معركة كبيرة تدور رحاها، خلف الكواليس، منذ عدة أشهر، تتعلق بالسماح لشركة "هواوى" الصينية المتخصصة فى التقنية والتكنولوجيا بإنشاء شبكة الجيل الخامس G5 فى العديد من الدول الأوروبية وسط ضغوط كبرى من الولايات المتحدة على حلفائها لمنع الشركة الصينية من ذلك بسبب مخاوف أمنية تتعلق بالتجسس لصالح بكين.
المعركة التى شهدت خلال الأشهر الماضية صدام داخل الحكومات الأوروبية بين مؤيد معارض لوجود الشركة الصينية، سقط أول ضحاياها، وهو وزير الدفاع البريطانى، جافين ويليامسون، الذى أقالته رئيسة الوزراء، تيريزا ماى، أمس الأربعاء، فى أعقاب تسريبات هامة تتعلق بقرار السماح لشركة "هواوى" الصينية بإنشاء شبكة الجيل الخامس تتهم وزير دفاعها بالوقوف وراءها.
ويصر الوزير البريطانى على براءته وألمح إلى أنه جرى محاولة توريطه فقط. ووفقاً لصحيفة جارديان، قال مكتب تيريزا ماى فى بيان رسمى "أن قرار الإقالة الصادر من قبل رئيسة الوزراء بسبب سلوكه فيما يتعلق بتحقيق فى ظروف الكشف غير المصرح به عن معلومات من اجتماع لمجلس الأمن القومى".
ويبدو أن الأمر يتعلق بالخلاف بين وزير الدفاع ورئيسة الوزراء بشأن الأمر، إذ يرفض الأول السماح للشركة الصينية بالمشاركة فى إنشاء الشبكة داخل المملكة المتحدة. إذ حذر ويليامسون، مرارا، من التجسس الصينى على البريطانيين عبر شركة هواوى. وفى ديسمبر الماضى، اصبح أول وزير فى الحكومة البريطانية يتحدث علانية ضد شركة الاتصالات العملاقة وسط مخاوف من أن مشاركتها فى شبكة الهاتف المحمول البريطانية من الجيل الخامس سيمكن عمليات التجسس الصينى.
وقال ويليامسون إنه كان لديه "قلق خطير وعميق للغاية" بشأن الشركة الصينية التى توفر التكنولوجيا لتحديث خدمات بريطانيا إلى الجيل الخامس فائق السرعة. وأشار إلى أنه سيلزم إجراء استعراض كامل للمخاطر الأمنية متهما بكين بالعمل "فى بعض الأحيان بطريقة خبيثة"
تعليقات وزير الدفاع البريطانى، وقتها، أعقبت اتفاق الولايات المتحدة ونيوزيلندا وأستراليا - الأعضاء جنبا إلى جنب مع بريطانيا وكندا فى التحالف المخابراتى Five Intelligence Eyes لحظر شركة هواوى من المشاركة فى شبكاتهم الجديدة من الجيل الخامس.
لكن بشكل مفاجئ، تراجعت حكومة ماى عن موقفها وتقرر خلال اجتماع مجلس الامن القومى، نهاية ابريل الماضى، السماح لعملاق التكنولوجيا الصينية بالمشاركة المحدودة فى بناء البنية التحتية "غير الأساسية" مثل الهوائيات. وذكرت صحيفة "ديلى تلجراف"، أن رئيسة الوزراء البريطانية أعطت الضوء الأخضر لشركة هواوى للمساعدة فى بناء شبكة 5 جى متجاهلة التحذيرات الأمنية من واشنطن التى تشتبه بأنها تتجسس لحساب بكين.
وخلال الأشهر الماضية، أثارت "هواوى" تدقيقا متزايدا من قبل الحكومات حول العالم التى تشعر أن الشركة الصينية ربما لها صلات بأجهزة الأمن الصينية. هذه المخاوف دفعت عدد من الحكومات إلى وضع الشركة قيد الفحص والتدقيق، لاسيما وسط قلق خاص بشأن التكنولوجيا التى تستخدمها فى تحديث شبكات الهواتف المحمولة من الجيل الخامس G5.
وتشكل خلفية "هواوى" عامل قلق آخر لدى بعض الحكومات وعلى رأسها الولايات المتحدة وكندا وبولندا واستراليا ونيوزيلاندا، إذ تأسست الشركة من قبل رين زينجفى، وهو مهندس سابق لدى جيش التحرير الشعبى الصينى، فى الثمانينيات، وأصبح سيئ السمعة لثقافته الشبيهة بالجيش.
وعلى الرغم من أن الشركة المملوكة للقطاع الخاص تنكر وجود أى تهديد للتجسس وتقول إنها تعمل فى ظل سيادة القانون فى البلدان التى تعمل بها، فقد تزايد الضغط على الشركة فى الآونة الأخيرة حيث دفعت الولايات المتحدة حلفائها للتفكير مرتين فى استخدام تقنية هواوى.
لكن بريطانيا ليست البلد الأوروبى الوحيد الذى وجه ضربة لجهود واشنطن فى هذا الصدد، ففى مطلع مارس الماضى، أبدى آرنى شونبوهام، رئيس وكالة الأمن الإلكترونة الفيدرالية الألمانية BSI "المكتب الاتحادى الألمانى لأمن المعلومات"، دعمه لفكرة عقد صفقة "عدم التجسس" مع الصين كطريقة لمعالجة المخاوف من استخدام معدات هواوى فى نظام الاتصالات عالى السرعة فى ألمانيا.
وأشارت آرنى، فى مقابلة مع صحيفة فايننشيال تايمز، البريطانية، إلى أن ألمانيا يمكن أن تسمح رسميًا لشركة هواوى بالمشاركة فى نشر شبكات الجيل الخامس 5G إذا أعطت السلطات الصينية ضمانات إضافية بشأن أمن البيانات.