أنه صدرت إليه الأوامر لاعتقالى، وتحديد إقامتى فى مبنى مستشفى كلية الشرطة، وأنه حاول التنحى عن أداء هذا العمل الصعب والثقيل على نفسه، وقد كان للحقيقة فى غاية الألم والأدب»..يتذكر الديب:«طلبت من الضابط التريث حتى أعد حقيبتى، وصاحبته إلى المبنى المذكور لأجد عددا من رؤساء وأعضاء منظمة الشباب بالاتحاد الاشتراكى قد سبقونى ليحتجزوا فيها، وخصصت لى غرفة خاصة لأقيم فيها»..يؤكد:«خلوت بنفسى لأستعرض تطور الأحداث فاقتنعت بأن الهدف الرئيسى من اعتقالنا هو التخلص من كل من عاون جمال عبدالناصر بكل الصدق والوفاء، ولم تمض ثلاثة أيام على اعتقالى حتى فاجأتنى الأزمة القلبية الثانية، فنقلت إلى مستشفى المعادى تحت الحراسة، ولأقض بها سبعة أشهر تحت العلاج والتحقيق خلالها لإلصاق تهمة«بلبلة الأفكار ضد اتفاقية إقامة اتحاد الجمهوريات»..يعلق الديب:«كانت هذه التهمة موضع تندر كل من استمع إليها متعجبين كيف أكون مبلبلا للأفكار ضد الاتفاقية التى أعددتها بنفسى وبقلمى.. وتمت المحاكمة لتبرأ ساحتى لعدم وجود أى دليل أوسند لما ادعى على به من أكاذيب».
يؤكد الديب:«عدت إلى منزلى مرفوع الكرامة وتوافد على العديد من الإخوة المناضلين من كافة أنحاء الوطن العربى لتهنئتى، وإعلان سخطهم على ما تم من إجراءات تعسفية ضدى، وضد كل المخلصين المؤمنين من أعوان عبدالناصر»..ويكشف:«بادرت بتقديم استقالتى خطيا لرئيس الجمهورية، وحضرت مع من حضر من أعضاء مجلس الثورة الليبى ليعرضوا على مصاحبتهم إلى ليبيا للإقامة بها والعمل مستشارا لرئيس مجلس الثورة، واعتذرت موضحا لهم أننى قررت ألا أعمل فى أى ميدان له أى علاقة بالسادات من قريب أوبعيد،مع استعدادى لمعاونتهم فى كل ما يحتاجون إليه من منزلى بالقاهرة، وفى يونيو 1972 فوجئت باتصال تليفونى من أشرف مروان سكرتير السادات، يطلب منى السفر إلى ليبيا لحاجتهم لى، وأبلغته اعتذارى».
يضيف«الديب»:«عاود الاتصال بى حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى حينذاك طالبا منى الاستجابة، وكان جوابى أننى على استعداد بشرط قبول رئيس الجمهورية لاستقالتى التى أرسلتها له ولم يبت فيها..كما أطالب بجواز سفر جديد باسمى الشخصى وبلا منصب حتى لا توجه لى فيما بعد تهمة التعاون مع جهات أجنبية، وتم إخطارى على لسان حافظ إسماعيل بقبول استقالتى، وسافرت إلى طرابلس»،ويؤكد الديب:«التقى بى القذافى فى اليوم التالى لسفرى وطلب مرافقته إلى بنى غازى لمصالحتى على السادات الذى سيصل إلى ليبيا بعد ظهر نفس اليوم، وكان ردى:«آسف يا أخى معمر لست مستعدا لألدغ من نفس الجحر مرتين..وحاول إثنائى عن موقفى ولكنى أصررت، وأستأذنت للسفر صباح اليوم التالى، لتتوقف صلاتى بأحداث ليبيا على المستوى الرسمى».